الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:32 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:21 PM
العشاء 8:42 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

كعك دير عمار

الكاتب: رامي مهداوي

استيقظنا في الصباح الباكر وعلى غير العادة ... وجهتنا اليوم تختلف قليلاً ... صديقي أسيد الشنطي يتصل باكراً لا تذهب بدوني... قائلاً: "سنبحث عن بقايا وطن غاب عنا قبل اثني عشر عاماً" ... الطريق الى أقصى جنوب الخليل كان طويلاً ... كان مليئاً بالأحداث التي يسردها المكان ويشهد عليها الزمان ونقرأها في أعين أناس هم جزء لا يتجزأ من القضية ... وصلنا ولم يصل بعد ...
فإجراءات الإفراج تختلف عن إجراءات الاعتقال ... فالأخيرة تنتهي بمجرد الوصول الى الهدف حيث ينقطع اتصاله بالوطن منذ تلك اللحظة ... أما الأولى فهي إعادة لجزء من الوطن كان قد نزع منه ... إعادة قائد الى عرينه ليبدأ من جديد ... يحاول الاحتلال أن يؤخر اللقاء قدر المستطاع ... فهو يعلم جيداً ثمن الفريسة التي بين يديه يعلم بأنه اصطاده صدفه ... يعلم جيداً أن هناك المئات بل الآلاف ينتظرون هذه اللحظة بفارغ الصبر ... ساعات مرت ببطء شديد ... جعلتنا نستذكر خلالها الأحداث ... بدأنا من أواخر الثمانينيات حيث كانت البداية ... فحكم بالسجن لمدة أربع سنوات كان قد حرم طالباً أنهى المرحلة الثانوية من الالتحاق بجامعته التي كان يحلم بها، ليبدأ فيها مع زملائه قصة نضال جديدة ... وحكم بالسجن أربعة أشهر بداية التسعينيات كان قد نزع فرحة البدء في الدراسة ... لكن حكماً بالسجن اثني عشر عاماً مع بدء الألفية الثانية كان مختلفاً نوعاً ما ...
قد كان حائلاً أمام إنسان يريد أن يبدأ حياة جديدة ... أن يبني وطناً صغيراً في وطنه الكبير كأي شاب ... كان حرماناً لجيل يخوض انتفاضة عزة وكرامة من قائد ومؤسس وموجه يحتاجونه كل لحظة وكل حين ... وما بين الذكريات وسردها ... وما بين الأحلام التي لم تتحقق بعد ... وما بين الانتفاضة التي بدأت ولم تنته بعد ...
أطل علينا من بعيد فارس مغوار أسمر الملامح ووجهه عريض ترتسم الابتسامة على كافة جوانبه فقد ودعني مبتسماً، قائلاً لي: "مش مشكلة يا مهداوي" هو كما غادرنا لكنه نحيف، لقد فقد الكثير من وزنه حتى لا يفقد كرامته ووطنيته ... فالمحتل لا يعيد وطناً إلا وقد انتزع جزءاً منه ... أن تفقد جزءاً من وزنك يعني أنك حافظت على الذاكرة ... أنك ما زلت تحافظ على الأفكار والمبادئ ... كان اللقاء حميماً جداً ... اختلفت الوجوه قليلاً ... فهناك شيب قد غزا الرؤوس ... وهناك تجاعيد قد غطت الجبين ... لكن بين هذا وتلك هناك جيل جديد قد نشأ ... وهناك جيل ينتظرك لتقرأ عليهم تراتيل الثورة ومبادئها ... لترسم لهم طريق البداية لا تلك التي بدأتها أنت لأنك لم تحدد نهايتها ... بل بداية تحدد ملامح نهايتها أنت ومنذ الآن ... لقد تعرف على أسيد الشنطي قبل أن يتعرف على الأطفال من أبناء دمه.
... مشوارك طويل يا بن قرية دير عمار الصامدة فوق تلك التلال ... وبين تلك المغتصبات ... مشوارك لم يبدأ بعد يا بن شبيبة بيرزيت التي لك فيها من اللمسات ما زالت سطوراً من الشعر يرددها طلبتها ويحفظونها ضمن متطلبات التخرج ... مشوارك لم يبدأ بعد يا بن رام الله الصامدة فشوارعها وأزقتها ما زالت حزينة منذ ودعتها آخر مرة ... مشوارك لم يبدأ بعد يا نعيم أبو الكعك ... وهل يخفى هذا الاسم على أحد مر من رام الله خلال ربع قرن قد مضى.
هل يخفى هذا الاسم على أي فلسطيني من أقصى الشمال إلى الجنوب إلى غزة والقدس ... كنت دائماً العون والسند لأبناء شعبك وبلدك ... لم تتوان يوماً عن قيادة أي مشروع فيه مصلحة عامة ... كنت المبادر دوماً مهما كانت تحيط بك من مخاطر ... والآن وقد عدت ... والآن وقد أعددت جيلاً لم يلتق منذ ودعك ... والآن وقد علت الزغاريد قريتك وامتلأت خيمتك بالمهنئين ... سنتركك قليلاً لتأخذ قسطاً من الراحة.
سنتركك لنعود إليك بعد حين ونكمل ما بدأنا ونصلح ما أفسدوا ... سنعود إليك لتبني وطنك الصغير ونبني وطننا الكبير ... أنت حكاية شعب ما زال شلال دمائه ينزف بالحب والعطاء.
للتواصل: بريد إلكتروني:

mehdawi78@yahoo.com

فيسبوك: RamiMehdawiPage

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...