الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:09 AM
الظهر 12:44 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:02 PM
العشاء 8:19 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

سلفانا عن الغد الاردنية

الكاتب: د.أحمد جميل عزم

اعتدت وصديقي الإماراتي السير للرياضة على الكورنيش الشرقي في أبوظبي، مسافة ثمانية كليومترات. وكانت أحاديثنا تتنوع؛ عن شجر القِرم على الشاطئ المقابل لنا، وقصة الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله، مؤسس الإمارات الحديثة، وكيف أصَرَ أنّ الأرض هنا والبحر يمكن أن يُزرعا، وصار فيهما بالفعل شجر، ومناحل عسل. كما نتحدث عن الزيتون أيضاً. وفاجأني أنّ أحاديثي سكنت ذاكرته، وأنّه تحدث لعائلته عن الزيتون وعمّا قلته له عن طرق تصنيعه. وساورني سؤال: هل بالغت، ومنحت الزيتون رومانسية؟ ثم قررت أني لم أفعل؛ فالشجرة واردة في القرآن، وموسم قطافها عيد ومهرجان فرح، وتتحول الأرض إلى معركة مع "الخواجات" الآتين لسرقته وقتله.

وقد استيقظتُ أمس وفيّ رغبة أن أحدثه عن معرض متحف جامعة "بيرزيت"، عن "سلفانا". فعندما كنت طفلا، سمعتُ جدتي تقول: "علبة السلفانا بتلف البلد، وبترجع مرات على البيت اللي طلعت منه".

في العام 2000، عُرض فيلم أميركي اسمه "شوكلاتا". وكنتُ معتاداً في الماضي على تسمية فلم كهذا بأنّه "ثوري". والفيلم الثوري، كما كنت أفهمه، يتضمن جمالاً مدهشا، وغوصاً في النفس الإنسانية، ومحاولة لتحليلها وتثويرها، بغض النظر عن السياسة. وفي الفيلم، تأتي ممثلة، كأنّي بها بدويّة أو غجريّة، بالشوكلاتا. وكثيرون من العظماء والأنبياء في التاريخ ساحوا في الأرض يحملون أحلامهم وأفكارهم.

في الفيلم، تتنقل الممثلة بين القرى، ترافقها ابنتها، وتفتح محل شوكلاتا بمواصفات خاصة، تمزج فيها البهارات والفلفل. ويتحول المحل (والشوكلاتا) إلى مكان للقاء الأحبة، من نوع لقاء الجّدة مع حفيدها الممنوع عنها. كما يصبح مكاناً لمناقشة العلاقات الإنسانية وإصلاحها. فيتَحدّون التركيبة المتخلفة للمجتمع، ولأشخاص يُسيطرون على آخرين بمنع الانفتاح والصراحة، والخرافات.

في متحف "بيرزيت" أنّ شابا فلسطينيا ذهب إلى إيطاليا، فشاهد فيلما عنوانه "الرز المر"، تُسمى بطلته "سلفانا منغانو". واقترح على العائلة تسمية مصنع الشوكولاتة باسمها.

كانت العائلة تعيش العام 1948، في القدس، والأطفال يبيعون السكاكر والحلويات؛ يصنعونها في "حوش" بيتهم الكبير. ومن ثم انتقلوا للعيش في رام الله، واشتروا محلات هناك، وتطور العمل. واتفقوا على إرسال أحد الأبناء (يوسف) إلى إيطاليا لتعلم صنع الشوكولاتة. وبالفعل تعلم، واشترى آلات مصنع مفلس، بقيمة 1500 دينار أردني، تم تركيبها قرب حسبة خضار رام الله العام 1953. وتطور البيع من الشوارع ودوار المنارة، وأنشأ الأب وأبناؤه (يوسف ونيشان وأنطون) العام 1958، مصنع سلفانا، في بيتونيا قرب رام الله، وكان المصنع الوحيد للشوكلاتة في المنطقة. أكثروا من الإعلانات، وكانوا يذهبون إلى مدن المملكة وخصوصاً العاصمة عمّان، ويبيعون الشوكولاتة في الشوارع، ويُعرّفون الناس بِها. 

وأصبح من يَزور مريضاً أو ناجحاً في الدراسة أو متزوجاً، لا يقول "سآخذ علبة شوكولاتة"، بل "سآخذ سلفانا"، لتتراكم العلب عند صاحب المناسبة، فيعيد بيعها لبقالة أو يُعيد إهداءها.

وبدأت المشكلات الحقيقية بعد الاحتلال العام 1967، وإقفال الجسور. إذ صار أغلب التسويق محليّاً. وعمل أصحاب المصنع مع تجار إسرائيليين لاستيراد مكونات حلواهم. ومع الانتفاضة الأولى، تراجع البيع كثيراً، وصار العمل ثلاثة أيام أسبوعيا. وبدأت إضرابات العمال المطالبة برفع الأجور، وصار توصيل البضاعة حتى محليا أمرا صعبا، وفي حالات لجأوا إلى الجِمال لتهريب الشوكولاتة للأسواق. 

ليس الاحتلال وحده، بل دبت خلافات أولاد الإخوة بعد موت الأب. ومن القصص أنّه عندما وضعت السلطة الفلسطينية لجنة لإدارة المصنع وإنقاذه، كان أحد أبناء العائلة يتسلل للمصنع ليلا ويخرب الخلطات والآلات. وبِيع المصنع. لكن مع انتفاضة الأقصى ومنع المواد الخام من الوصول وفسادها وهي تنتظر على الحواجز، ومنع تسويق المنتجات، أُقفل المصنع.

سلفانا قصة رومانسية في جُزء منها، بعضها تَحليق وخيال، وجزء من ذاكرة شعب. وفي نهايتها هناك عامِل ذاتي، وعاملٌ أهم هو الاحتلال.

من دون احتلال نأتي بالإلهام من كل العالم، ونصدر نصيبنا من الحلم والحقيقة والصناعة والأفكار؛ نجعل زيتوننا قصة إنسانية، وأغنية جميلة، وغذاءً للعقل والجسد، ومُتعةً للحَواس- كما الشوكولاتة. ونُصبح بما لدينا من أنبياء، وفلاسفة، ومقدسات، وأشجار زيتون، وكروم عنب، وقصص، وتطريز، ودبكة، ورقص، وخيول، قادرين على أن نكون "مسيح الإنسانية" وروح وحدته، ولكن الاحتلال "إغلاق".

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...