الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:32 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:21 PM
العشاء 8:42 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

الخطاب الديني وسجالات التجديد

الكاتب: فهد سليمان الشقيران

ضمن برنامج «حوار العمر»٬ أجرت جيزيل خوري٬ عام ٬1999 ندوًة تلفزيونّية جمعت كلاً من نصر حامد أبو زيد٬ ورضوان السيد٬ وعلي حرب. أبو زيد كان مهموًما بالمشكلات التي تعتري الخطاب الديني منذ أوائل التسعينات الميلادية٬ وقد تسببت أعماله بسيٍل من المداخلات والبحوث والكتب النقدية٬ وكان علي حرب من أهم نّقاده. في مداخلته٬ تحّدث حرب عن مشكلة طرح أبو زيد٬ معتبًرا إياه «داعيًة ومبشًرا»٬ ثم يستدرك: «أبو زيد يريد أن يغّير من فهم الناس للإسلام٬ وهذا أمر مستحيل».

بالطبع هنا ينطلق علي حرب من أرضيته التي دافع عنها منذ بدايات كتاباته النقدية٬ وهي أرضية تعتمد على الإفادة والتداخل مع فلسفات الاختلاف والحداثة البعدية٬ وهو من المفّكرين الكبار في هذا المجال٬ انطلق من مفاهيم الاختلاف بوصفها الحداثة الصاعدة الناعية للحداثة الكلاسيكية٬ لا ترى مثلاً في تغيير فهم الأديان مشروًعا مهًما٬ ذلك أن الثقافات التي تحملها الشعوب٬ والأديان بكل محتوياتها٬ هي فضاء خاص للمؤمنين بها٬ ولا معنى لوضع مركزّية محددة٬ بل تتساءل عن سبب كون الإرث الفرنسي أهم من الإرث البرازيلي أو الإندونيسي... وهكذا.

وبالتالي٬ الدين ليس من اهتمامات الحداثة البعدية بوصفه معياًرا للحقيقة٬ أو ميداًنا للدخول إلى التنوير. من هنا كان الخلاف بين وجهتي النظر العربّيتين نصر من جهة٬ وحرب من جهٍة أخرى٬ نظرة ترى إمكان إيجاد قراءات أخرى تتواءم مع العصر٬ ونظرة أخرى لا ترى أهمية للمثقف الشامل المسؤول عن الخراب والدمار٬ والمهووس بذاته وبالحقائق الخشبية التي يحملها.

سيأخذ فضاء ذلك النقاش حّيزه٬ لكن ضمن مناٍخ آخر٬ عبر ندوة نقاشّية أخرى بين جاك دريدا وجياني فاتيمو٬ طبع النقاش بكتاٍب تحت عنوان «الدين في عالمنا».

دريدا بمعول التجاوز الصارم لثنائية الحق والباطل٬ النور والظلام٬ المركز والهامش٬ يحرس عدم منهجيته الضرورية عبر فحص واختبار وفضح المنهجيات الأخرى٬ فهو يتحّدث: «لنتذّكر أيًضا بما اعتبره مؤقًتا عن حٍق أو باطل أمًرا بدهًيا٬ كيفما كانت العلاقة التي تربطنا بالدين٬ هذا الدين أو ذاك٬ فإننا لسنا رجال دين تابعين لمؤسسة كهنوتية٬ ولا نخبة من التيولوجيين.. كما أننا لسنا أعداء للدين بالمعنى الذي يمكن أن يكونه بعض فلاسفة الأنوار». هذا نمط متجاوز من الفهم التقليدي لمكان البحث في المجال الديني داخل التحليل الفلسفي٬ بل يأخذ فضاءه٬ وكل ما يحمله من مكّونات هو ملك المؤمنين٬ ثم يراجع دريدا دراسة كانط للدين والعقل.

