الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:09 AM
الظهر 12:44 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:02 PM
العشاء 8:19 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

فلسطين الضائعة في مدرسة باريسية

الكاتب: هيفاء بيطار

حضرت حفلاً مدرسياً لطلاب الصف الخامس والسادس في باريس، بمناسبة عيد الميلاد، إكراماً لابنتي أختي (والدهما فرنسي)، وكان الاحتفال رائعاً، لكن ما جعل الدم يتجمد في عروقي، حين أخذ الطلاب، وهم من جنسياتٍ مختلفة، يغنون أغنية بالفرنسية عن إسرائيل وفلسطين، تقول: "نحن أطفال فلسطين وأطفال إسرائيل، لنضع السلاح جانباً، ونصبح أصدقاء". عبارة تبدو قمة في الإنسانية، لكنني وجدت نفسي أسأل أختي ما إذا كانت تعلم طفلتيها، وهل يعلم بقية الأطفال، أن فلسطين أرض مُحتلة من إسرائيل. فأجابتني بالنفي القاطع. فسألت مدرّسة التاريخ إن كانوا يذكرون الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ويقدّمون التاريخ بنزاهةٍ للطلاب، فأجابت بالنفي القاطع أيضاً، وقالت إنهم يريدون أن ينشئوا جيلاً قائماً على المحبة وتقبل الآخر والتعايش معه. وجدتني أصرخ: والحقيقة؟

لا يوجد أي منطق في العالم يُبرّر ضياع الحقيقة، ففلسطين أرض يحتلها الاستعمار الإسرائيلي، وقد هُجّر معظم أهلها، ولا يزالون يطالبون بحق عودتهم. وقد دار نقاش عقيم بيني وبين مسؤولي الحفل المدرسي، كانت خلاصته عقيمة، وختمته مُدرّسة التاريخ بأن هذه هي إنسانية الغرب. يا للعبارة الطنانة التي تبدو قمة في الإنسانية! إنسانية الغرب تعني أن تُغيب تماماً حقيقة العدوان الإسرائيلي على فلسطين، وبأن يجهل الأطفال، من جنسيات مختلفة، أن إسرائيل عدو مُغتصب، وأن الفلسطينيين شعب مشرّد من وطنه في بلاد الله الواسعة.

هكذا يُكتب التاريخ ويجري تزويره في الغرب. هذه هي إنسانية الغرب القائمة على طمس الحقيقة، وتلميع صورة إسرائيل، وحشو عقول الطلاب ووجدانهم بمعلوماتٍ ناقصةٍ ومزورةٍ، تحت شعار إنسانية الغرب. مشهد جميل، لكنه مُنافق وكاذب، بل مجرم، أن ترى أطفالاً لا يعرفون من الحقيقة شيئاً، يغنون: نحن أطفال فلسطين وإسرائيل، لنضع السلاح جانباً.

ذاعت صور أطفال إسرائيليين كانوا يرسمون العلم الإسرائيلي على رؤوس صواريخ كانت ستقصف غزة، وقبلها جنين. وثمّة جرافات تدمر بيوت الفلسطينيين وتهدمها، ثم تُطالب أصحابها وساكنيها بدفع أجور الهدم. لا توجد إنسانيةٌ حقيقيةٌ بمعزلٍ عن الحقيقة، وكما صُرع العالم كله بمحرقة اليهود التي ارتكبها هتلر، ففي المقابل، ولأن الحقيقة لا تتجزأ، يجب أن يعرف العالم كله حقيقة القضية الفلسطينية، أن يعرف هؤلاء الأطفال أن فلسطين وطن الفلسطينيين الذي نهبته واحتلته إسرائيل، وشردت أهله، ولا تزال ترتكب فيه المجازر، لكن اللوم لا يقع كله على الغرب وأميركا، فكم من دولةٍ عربيةٍ انبطحت أمام إسرائيل، وأقامت سفاراتٍ لها على أرضها وزارتها، كم من رئيس عربي مات ألوف من شعبه، ولم يعزّ بواحد منهم. أكرّر، هنا، أن جهداً كبيراً مطلوباً لتظهير إنسانية القضية الفلسطينية في الغرب، وعلى المهتمين بأمانة التاريخ وصدقه والمدافعين عن القضية الفلسطينية أن يتصدّوا لكل تزوير وتشويه لواقع احتلال فلسطين، خصوصاً في أوساط التعليم ومنابر الإعلام.

ومع احترامي الكاتب الفلسطيني، ربعي المدهون، الذي قال، في حوار شائق معه في فضائية عربية، إنه تناول في رواياته موضوع القضية الفلسطينية من جانب إنساني، وإنه ذات يومٍ، قريب أو بعيد، سوف يتم تعايش بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية. مع احترامي لحرية رأي أي إنسان، ورأي المدهون، لا أقبل بأي شكل أن أفسّر ما يحصل في فلسطين إلا على أساس واحد ووحيد، هو أن فلسطين أرض ووطن مُغتصب، وإسرائيل مُغتصبة، ويستحيل أن يتصالح القاتل مع الضحية، ويغنيان أغنية: نحن أطفال فلسطين سوف نلقي السلاح جانباً، ونتصالح مع أطفال إسرائيل الذين قدموا من معظم بلاد العالم، ليغتصبوا بيوت الفلسطينيين، ويُقيمون مستوطنات فاخرة تزينها برك سباحة، ويرسمون بفخر العلم الإسرائيلي على الصاروخ الذي سيُقذف لقتل الفلسطينيين.

علينا، نحن العرب، أن ندافع عن حقنا في الوجود، وعن قضيتنا، على الأقل لكي لا تُشوّه ذاكرة جيل من الأطفال، تُقدم لهم المعلومات مسمومةً وخاطئةً على وقع أغنياتٍ ساحرة الموسيقى. الحق هو القيمة العليا التي على الجميع أن يعرفها ويتربى عليها، فكلمة الحق هي نفسها الإنسانية الحقة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...