الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:40 AM
الظهر 12:38 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:17 PM
العشاء 8:37 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

نتائج التوجيهي بين خصوصية الطالب، طموح الأهل، وفضول المجتمع

الكاتب: طلال شهوان

التوجيهي ... كلمة سحرية متجذرة في الوعي الفردي والجمعي تختزل مرحلة دراسية طويلة تزخر بخليط جم من الكد والتضحية والترقب المصطبغ بالأمل والرجاء ... هو حنو الوالدة ودعواتها، وتشجيع الوالد وتأنيبه أحياناً، والتسابق في الإنجاز مع الأقران ... هو فضاء تتطاير في ثناياه امنيات حائرة ومشاهد وأحلام متضاربة تتغذى على مزيج من الخطط الإستباقية ... هو باختصار حدث فريد في حياة الطالب، له مساهمته المباشرة في تحديد خط مستقبله.

ما أن تنتهي الامتحانات حتى يبدأ الترقب والانتظار. ينتظر الطالب ويتنظر معه الأم والأب والعائلة والمدرسة والأقارب وأهل الحي، وهذا وإن حوى شحنة غزيرة من التضامن إلا أنه يولد لدى الكثير سيكولوجية ضاغطة تجعل من ذلك الطالب أشبه ما يكون بحصان سباق يتعلق بعلامته عند البعض اعتبار العائله ومكانتها، بشكل غالبا ما يغفل قدرات الطالب ومواهبه ليتمركز الاهتمام عند العلامة ذات المنازل الثلاثة وما سيحدثه إعلانها من ارتدادات.

ومن ثم يأتي إعلان النتائج بعبقه الكرنفالي عبر الصحف والإنترنت والمذياع والتلفاز، ويندفع أصحاب الشأن متعطشين لمعرفة نتيجة طال انتظارها، فيما ينقض غيرهم على النتائج سعياً لإشباع غريزة فضولية في معرفة من نجح ومن رسب، ويصبح سؤال المليون "من وكم؟"، وكثير لديهم الإجابة، في مشهد يزخر بتصانيف وتوصيفات لا تخلو من سطحية وإسفاف، وبشكل يخالطه إبتذال في إسباغ البركات أو كيل اللوم دونما كثير من الإلتفات للجانب النفسي للطالب صاحب الشأن الأول.

إن تكريم التفوق والإحتفاء به بشكل حضاري رصين هو بلا شك أمر مطلوب ومبرر، كما أن أخذ العبر من التقصير هو شرط لازم لتحسين الأداء، ولكن هذا بأي حال لا يشكل مسوغاً لحالة الجلد النفسي عند بعض الأسر لمن لم يحصل على نتيجة يرضى بها الأهل قبل الشخص المعني. وهذا أيضاً يقود إلى التساؤل حول ما هي النتيجة التي يرضى بها الأهل وما هو المعيار لذلك. هل هي نتيجة سابقة لأحد الإخوة/الأخوات، أم هي نتيجة بنت/إبن أحد الأقارب أو الجيران، أم هي النتيجة المؤهلة لدراسة الطب والهندسة؟ 

كأسر وكمجتمع فإنه من الضروري عدم إغفال أمرين هامين، أولهما أن البشر يمتلكون أنواعاً مختلفة من القدرات من ذكاء ومواهب تأخذ أشكالاً نظرية وعملية ولغوية وحسية وتفاعلية وغيرها، لها بالأساس أرضية عضوية واجتماعية، وبالتالي فإن التفوق المدرسي ليس المعيار الأوحد لقدرات الشخص. وهذا مؤداه أن الأسر كما المدارس لها دور هام في مساعدة الأبناء في اكتشاف مواهبهم ومواطن القوة لديهم وتوجيهم نحو ما يتناسب مع ذلك، عوضاً عن تقرير ما يناسبهم بالنيابة عنهم. وفي هذا المعرض تحضرني قصة طريفة كنت قرأتها عن أحد العلماء الذي أراد أن يقطع نهراً واستأجر قارباً صغيراً لذلك. وفي الطريق عبر النهر سأل العالم البحّار عن معرفته للقراءة والكتابة فرد البحّار بالنفي، فقال له العالم لقد خسرت نصف عمرك، فمن لا يقرؤون أو يكتبون يفقدون نصف قدرتهم على الحياة. بعد ذلك وفجأة في أثناء الرحلة بدأ الماء يتسرب للقارب الصغير الذي أخذ في الغرق، عندها سأل البحّار العالم هل تعرف السباحة؟ وكان جواب العالم بالنفي، فقال البحار أنت على وشك أن تخسر كل عمرك، فالقراءة والكتابة لا تكفي عند الغرق! 

أما ثاني الأمرين فهو أن علامة التوجيهي شأنها شأن أي علامة إختبار ليست إنعكاسا دقيقاً دقة جزء في العشرة من المئة في تصنيفها لمستوى الطلبة التحصيلي، وهذا هو ما يدفع الكثير من الجهات التعليمية في الدول المتقدمة إلى الحذر من استخدام مقاييس مطلقة، والإستعانة بمعطيات إحصائية تسهل من مقارنة مستوى الطلبة ضمن سلم نسبي. ولذلك طبعاً ارتباط مباشر بتوصيف عدم القدرة  في الحصول على الحد الأدنى ل "النجاح" باستخدام مصطلح "راسب"، الذي ينطوي على تعسف لفظي لا يخفى على السامع إسقاطاته السلبية نفسياً وإجتماعياً. وقد يكون من الأجدى مستقبلاً إلغاء هذا التوصيف بالكامل والإكتفاء بإعلان العلامة مقرونة بتصنيف نسبي يوضح مرتبة العلامة بالمقارنة مع غيرها (كمتوسط العلامات لكافة الطلبة)، سيما وأن مؤسسات التعليم العالي تقبل الطلبة على أساس تنافسي وأن هناك حداً أدنى لمعدلات القبول في الجامعات تنظمه القوانين ذات الصلة. 

كذلك فليس أدل على هامش الخطأ في تلك العلامة من متابعة نتائج الطلبة خلال مرحلة التعليم الجامعي، والذي يحتاج الطالب فيه إلى قدر عال من الإعتماد على النفس، ويمنحه فضاءً أوسع لإبراز مزاياه الشخصية الأخرى.

ختاماً، مع التمنيات بالتوفيق لكافة الطلبة ونحن على أبواب "العيد السنوي" لإعلان نتائج التوجيهي، فمن المناسب التأكيد مجدداً على ضرورة إيلاء الأهمية اللازمة لخصوصيات وخيارات هذا الجزء من شاباتنا وشبابنا، والذين ينبغي أن يحسنوا اختيار التخصص بما يتناسب مع قدراتهم واهتماماتهم عند الإقدام على الدراسة الجامعية.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...