هنا الفكرة الأساسية أن الدين في الحالة الحداثية البعدية لم يعد موضوًعا مركزًيا يعنى بهالفيلسوف كما عني به فيورباخ وكانط وهيغل ونيشته٬ بل بات من ضمن ما تجاوزت الحداثة البعدية الاهتمام به. لهذا جاءت إجابة علي حرب على مشروع نصر أبو زيد٬ ومفادها إذا أردت تغيير الخطاب الديني الإسلامي٬ فإنك ستأتي بخطاٍب ديني آخر٬ وأنت هنا بالطريقة الفكرية والبحثية تقوم بعمٍل دعوي تبشيري بديل مضاد لخطاٍب تبشيري آخر.

لكن مع التصاعد الخطير للفكر الإرهابي منذ أواخر التسعينات٬ الذي بلغ ذروته مع أحداث 11 سبتمبر٬ أصبح الحديث عن الإسلام والخطاب الديني أساسًيا في الندوات الفلسفية والأبحاث والدراسات. وجاك دريدا نفسه تحّدث عن الإرهاب ومفاهيمه المجاورة من خلال ندواٍت٬ كما في حواره المشترك مع هابرماس٬ وفي كتابه عن أحداث 11سبتمبر٬ أو بعموم حواراته٬ وهو نموذج لفيلسوف عاش التجربتين٬ ذروة المنهاج التفكيكي المتجاوز للثنائيات والحقائق٬ ليصل بعد الألفية الجديدة لنمٍط من التناول الضروري لما يريد الناس فهم معناه ودهاليزه وفضاءاته٬ وكانت حينها الحداثة البعدية بموضتها الفاقعة تتلاشى لصالح مناهج أكثر تعبيًرا عن أزمات الإنسان في عصره.

لا يمكن الشعور بالترف ونحن نبحث عن الأسس المبتغاة لصناعة رؤية حول الإرهاب في عالم اليوم٬ وهو إرهاب متداخل كما تعكس بعض الأحداث الأخيرة٬ ثمة جاذبية من نوٍع خاص نحو القيام بأعمال نوعية غير مقلّدة٬ من نوٍع خاص وجديد٬ إرهاب معظمه يتضمن مرجعيًة دينية معينة٬ بينما حملت الأخبار بعض المصابين بأمراض نفسية أو عصبية معينة٬ أخذ الإرهاب سمة عصره٬ كأنما العملّية الإرهابية الحديثة تضع بصمتها الخاصة بين المنتجين الآخرين للإرهاب٬ بما يشبه التنافس بين مصانع الكولا والمطاعم السريعة العالمية٬ تنافس محموم على تجاوز التقليدية في التنفيذ٬ هناك صورة مختلفة بين الحدث والآخر٬ من حادث نيس الإرهابي بباريس إلى جريمة ميونيخ٬ نحن أمام صور مختلفة بين مشهديٍة وأخرى٬ والقادم قد يكون أخطر وأكثر خروًجا عن التقليدية في الضربات القاصمة التي توجه نحو المدنيين في العالم.

لم يعد نقاش موضوع التغيير للأفكار ضرًبا من الترف٬ بل من أهم الموضوعات الراهنة. نصر أبو زيد تمّسك بما يصفه علي حرب بالدعوة والتبشير إلى آخر حياته٬ بينما استمر علي حرب معارًضا لهذا التوجه الثقافي النخبوي المتمسك بالحقيقة٬ واعتبر القراءة ليست شرًطا أن تكون للنصوص المعينة٬ أو الحدث السياسي٬ بل قد ينشغل الكاتب بقراءة هجمٍة لكرة القدم٬ وليس سًرا أنه بارع بأخبار رياضة التنس ­ كتب مقالًة عنها في مجلة «المجلة» قبل اثني عشر عاًما ولعبة التنس كانت من صميم اهتمام فيلسوف ما بعد حداثي آخر هو ميشيل فوكو.

بين نصر وعلي حرب مسار ثقافي عشناه٬ ولكن هل نجح أٌي من المشروعين؟ وهل نجا من التبشير أٌي منهما؟!

نقلاً عن الشرق الأوسط

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...