الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:09 AM
الظهر 12:44 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:02 PM
العشاء 8:19 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

الزواج المبكر في فلسطين: بين قتل الطفولة والتفكك الأسري

رام الله- خاص (شبكة راية الإعلامية):

كتبت: رزان نجار

 

لبنى ، فتاة في السابعة عشرة من عمرها، من إحدى القرى الفلسطينية، أجبرها أهلها على الزواج من رائد، ذاك الشاب ذو الثروة والجاه وهو في الأربعين من عمره، راسمين لها تلك الحياة المترفة البعيدة عن الظلم والفقر، قبلت هي بهذا العرض متأملة بكل ما حدثها به والداها عن الحياة الجديدة مع التأكيد لها بأنه لن يمنعها من متابعة دراستها.

تزوجت لبنى من رائد، وكانت سعيدة جدا بهذا الحب والعطاء الكبيرين من زوجها، استمر هذا الفرح فترة قصيرة لم تتجاوز الخمسة أشهر، ومن ثم بدأت الأحوال تتغير،  حيث أجبرها على ترك المدرسة والتعليم، ولم يعد يسمح لها بالخروج من البيت حتى إلى منزل والديها، وبدأ مسلسل الاعتداءات النفسية والجسدية عليها.

لم تكن تعلم لبنى أن في هذا العالم ظلم أكبر من ظلم الفقر، وكطفلة لم تعرف كيف تقوم بصد زوجها، ولم تخبر أحد بما يقوم به من ضرب وشتم. مرت الأيام ولبنى لا تزال في ذاك المنزل صامدة لا حول لها ولا قوة، إلا أن جاء رائد في يوم من الأيام وبدأ بالصراخ وقال لها: "أنت طالق".

لبنى.. الان في الثامنة عشر من عمرها، مطلقة، وحامل! سُرقت منها طفولتها في هذا الزواج المبكر، لتكبر قبل آوانها وتتحمل مسؤولية نفسها وطفلها أيضا، صابرة على نظرة أهل القرية لها بأنها فتاة لم تعرف كيف تصون بيتها وزوجها فتطلقت.

كيف يتم تزويج هؤلاء الفتيات وهن لم يتجاوزن الثامنة عشر من العمر؟ كيف نتوقع منهن أن يكونوا ذو قدر من المسؤولية على تحمل صعاب الحياة وهن ما زالن أطفالا؟ هل سيقوم هؤلاء الأطفال ببناء أسرة صحية طبيعية وهم في هذا العمر؟

وفقا لجهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، نجد أن وقوعات الطلاق المسجلة في الأراضي الفلسطينية وذلك ما بين عمر الرابعة عشرة والتاسعة عشرة للفتيات في عام 2011 وصلت إلى 1634، وبالنسبة إلى الذكور فكانت 206 حالة.

إذا تطرقنا إلى تعريف الطفل في أي قانون في العالم نجد أنه :الطفل هو من لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره، أما الزواج المبكر فهو: "الزواج الذي يتضمن فتى أو فتاة ما دون سن الثامنة عشر، وهنا تعتمد المحاكم الشرعية على التقويم الهجري في احتسابها لسن الزواج، بالاضافة إلى الهيئة المحتملة للفتاة، بمعنى أن يكون جسدها من ظاهره يحتمل أنها بالغة فيقوم بتزويجها إن رأى في ذلك مصلحة لها".

عند التطرق إلى القانون الأردني للأحوال الشخصية في المادة الخامسة نجد أنه ينص على: "يشترط في أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين، وأن يتم الخاطب السن السادسة عشرة وأن تتم المخطوبة الخامسة عشرة من العمر".

في المقابل، عند النظر في القانون المدني والمعاملات التجارية والمدنية، نجد أنه لا يجوز لمن هم دون سن الثامنة عشر أن يباشروا بالتصرفات المدنية والتجارية لما تحمله من تصرفات ضارة بصاحبها، فهنا تقوم القوانين المدنية بالتعامل على أساس أن من أتم الخامسة عشرة من عمره تكون تصرفاته موقوفة على إجازة الولي أو الوصي أو القيم، ويتم تفسير ذلك بأن التصرفات المدنية وإبرام العقود يتطلب إرداة واعية مدركة مميزة لماهية الأفعال والتصرفات التي يقوم بها الشخص، لما يترتب عليها من حقوق والتزامات، وهنا تدخل المشرع لحماية هذه الحقوق، وأعتبر أن الانسان يكتمل الإدراك والتمييز لتصرفاته ببلوغه سن الثامنة عشرة.

