الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:09 AM
الظهر 12:44 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:02 PM
العشاء 8:19 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

لماذا لن تكون انتفاضة فلسطينية جديدة؟

الكاتب: سمير الزبن

المقالات الفلسطينية والإسرائيلية التي تنبّأت بحصول انتفاضة فلسطينية ثالثة عديدة جداً، فقد اجتهد كتّاب وباحثون فلسطينيون وإسرائيليون في شرح العوامل الموضوعية التي تؤسس لاندلاع هذه الانتفاضة، على خلاف رؤية الطرفين في معالجة هذا الموضوع.

تكاد أسباب الانتفاضة المقبلة، حسب أغلب التحليلات الفلسطينية إن لم نقل كلها، تنحصر في السياسات القمعية الإسرائيلية التي أدت، في السابق، إلى انفجار انتفاضتين شعبيتين في مواجهة الاحتلال (1987، 2000) على اختلاف طبيعتهما. ولأن العوامل نفسها ما تزال قائمة، والممارسات القمعية الإسرائيلية على حالها، بل تتوسّع في ظل الحكومة اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو، من سياسات التوسع الاستيطاني، إلى تقطيع الأرضي الفلسطينية وتحويلها إلى معازل، والضغط على الأماكن المقدسة في القدس القديمة بالتضييق والحصار والمنع، إلى جدار الفصل العنصري، إلى سياسات هدم المنازل، إلى عمليات الاعتقال، إلى تحويل حياة الناس إلى جحيم على مئات الحواجز الإسرائيلية المنتشرة في الضفة الغربية.. إلى غير ذلك كله من ممارسات قوة الاحتلال القمعية التي تترافق مع إغلاق إسرائيل باب المفاوضات السياسية نهائياً أمام حل تفاوضي يقرّ بالحقوق الفلسطينية.
تنطلق التحليلات الإسرائيلية من موقع آخر، هو أن السياسات الإسرائيلية اليمينية ستدفع إلى المواجهة من جديد في انتفاضة فلسطينية، يتحمّل مسؤوليتها نتنياهو وحكومته، ستجعل إسرائيل تدفع ثمناً هي في غنى عنه، إذا اعتمدت سياسات مختلفة.
ليست السياسات الحكومية الإسرائيلية من يغلق باب المفاوضات ويحوّلها إلى مفاوضات عبثية فحسب، بل ويساهم، أيضاً، في ذلك، بشكل أساسي، انزياح الشارع الإسرائيلي باتجاه اليمين أيضاً، وهو توجّه ثابت في هذا الشارع، منذ نحو عقدين، وهو ما أحدث يأساً في الأوساط الفلسطينية من إمكانية الوصول إلى حل ما للقضية الفلسطينية، بصرف النظر عن إجحافه بحق الفلسطينيين.
كل الأسباب التي تسوقها التحليلات الفلسطينية والإسرائيلية لانفجار انتفاضة جديدة صحيحة، وكل السياسات القمعية للاحتلال ستجد مقاومة من الشعب الذي يعاني الاحتلال. كل هذا صحيح، وكل هذا موجود اليوم في الواقع الفلسطيني في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية. لكن، لماذا لا تقوم الانتفاضة، مع أن هناك توقعات لهذه الانتفاضة يزيد عمرها عن خمس سنوات؟
نعم، كل العوامل الموضوعية لانفجار انتفاضة فلسطينية ثالثة قائمة، لكن العوامل الموضوعية
“قطاع غزة خارج أي مواجهة في أي انتفاضة مقبلة، لأن أي مشاركة عسكرية من غزة، في حال انطلاق انتفاضة في الضفة، إعدام للأخيرة”
وحدها لا تكفي، فالانفجار يحتاج إلى نضج العامل الذاتي الفلسطيني، وتحديد أهدافه من هذا الشكل النضالي، وعلى هذا العامل أن يتمّم العامل الموضوعي، ويوظّفه في النضال ضد الاحتلال وممارساته، للوصول إلى الحقوق الوطنية. ولكن، طالما أن العامل الذاتي على هذه الحالة من الانقسام والصراع المعلن وغير المعلن، فمن المستبعد أن تتحوّل النبوءة بالانتفاضة الفلسطينية إلى واقع في الضفة الغربية.
