الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:32 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:21 PM
العشاء 8:42 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

صرخة اكثر من رضوى

الكاتب: هبة حسين ريان


ربما يبدو العنوان مألوفًا، وإن دققت النظر سترى أنهما في الواقع عنوانان لا واحد، إنهما عنوان كتابيّ د. رضوى عاشور اللذين حملا مقاطعًا من سيرتها الذاتية.

لكن بالنسبة لي -وهذا رأيٌ شخصي- لقد أثَّرا بي لدرجةٍ لا يمكنني حتى تصورها، بالإضافة أنِّي أيقنتُ سوء حظي، إذ رحلتْ قبل أن تسنح لي الأقدار فرصة لقائها ولو عن بعد أميال.

أود أن أعترف بشيء، ربما لو كان أحد مكاني لخجل من هذا الاعتراف، لكن هو ما يبرر كتابتي عن هذين الكتابين.
الاعتراف ينص على معرفتي عن الدكتورة العظيمة قبل رحيلها بشهر واحد فقط، أي في شهر نوفمبر 2014، وحدث ذلك أن رأيتُ رواية "الطنطورية" مع إحدى صديقاتي، لفتني العنوان، فاستعرتُ الكتاب منها.

المهم في الموضوع، أنني في أثناء قراءتي كنت أنظر للدفة الخلفية للكتاب، أتأكد من أن الكتابة فلسطينية أم مصرية؟
تشككت في بداية الأمر أن لها ضلوعًا فلسطينية، كأن تنحدر من أصلٍ فلسطيني حكى لها حواديت البلاد والهجرة، وهذا الشك دفعني قبل أن أُنهي قراءة الكتاب، أن أبحث بحثًا تفصيليًا عنها في الشبكة العنكبوتية، لأُفاجأ أنها زوجة صاحب أغلى كتاب على قلبي "رأيتُ رام الله". لم أكن أعلم أنها هي ذاتها رضوى التي تحدث عنها د. مريد في الكتاب، فبالتالي هي والدة الشاعر المفضل بالنسبة لي.

خجلتُ من نفسي كثيرًا، لدرجة أن صفعتُ حاسوبي الشخصي. كيف أكون مولعة بالقراءة وخصوصًا الأدب، أن تفوتني معلومة كهذه؟!
لكن صدمتي الأكبر عندما تأكدتُ أنها مصرية الأصل،أي لا عرق فلسطيني في سلالتها، وهذا ما دفعني لإنهاء الكتاب في أقل من يوم واحد.

المهم في الموضوع ما يلي :
قررتُ أن أستكمل قراءة باقي أعمالها، وقبل أن تأخذني لعالم إبداعها، رحلتْ لعالم آخر، توقفت عن قراري لحزني على فراقها، وكأن قراءة نص لكاتب ما زال على قيد الحياة، تستمع له وهو يقرأ على مسامعك نصوصه، وتراه بأم عينك وهو منكبّ يُشبع رغبات الورق بإلهامه المتدفق.
ولكن لمَ شعرتُ بهذه الفجوة عند فراق هذه الكاتبة بالذات، بالرغم من أن معظم الكتب التي قرأتها أصحابها ينعمون بالسلام السرمدي؟

واظبتُ مرة أخرى على القراءة لها بعد أقل من عام، إثر مقولة ابنها تميم أثناء لقاء له عام 2015 "علينا أن نقاوم غيابها بحضورها، وحضورها هو كتبها"، عدتُ أبحث عن السيدة التي لمستُ فيها عن بعد قدرًا من الهيبة والتواضع معًا.
بقيتْ تحاصرني كلماتها، خصوصًا ختام ثلاثيتها العبقرية "لا وحشة في قبر مريمة"، رابطتْ الكلمات لتصف مشهدًا كاملاً، وتركيبًا من المشاعر في جملة واحدة.

باشرتُ بالبحث عن "الصرخة"، وزاد شغفي لقراءته، كونه آخر أعمالها، ولم يتم.
عامٌ كامل بالضبط حتى أخيرًا حصلت عليه إلكترونيًا، لعدم توافره في غزة ورقيًا، المضحك في الموضوع أنني باشرتُ أبحث عنه ولم أكن أعلم أنه الجزء الثاني من )أثقل من رضوى)، استسلمتُ لفكرة عدم حصولي عليه، فباشرتُ بالجزء الأول، لأجدني بعدما أنهيه بيومين أحصل على نسخة ألكترونية من "الصرخة".
حين حصلتُ عليه، أنهيته بعد 4 ساعات بالضبط من تحميله.

بكيتُ ضعف ما بكيتُ يوم رحيلها، شعرتُ وبلا سبب أن فيه شيئًا من الحديث الموجّه لي شخصيًا.
تتوقف نبضاتي في كل مرة كانت ترسل الرسائل الإلكترونية، مُرفقة بالتقارير، أنا نفسي خفت، الله أعلم كيف كانت هي؟ بالرغم من أنها لم تتركني أنتظر معها، وأطلعتني على الرسائل بعد أن وصلتها الردود دفعة واحدة.

وأقول بصيغة المتكلم، لأنني كما أسلفتُ شعرتُ بخصوصية دفعتني لاعتبار الحديث موجهًا لي وحدي.
وربما هذه الخصوصية نمَتْ داخلي إثر اكتشافي مدى التشابه بيني وبينها في كثير من الصفات، وهذا ما دفعني أن أنتظر وأترقب وأخضع للعمليات.

وصلتُ إلى ما قبل النهاية بقليل، لأجد ثلاثة عناوين لا يحتضنها أي نص:
"معركة تميم".
"بدء العلاج بأشعة الجاما".
"الرحلة إلى باريس".

ثم بعد هذه الصفحة بعدة صفحات أجدني أصل لمشروع الفصول القادمة :
"فصل عن الصور والذاكرة".
"فصل الرحلة إلى باريس".
"مركز الجاما".

ثم ينتهي النص بتوقفها عن الكتابة، رغم عدم مبارحتها لعقلها.
طفقتُ كالمجنون أبحث بين الصفحات إن كانت هناك صفحة أخرى منسية، أو ملحوظة توصلني لتفاصيل الرحلة لباريس، أي قصاصة تسد رمق حاجتي للختام.

ضعفتُ، أجل، بكيت بحسرة الفقد الأبدي، وكأنني بهذا أبكي عليها مما أصابها من ألم، أبكي عليَّ من الفراق الذي حال بينها وبين إتمامها للنص، بكيتُ أكثر حينما جعلتُ نفسي وريثة ألمها، فبكيت عن أيام القوة التي أخفت ألمها داخلها، وتبتسم للذين ذرتهم يحملون رسالتها، ويخطون خطاها.

حقًا "لا وحشةَ في قبر رضوى"، لأنها ما زالت باقية هنا بيننا، وحاضرة تكفكف دمع الضعفاء، وعملاقةً تكتب الإبداع كلماتٍ وحروفًا تصطفُّ وترفع القبعات احترامًا لشموخها.

الدكتورة الفاضلة رضوى عاشور.. أنتِ الحاضرُ الذي لا يمكن أن يصير ماضيًا، فالكاتب الحقيقي يحيا ويُولد مع كل قراءة له.

المصدر: مجلة نون

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...