الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:32 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:21 PM
العشاء 8:42 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

مشهدُ النهاية - إلى مدينة عين العرب

الكاتب: طارق عسراوي

كلما أغمضت عينيّ، يقصّف هديرُ موج المتوسط في رأسي! وأُحِسّني أتأرجح بين الموج، تخطفني موجة من يد أختها ، كأنني المسكون بذاكرة غارقة سوداء، تعلو في أيلول، شهر التراجيديا الطاحنة والدم الذي لم يتخثّر. وكيف لي أن أحيا في مستقبلٍ يضجّ بصورٍ مكرورة لطفل ألقاه شراع الموت إلى رمل المقبرة المفتوحة! تعال يا أيلول، مرّةً، دون ثوب الحداد، لعلنا نرى ما فيكَ من فحولة الحمام، ومجالدة القيظ والتين، وتلويحة السخونة عند الغروب، وشهقة الكرز في الأكمام، ودائرة الشهد على الجبال.. ولينسكب المداد على ورق التوت الرهيف في غيبة الكلمات أمام سماوات الجسد.
دَع لنا متسعاً لنصغي إلى عيون العاشقَين وهما على مقعد الغيم والصفصاف، يهجسان بالنار والكشْف والحليب، ويختلفان على اختيار حوف النداء لطفلٍ لم تلده القبلات بعد! تعال كما اشتهتكَ قلوبنا، ليأخذنا التأمل في تدرج اللون البرتقالي على ورقة التوت إلى حرف المجاز، وكي تقوى أصابعنا على الانسراب في خصلة شعر الطفولة حين يعبثُ بها النسيم، ونشارك الغناء مع الدوريّ حول الرحى فيما تبقّى من قمح البيادر، ولا تسرف بحلكة القميص بعد هذا اليوم.
وكيف لنا أن نهجس بالحنين لبحر قاتل، وننسى صورة الطفل الصغير وقد مضغته الحياة بأضراسها، وألقت به البلاد العنكبوت في هجرة أهله المستحيلة، فنامَ متعباً، وقد انكبّ على وجهه ليستريح، وليكشف موتُه الحرام الستارة، للمرة الألف، عن مغامرات الراحلين إلى القيعان، وليجعل الحرف الأخير من الحكاية بدايةً لها!! وحدهُ رسم النهاية التي لن تنتهي.
قبل هذا اليوم، وقف حنظلة يراقب مشهد النهاية الدامي، وكان الطفل محمولاً على ساعدَي اللجوء المر، كان المسرح مكتظاً بالوحوش، إلا أن عين الغد ترى مقاعد الأيام شاغرةًمن الجناة، فلنا أملٌ أن نيساناً جديداً سيحمل لنا غلالاً من الشقائق والأُقحوان. نحن، المحكومين بالموت في بحثنا عن سبيل للحياة، منذورون للرجاء الجميل- ولو أثقلت خطانا ظهورنا - فالشمس بوصلتنا، ونشرِقُ من كل منفى مثل زهرة الدوّار، ولدوّار الشمسِ لون أيلول المستباح! ماذا قالَ عيلانُ الكردي لشقيقه غالب قبلَ أن تزرقّ شفاهُ سنوات عمريهما؟ أتراهُ استودعه أمنياته الصغيرة؟ وهل صعدا سُلّم الملح يداًبيد إلى رحمة الملكوت؟ أم حلّق الأخ الكبيرُ يستطلع مدرجَ السماء أولاً؟ سيفيضُ الفرات على عين العرب، ويطفئ جمرة الحزن الفوّار من الأحداق، ويكسوها بثوب البهجة البرّاق، وسوف تتطهّر ينابيعها مما سَكبت يد الجاهلي الممجوج فيها من ماء عَطِنْ، ويرتوي ترابها برطيب النمير، وسوف يحملنا إليها مقام الكردان المسحور على وتر البُزُقِ عبر خط سكة الحديد من دون إذن السياج، و يُسدلُ الياسمين الستار على خشب المسرح والنعش المَشاع بالطفولة والبياض.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...