إضافة إلى الافتقار للعامل الذاتي، هناك وقائع جديدة تم تكريسها جعلت أي انتفاضة جديدة من الصعب قياسها على الانتفاضتين السابقتين، لأن إسرائيل كانت، في كل مرة، تفرض وقائع على الأرض، تجعل من إمكانية انتفاضة فلسطينية في مواجهة الاحتلال أصعب. فبعد الانتفاضة الأولى، وفي اتفاقات أوسلو، أعطت إسرائيل السيطرة على مراكز المدن الفلسطينية والتجمعات السكانية للفلسطينيين إلى السلطة الوطنية، ما جعل السلطة تدير 18% من الضفة الغربية، يعيش فيها أكثر من 90% من السكان، وهو ما صعّب في الانتفاضة الثانية الصدام مع قوات الاحتلال الإسرائيلية التي باتت تتمركز خارج المدن. وبعد الانتفاضة الثانية، بنت إسرائيل الجدار العازل في عمق الضفة، ما صعّب دخول الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة في 1948، بعد موجة العمليات الانتحارية التي شهدتها.
في ظل غياب العامل الذاتي لإنجاز إرادة فلسطينية واحدة في مواجهة الاحتلال، بحكم الخلافات الفلسطينية ـ الفلسطينية التي تصل إلى حد التخوين، وفي ظل عدم رغبة السلطة في اشتعال انتفاضة، إضافة إلى الواقع الجديد الذي كرّسته الإجراءات القمعية والوقائية الإسرائيلية أكثر من عقدين، وفي ظل واقع استيطان مكثّف، ضاعف عدد المستوطنين ثلاث مرات منذ اتفاق أوسلو، وفي ظل الانسحاب الإسرائيلي من جانب واحد من غزة، ووجود الجدار العازل، يمكن القول إن قطاع غزة خارج أي مواجهة في أي انتفاضة مقبلة، لأن أي مشاركة عسكرية من غزة، في حال انطلاق انتفاضة في الضفة، إعدام للأخيرة. كما أن شروط مشاركة التجمعات الكبرى في المدن الفلسطينية في الضفة الغربية صعبة جداً، لسببين، تمركز قوات الاحتلال خارج المدن، ورفض السلطة الوطنية انتفاضة فلسطينية جديدة. لذلك، المكان الوحيد المرجح لمثل انتفاضةٍ كهذه هو مدينة القدس، والتي فيها وجود إسرائيلي أمني مكثف، إضافة إلى الريف الفلسطيني الذي يقع تحت سلطة الاحتلال.
كل هذه العوامل تجعل من إمكانية انتفاضة فلسطينية جديدة مستبعدة، خصوصاً عندما يتم الحديث عن انتفاضة طويلة المدى، على شاكلة الانتفاضتين السابقتين. ولا شك أن هناك إمكانية لإبداعات نضالية في مواجهة الاحتلال، ولكن هذه الإبداعات يجب أن تأخذ هذه الوقائع بالاعتبار، لا أن تقفز فوقها، ما يجعل المهمة صعبة على الشباب الذين يشكلون، دائماً، عصب أي تحرك كفاحي.
إذا كان تجاوز العوامل الموضوعية ممكناً بإبداع نضالي، فإن العوامل الذاتية لا يمكن تجاوزها إلا بمصالحة وطنية شاملة، تكون قاعدتها الأساس مواجهة الاحتلال وتحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية، لكن العامل الذاتي للقوى والفصائل الفلسطينية غير ناضج، وليس هناك مؤشرات في الأفق أنه يمكن أن ينضج، لأن الانتفاض يحتاج إلى إعداد وتحضير وثقافة مختلفة عن السائدة في/ وبين فصائل العمل الوطني الفلسطيني، فإن الانتفاضة الفلسطينية الثالثة لن ترى النور في المدى المنظور، على الرغم من كل الإرهاصات الماثلة في الضفة الغربية اليوم، من مواجهة المستوطنين وجيش الاحتلال.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...