الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:10 AM
الظهر 11:44 AM
العصر 3:15 PM
المغرب 6:02 PM
العشاء 7:18 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

سيناء الفلسطينية

الكاتب: شادي لويس

حتى وقت قريب، كان حلّ الدولة الواحدة يُلقى في وجوه المسؤولين الإسرائيليين على سبيل التهديد بما يمكن أن تقود إليه تداعيات الوضع القائم واستمراره. فإما أن تحلّ السلطة الفلسطينية نفسها وتضع إسرائيل أمام مسؤوليتها الكاملة كقوة إحتلال، أو أن يعيش الفلسطينيون واليهود معاً في دولة مواطنة، تضع نهاية لفكرة الدولة اليهودية بفعل الغلبة الديموغرافية لغير اليهود فيها.

لكن، بعد زيارة بنيامين نتنياهو الأخيرة للولايات المتحدة، يبدو أن حلّ الدولة الواحدة أصبح خياراً رسمياً لليمين الإسرائيلي والأميركي أيضاً، لكنه ليس حل دولة المواطنة بالطبع. تصور نتنياهو- ترامب عن السلام، يعيد إنتاج طموحات إسرائيل منذ إحتلال الضفة الغربية وغزة، أي ضمهما نهائياً، مع منح سكان الأراضي المحتلة، في أفضل الأحوال، حقوق مواطنة من الدرجة الثانية أو شكلاً من أشكال الحكم الذاتي. أو بحسب سيناريو آخر أكثر قتامة، إعادة توطينهم في دول الجوار. وفيما يبدو السيناريو الأول أقرب إلى الأمر الواقع بالفعل، فإن سيناريو إعادة التوطين، وإن بدا عصياً على التنفيذ، فإنه مؤسَّس على خطاب صهيوني راسخ، يسبق تأسيس دول إسرائيل نفسها.

فالأردن، على سبيل المثال، في سياق الخطاب هذا، هي دولة فلسطينية بالفعل، وكذلك فإن تأطير الفلسطينيين بوصفهم "عرباً"، لم ينحصر القصد منه في انتزاع نسبتهم إلى فلسطين، أي فلسطينيتهم، بل إيضا لتحميل مسؤوليتهم لبقية العرب، أو كما تذهب المقولات الصهيونية المتواترة: للعرب أكثر من عشرين دولة، ويستكثرون على اليهود دولة صغيرة واحدة. هكذا، فإن للفلسطينيين عشرات الأوطان، لكنهم يبدون، من فرط "تعصبهم وضيق أفقهم"، راغبين في منازعه اليهود على تلك الرقعة الصغيرة من "أرض أجدادهم"!

استدعت تصريحات ترامب الأخيرة، عن خيارات السلام، وتخلي إدارته عن حل الدولتين، نظرية تآمرية يتم طرحها بين حين وآخر في مصر، حول منح سيناء للفلسطينيين.

لا يبدو المخطط السيناوي مؤسساً على محض أوهام لدى المصريين. فبالفعل، يبدو سيناريو الدولة الواحدة أكثر إمكاناً، لو تم الاكتفاء بضم الضفة، مع التخلص من عبء قطاع غزة بإلقاء مسؤولية إدارته على مصر، وهو الأمر االذي كان قائماً بالفعل قبل حرب 67. وبالضرورة، فإن سيناء تبدو، وبشكل طبيعي، نطاق التمدد الديموغرافي لقطاع غزة - الرقعة الأكثر كثافة سكانية على الإطلاق على سطح الكوكب. لا تنكر الأنظمة المصرية إحتمالية ذلك المخطط، فنظام مبارك لطالما برر تعاونه مع إسرائيل في حصار قطاع غزة، بوصفه رفضاً لمحاولة إلقاء مسؤولية إدارة القطاع على مصر، وإعفاء إسرائيل من مسؤولياتها القانونية كقوة إحتلال، وبالتالي تمييع القضية الفلسطينية وإمكانية حلها.

ومع وصول جماعة الإخوان للحكم في مصر، اتُّهم نظام محمد مرسي بالتخطيط للتخلي عن سيناء للفلسطينيين، وبيع الهرم لقطر، وتأجير قناة السويس لها أيضاً، والتنازل عن حلايب وشلاتين للسودان، وغيرها من المخططات التي بدت حينها مثيرة للسخرية، لكنها لا تخلو من منطق داخلي يدعمها، وإن كان غير كاف لإثباتها. فإيديولوجيا "الاخوان" العابرة للقومية، والتي لا تقيم بالضرورة وزناً للحدود السياسية (التي رسمها الاستعمار لتفتيت العالم الإسلامي بحسب رواية الاخوان وغيرها من التيارات العلمانية القومية أو المناوئة للاستعمار)، مع النظر إلى حركة حماس في غزة بوصفها إمتداداً للجماعة الأم في مصر، كل هذا جعل مخطط تخلي مرسي عن سيناء لصالح "فرع جماعته" في غزة، أمراً غير مستحيل التصور، وإن كان هذا لا يجعله صحيحاً بالفعل.

يعود التوجس من المخطط السيناوي مرة أخرى، في عهد السيسي، الذي وبالرغم من أن دعايته السياسية تعتمد بشكل أكثر إلحاحاً على خطاب السيادة الوطنية، إلا أن سلوك النظام الصادم في ما يخص قضية تيران وصنافير، وتعاونه الوثيق مع الجار الإسرائيلي، والغزل العلني بينه وبين إدارة ترامب، يجعل إمكانية تهاون النظام في أي حل نهائي او مرحلي للقضية الفلسطينية، تكون مصر طرفاً فيه، أمراً غير مستبعد على الإطلاق.

لكن ما يعنينا هنا، ليس الحكم على إمكانية حل الدولة الواحدة، بنسخته الصهيونية أو غيرها، أو تقييم مدى جدية النظريات التآمرية حول سيناء، بل النظر في ما آلت إليه القضية الفلسطينية في المخيال المصري. فغير أن إسرائيل قد نجحت بالفعل في ترسيخ وجودها معنوياً، حتى بين الفلسطينيين أنفسهم، بتحويل طموحات مواجهة المشروع الصهيوني من القضاء عليه واستئصاله بالكامل، إلى القبول به والتعايش معه جنباً إلى جنب في حل الدولتين، وأحياناً أخرى بتوسل حل الدولة الواحدة، وأخيراً بالجزع منه وترجي استمرار الوضع القائم.. فإن الأمر المثير للأسى أيضاً هو أن حديثاً عن فرض وضع ينتزع من الفلسطينيين حقوقهم كافة، لا يستدعي لدى الكثير من المصريين سوى الجزع من إمكانية سلبهم سيناء.

هكذا، فإن دولة كمصر، كانت نخبها السياسية وجماهيرها والكثير من العرب من حولها، ترى فيها قيادة للأمة العربية، وطليعة لنضالها التحرري، وصل بها الهوان، ورعونة نظامها الحاكم، وتداعي ثقة جمهوره به، إلى أن يضحي محور القضية الفلسطينية - في وعي مواطنيها - شبهَ محصور في التصدي للمؤامرة على سيناء، والوقوف أمام النظام الحاكم لمنعه من مزيد من التفريط في السيادة الوطنية.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...