الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:44 AM
الظهر 12:39 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:15 PM
العشاء 8:34 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

الراقصة والصحفي

الكاتب: محمد فهد الحارثي

قبل أسبوعين اتخذت محطة تلفزيون إن بي سي الأميركية قرارا بمعاقبة كبير مقدمي الأخبار فيها، وأشهر مقدم أخبار تلفزيونية في الولايات المتحدة، برايان ويليامز، بإيقافه عن العمل لـ 6 شهور، ودون أجر.

والسبب أنه روى قصة حدثت في 2003 أي قبل 12 عاماً، أثناء حرب الخليج وأدعى فيها أنه كان في طائرة هليكوبتر وتعرضت لنيران اتضح بعدها أن الطائرة لم تتعرض لقصف. وفي حين أنه قال إنه غير متأكد مما حدث. إلا أن القناة اعتبرت ذلك يهز ثقة المشاهدين واتخذت هذا القرار.

ورغم أن هذا المذيع يعد من أهم المذيعين وعقده السنوي يتجاوز عشرة ملايين دولار لكن القناة اعتبرت أن هذه المسألة أخلاقية ولا يمكن التجاوز عنها.

القضية أثارت جدلاً كبيراً في مؤسسات الإعلام الأميركي حول المصداقية وموقف المؤسسات الاعلامية من موظفيها في حالة وجود شبهة عن تجاوزهم أخلاقيات المهنة. وهذه المعايير تطبق على الجميع حتى لو كانوا من نجوم الصف الأول في صناعة الإعلام.

ونتذكر في 2012 حينما قامت مجلة تايم الأميركية بإيقاف العمود الاسبوعي للكاتب المعروف فريد زكريا لمدة شهر لأنه نقل فقرة من مقال في مجلة نيوركر..

ولكنه لم ينسبه لصاحب المقال الأصلي فاتهم بالغش. وعلى الفور قامت محطة سي إن إن بإيقاف برنامجه الشهير جي بي اس وقالت إنها ستراجع أعماله السابقة للتأكد من عدم وجود خطأ أو تجاوز في أعماله. فقرة واحدة فقط كتبها ولم ينسبها لصاحبها الأصلي اعتبر خطأ فادحاً وتعرض لانتقادات حادة مما اضطره إلى تقديم اعتذار للقراء وللشعب الأميركي على هذه الخطأ.

ورغم أن المعلومة التي في الفقرة صحيحة، لكن القضية أنه خالف المعايير المهنية والاخلاقية فبالتالي انهزت ثقة الجمهور فيه. ولهذا اتخذت المؤسسات التي يعمل فيها هذه القرار.

وهناك عشرات القصص التي يمكن سردها لمؤسسات إعلامية تتخذ هذه القرارات إذا أخطأ الإعلامي أو تناسى المعايير الأخلاقية للمهنة، أو حتى لو تلفظ بكلمات عنصرية في حياته الخاصة فهذا ينعكس على سمعة المؤسسة وبالتالي يتخذون قرارا بإيقافه ومعاقبته.

لأن المعايير المهنية هي الأساس لذلك كل إعلامي يدرك هذه الحقيقة ويعرف أن شهرته أو جماهيريته لا تغفر له أخطاءه. فالمهنية وأخلاقياتها أكبر من الأسماء ولذلك يفكر الإعلامي مئة قبل مرة قبل أن يتجاوز المعايير المهنية والأخلاقية.

المؤسسات الإعلامية هناك تمارس دور الرقيب من الناحية المهنية والأخلاقية وتتخذ قراراتها ذاتياً ولا تنتظر قراراً من سلطة أو محكمة لتتخذ إجراءاتها. ومهما كانت التكلفة المادية. في حين أن الإعلامي في العالم العربي يمارس الانتهازية الإعلامية والتنقل بين المواقف. وبعض المؤسسات الاعلامية شغلها الشاغل السلطة السياسية وهي على استعداد أن تغمض عينها عن أي شيء طالما أن المصلحة موجودة.

مصالح تجعل مؤسسات تعيش شبه مغيبة، وغياب للمهنية وانعدام الرقابة الأخلاقية يجعلان الوضع الاعلامي أقرب للسيرك بدلاً من الإعلام المهني. وهي حقائق مؤلمة وواقع تدفع ثمنه الشعوب التي تعيش متعلقه بأسماء وعناوين. وهي شعوب تدمن التصفيق لأنها فطرت على تبجيل الأشخاص وتضخيم الأسماء. وفي هذا الحفل والضوضاء تكون الضحية المصداقية.

المضحك أن الاعلامي، ونحن هنا لا نعمم بل نقول البعض، يتحسس في أي اتجاه تسير فيه المركبة ليقفز ويتسيد هذا التيار، ومن الممكن أن تتغير الأمور فتجده أول المندفعين في التغيير.

أحدهم شبه هذا الوضع بمهنة الراقصة التي تنتقل في ليلة واحدة من مرقص الى آخر. وما أسقط ورقة التوت الأخيرة هو الاعلام الجديد؛ فكل كلمة تكتب يكون غوغل بالمرصاد ولو بعد حين، وكل حديث تلفزيوني تختزنه ذاكرة اليوتيوب ليعرض في وقت موجهة الحقائق.

وربما كانت الدول التي تعرضت لتغيير الأنظمة أفضل مثال لتبدل مواقف الإعلاميين فمن مدافعين عن النظام الى مهاجمين له بين ليلة وضحاها. ورصدها شباب الإعلام الجديد وعرضوا لقطات لإعلاميين يستبسلون في الدفاع عن النظام ولقطات أخرى لنفس الشخص يهاجم النظام. ولكن لا حياة لمن تنادي ولا يزال العرض مستمراً.

ضعف الصناعة الإعلامية في العالم العربي أحد أسباب التخلف في العالم العربي. ويساهم في ذلك ضعف الإعلامي؛ فكثير منهم دخلاء على الإعلام أو أنصاف إعلاميين، وانعدام المعايير المهنية لدى المؤسسات الاعلامية. في حين أن السلطة همها وتركيزها على الرقابة السياسية بحيث تضمن عدم تجاوز الاعلام الخطوط الحمراء التي تهدد سلطتها..

وما عدا ذلك فهناك تساهل وتنازل كبير. ولا نغفل أن هناك جمهوراً في العالم العربي يتفاعل مع الفلاشات العابرة والتسطيح الفكري وتجذبة الإثارة أكثر من الفكرة. توليفة أضعفت البنية الإعلامية وأنتجت إعلاماً هزيلاً مؤدلجاً.

الحرية الإعلامية وحدها لا تعني الكثير، إذا لم يكن هناك إعلاميون أكفاء وقوانين تمنع الانتهازيين والمخالفين لأخلاقيات المهنة أو ممن يستفيدون من الإعلام لمصالحهم الشخصية. التغيير الإيجابي يأتي من بناء كفاءات إعلامية مهنية ذات قيم أخلاقية عالية. وحين تكون هذه الكفاءات موجودة بالفعل فإنها إشارة واضحة إلى بدء عملية التغيير في وضع المجتمع ككل.

*نقلاً عن "البيان" الإماراتية

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...