الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:32 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:21 PM
العشاء 8:42 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

حتى حقول البترول تهرَم

الكاتب: عثمان الخويطر

البترول مادة طبيعية غير مصنعة، ويتم عرضه للبيع في الغالب على هيئته الأصلية، خاما. ويوجد الرخيص منه، أي ذو التكلفة المتدنية في الطبيعة بكميات محدودة وقابلة للنضوب المبكر، المتمثل في انخفاض كميات الإنتاج مع مرور الوقت. ولذلك فنحن نعتبره ثروة ثمينة للبشرية جمعاء، الذي يملكه والذي يستهلكه على حد سواء. لكن اللافت للنظر أن المجتمع الدولي، منذ بداية استهلاك المواد الأحفورية كمصدر للطاقة، لم يعط هذه المادة الاستراتيجية ما تستحق من الاهتمام والاعتناء وحسن الاستخدام. ونقصد بذلك ممارسة عدم الإسراف الذي يؤدي إلى القضاء عليه مبكرا من فرط الاستهلاك. فالذي نشاهده ونلاحظه هو العكس.

فلا أحد يلقي بالا لمصير البترول الرخيص الذي يطلق عليه اليوم "البترول التقليدي"، كناية عن سهولة استخراجه وتدني تكلفته. ويستنزف العالم في وقتنا الحاضر يوميا ما يزيد على 95 مليون برميل من السوائل البترولية، وهي كمية هائلة بكل المقاييس، مع نمو الاستهلاك سنويا بما يزيد على مليون برميل. والتقدير التقريبي للاحتياطي المتبقي من هذا النوع المتيسر إنتاجه لا يتعدى تريليون برميل واحد، إذا صرفنا النظر عما تذكره الأرقام المتداوَلة إعلاميا والمضخمة بنسبة كبيرة. مع العلم أنه لم تُكتشف حقول جديدة من نوع البترول التقليدي، الحجم المتوسط، على مستوى العالم خلال بضعة العقود الماضية. وهو ما يجب أن يكون مدعاة إلى القلق، إذا أخذنا في الاعتبار صعوبة استخراج الكميات المتبقية، بعد أن بلغت معظم الحقول الرئيسية ذروة الإنتاج. ونحن لا نتحدث هنا عن الاكتشافات الجديدة والقديمة التي من الممكن تصنيفها تحت مسمى "غير التقليدي". وهي حقول، إذا وجدت، تتميز بارتفاع التكلفة واحتمال تدني محصولها الإنتاجي، مقارنة بالكميات التي تنتجها حقول البترول التقليدي.

ونخشى أن يأتي اليوم - قد يكون ذلك في غضون عقود قليلة - الذي يكون فيه المجتمع الدولي قد فقد معظم احتياطيات البترول الرخيص واضطر إلى الانتقال إلى المصادر غير التقليدية مرتفعة التكلفة، كما هي الحال اليوم مع إنتاج البترول الصخري في أمريكا والرمل البترولي في كندا. مع العلم أن الطلب العالمي على مصادر الطاقة لا يزال وسيظل لسنوات طويلة في مسار الصعود. فليس هناك دليل مؤكد على أن نمو الطلب سيتوقف أو ينخفض خلال المستقبل المنظور، إلا ربما عندما تصل الأسعار إلى مستويات قياسية لا يتحملها الاقتصاد العالمي. وهنا قد يفتح المجال لاحتمالات كثيرة، ليس أقلها ركودا مخيفا في النمو الاقتصادي وزعزعة تهز كيان المجتمعات، لا قدر الله. والغريب أنك عندما تتصفح التقارير والدراسات الدورية التي تصدرها هيئات ومؤسسات دولية لها اعتبارها في مجال مصادر الطاقة، لا تجد فيها ما يشير إلى احتمال حدوث شح في المصادر أو تنبيه للمجتمع الدولي بخطورة الوضع المقبل، ولو من باب التلميح. بل الذي يحدث عكس ذلك تماما. فنلاحظ وجود ترويج لزمن مقبل يفيض فيه المعروض من السوائل البترولية عن مقدار الطلب. وهذا تفاؤل فيه كثير من المبالغة، إذا عرضناه على المعطيات الحالية والمستقبلية. ولعل معظم المعلومات التي تصدرها تلك الهيئات والمؤسسات لا تخلو أيضا من تأثير العامل السياسي، إلى جانب - بطبيعة الحال - كونها تعتمد أساسا على معلومات غير دقيقة، أقربها قراءة احتياطيات البترول التي يكسوها غطاء كثيف من عدم الشفافية.

فهل نحن، وبقية دول العالم، بحاجة إلى سرعة استنزاف هذه الثروة الناضبة، والكل يعلم أن لا وجود لبديل في مستوى كفاءة أداء السوائل البترولية كمصدر لتوليد الطاقة وعنصر مهم في المجالات الصناعية الواسعة، ناهيك عن سهولة نقلها والتعامل معها؟ وصحيح أن لدى العالم مخزونا لا ينضب من التجمعات البترولية غير التقليدية، قد يزيد مجموع احتياطيها على خمسة أضعاف ما بقي من احتياطي البترول التقليدي الذي نحن بصدده. لكنه بترول من نوع آخر، من حيث صعوبة الإنتاج والتكلفة وضآلة العطاء. وهو ما يعني أيضا صعوبة التمويل المالي الضخم وضعف المردود وعدم المقدرة على ملء الفراغ الذي سينجم نتيجة لضمور إنتاج البترول التقليدي.

ومن باب التذكير، فإن حقول البترول التقليدي نفسه ستصل إلى مرحلة من الهرم يصبح معها غير تقليدي، عندما تصل مستويات إنتاجه وتكلفته مستوى إنتاج غير التقليدي. وتوجد حول العالم حقول كثيرة محسوبة على التقليدي، تكلفة وكمية إنتاجها اليوم تماثل إنتاج غير التقليدي، والباقي منها قادم. لكن المجتمع الدولي - ونحن، دول الخليج، من ضمنه - نسابق الزمن لاستنزاف البترول الرخيص، وهو كل ما نملك من ثروة نعيش عليها. أي أن وضعنا أسوأ بكثير من وضع الشعوب الأخرى التي لديها كثير من هوامش الدخل، بينما نحن لا نملك شيئا من هذا القبيل. وبلادنا خالية تماما من جميع مقومات الحياة. حتى المياه الجوفية بدأت تغور وتبتعد عن سطح الأرض لتصبح غورا يصعب الوصول إليها مع قرب نفوق مصادر الطاقة الرخيصة. هذه أمور لا نعيرها - مع الأسف - اهتماما يتناسب مع الواقع.

ورب سائل يقول: ما الاختيارات المتوافرة التي من الممكن اللجوء إليها في حالة حدوث نقص في الإمدادات البترولية؟ فأفضل طريق لتجنب حصول أزمة طاقة، هو استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وعلى رأسها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ومن حسن الطالع أن تكلفة إنشاء مرافق الطاقة المتجددة أصبحت منافسة لمعظم مصادر الطاقة المعروفة. لكن لماذا الانتظار حتى تظهر بوادر نقص إنتاج مصادر الطاقة الهيدروكربونية أو الأحفورية؟ فوقتنا الحاضر هو الأنسب للدخول وبقوة في مجال الطاقة المتجددة، إن لم يكن الوقت متأخرا. فقد تأخرنا في إنشائنا مرافق الطاقة الشمسية أكثر من عشر سنوات. لكن أن تصل متأخرا خير من ألا تصل.

* نقلا عن صحيفة " الاقتصادية "

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...