الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:32 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:21 PM
العشاء 8:42 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

مش «عايزة أتجوز»

الكاتب: سما حسن

 

وكأني لم أفعل شيئاً يستحق التهنئة، فكل من قدم لي التهنئة بعد سنوات من الكد والجد في كلية الصيدلة قال لي العبارة المكررة والمقيتة: مبروك وعقبال العريس، وهكذا أظهر لي هؤلاء أن شهادتي وتفوقي لا يساويان شيئاً في مقاييسهم، وتخرّجي ليس فرحة أو إنجازاً، وأن الإنجاز الأكبر هو الحصول على عريس يلائم الشهادة الجامعية التي أصبح اسمي يسبقه بسببها لقب دكتورة.

ابنتي أعربت لي عن تذمّرها السابق بعد أيام من تخرجها، وبعد أن وقعت في غرام دراسة الصيدلة ولكنها أصيبت بإحباط آخر حين التحقت بأحد المستشفيات الحكومية لأداء فترة التدريب الإلزامي تحت ما يسمي «مزاولة المهنة» حيث اصطدمت بالزملاء الأكبر سناً الذين قرروا أن يجربوا خفّة دمهم معها ومع زميلاتها المتدربات فبدؤوا يطلقون عليهن تعليقات ساخرة على غرار أن الصيدلية ما هي إلا دكان للأدوية، وانك لا تختلفين عن البائعة في محل بيع الملابس، وانك درست خمس سنوات باللغة الانجليزية ليأتي احدهم ويطلب منك دواء الرشح الذي يسميه العامة «براغيث الستات».

بدت ابنتي منزعجة وتضاءلت جبال الأمل أمام عينيها وهي التي أحبّت الصيدلة بعد أن أقنعتها في البداية أن تلتحق بها لأنها لم تحصل في التوجيهي «الثانوية العامة» على معدل يؤهلها لدراسة الطب، وتحملت في البداية التفرقة الواضحة في الجامعة من قبل الإدارة والأساتذة وحتى المراسلين وعمال النظافة بين طلبة وطالبات الطب وأقرانهم في كلية الصيدلة، ورغم أن درجات قليلة تفصل بين الطابقين إلا أن ابنتي كانت تشكو لي من الاهتمام الخاص بمبنى الطب على حساب مبنى الصيدلة، وتجاوزت ابنتي ذلك مع تجاوزها لرؤية صديقات المدرسة اللواتي أسعفهن معدلهن في التوجيهي بدرجات طفيفة ليلتحقن بكلية الطب، في حين أن درجاتها خانتها في تلك السنة الهامة رغم أنها كانت معها على مدار المراحل الدراسية السابقة في جميع المراحل بالباع والذراع.

أحبت ابنتي علم الصيدلة وبدأت تكتشف أنه من العلوم الهامة والقديمة عند العرب، وأنه في الوقت الذي كان هذا العلم في أوج ازدهاره عندهم لم يكن الغرب يعرف عنه شيئاً، فالكنيسة عند الغرب كانت تحرم علم التداوي بالأعشاب ولا تفتح باباً للعلاج غير التبرك بالتعاويذ والرقى التي كان يبيعها رجال الدين وقتها، فابن البيطار وصفه الغربيون بأنه أعظم نباتيي العرب وقد كان يتنقل في جبال الشام مصطحباً رساماً لكي يرسم النباتات والأعشاب، وأعدّ كتاباً يعد من أهم الكتب الجامعة في الطب وترجم لعدة لغات.

أفرحتني ابنتي بأن لديها طموحاً بعد حصولها على بكالوريوس الصيدلة لكي تكمل دراستها في هذا العالم الواسع خاصة أمام ما رأته من إهمال للمرضى أصحاب الأمراض الوراثية وكذلك مرضى الأورام الخبيثة، واكتشافها أن العامل النفسي والرعاية يلعبان دوراً كبيراً في العلاج، وبدأت تبحث عن جهة تمول دراسة ستقوم بها أثناء فترة تدريبها في المشفى عن الفرق بين علاج السرطان في فلسطين والدول الغربية، وبدأت أفتح أذني لكل ما تبديه من ملاحظات عن الطرق الخاطئة في العلاج التي تستخدم في المستشفيات العربية، حيث علمت أنها متّبعة في مستشفيات غزة والضفة الغربية.

ابنتي لا تؤرقها قضية بحث عن عريس، ولكنها ترى أنها تعلمت هذا العلم الفريد لكي تقدم رسالة، ولكي تضيف له شيئاً، ونسيت أنها فتاة في مجتمع شرقي، وان هناك مسلسلاً بغيضاً قد عرض منذ سنوات على الشاشة بعنوان «عايزة أتجوز» عن دكتورة صيدلانية قاربت على الثلاثين دون زواج وبدأت تبحث بطرق رخيصة وكوميدية عن عريس، وشاءت الصدفة أن نشاهد سوياً أنا وابنتي، إحدى هذه الحلقات، وتبادلنا النظرات ثم انطلقنا بالضحك، أعجبني طموح ابنتي وإيمانها بتخصصها، ولكني لا ادري إلى متى سيستمر هذا الصمود أمام المجتمع وتخلّفه، وهي ترفع شعار: مش «عايزة أتجوز»، وأنا أرفع شعاراً آخر وهو أن  «الصيدلي مش بقال».
 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...