إذن نحن الان أمام تناقض واضح وكبير بين القانونين، فهل يصبح من هو دون الثامنة عشر قادر ومدرك على بناء أسرة صالحة في هذا المجتمع، ولكنه ليس قادر على توقيع أي عقد لأنه لم يتم هذا السن، بالتالي ما زال في نظر القانون هو طفل؟

هل أصبحت حماية المعمالات التجارية والعقود أهم من حماية الأسرة وكيانها؟ ألا يحتاج عقد الزواج إلى إدراك ووعي أكبر بكثير من الإدارك والوعي في المعاملات التجارية؟ وألا يجب أن تكون منظومة القوانين المعمول بها منظومة قانونية متكاملة وليست متناقضة؟

لننظر أكثر في القانونين المعمول بها بالضفة الغربية، نجد أن القوانين الجزائية المعمول بها تتعامل مع من هم دون سن الثامنة عشرة كأحداث وترجعهم إلى قانون الأحداث في موضوع المسؤولية الجزائية سواء في وقف الملاحقة الجزائية أو الإعفاء من المسؤولية الجزائية كليا، بالتالي قانون العقوبات نظر إلى من هم دون سن الثامنة عشرة نظرة مختلفة إلى من هم فوق هذا السن سواء كان مجني عليهم أو جناة، ونجد أن تعريف الحدث هو الشخص الذي أتم التاسعة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة، أي يكون خاضع لقانون الأحداث وليس العقوبات، وهذا يؤكد أن نظرة المشرّع إلى من هم دون سن الثامنة عشرة نظرة قصور وعدم اكتمال الإدراك والتمييز لحقيقة الأفعال المرتكبة.

ماذا لو ارتكب أحد الزوجين في الزواج المبكر جريمة بحق الاخر، أو بحق طفله؟ في هذا الوضع، سيتم التعامل مع الجاني على أنه طفل ارتكب جريمة بحق طفل آخر أو بحق زوجته الطفلة، على أنهم أحداث؟

لنتابع في النظر إلى القوانين، فقانون العمل تطرق إلى عمل الأحداث وتنظيم عملهم تحت ضوابط وقيود محددة، وذلك نتيجة إدراكهم بأن هذه الفئة غير مكتملة الإدراك والتمييز. أما بالنسبة لقانون الانتخابات العامة، فقد اعتبر أن يكون من مؤهلات ممارسة حق الانتخاب هو من بلغ الثامنة عشرة يوم الاقتراع، وذلك لأن من هم دون هذا السن ليسوا أهلا للقيام بالتصرفات كاملة الإرادة، وحق الانتخاب يجب أن يكون من انسان مكتمل النضج ومدرك لاختياره في الانتخابات العامة.

بالتالي نجد أن القانون تعامل مع من هم دون سن الثامنة عشر أطفالا غير كاملي الإدراك للتصرف أو حتى اتخاذ القرارت، إلا أن هذا الأمر توقف عند سن الزواج، واعتبر الطفلة التي بلغت سن الخامسة عشرة قادرة على الاختيار ومدركة للحياة الزوجية والأسرية وقادرة على بناء عائلة صحية وطبيعية، وكذلك الأمر بالنسبة للفتى الي أتم السادسة عشرة من عمره.

لنقف قليلا عند الاثار الصحية للزواج المبكر، فهذه الاثار تتمثل باضطرابات الدورة الشهرية وتأخر الحمل والاثار الجسدية بالاضافة إلى زيادة نسبة الإصابة بمرض هشاشة العظام، إضافة إلى الأمراض المصاحبة لحمل صغيرات السن من أبرزها القيء المستمر وفقر الدم، كما أن هذا الأمر يؤثر على صحة الجنين، ولا ننسى الآثار النفسية التي تصيب الفتاة، منها الحرمان العاطفي من حنان الوالدين والحرمان من عيش مرحلة الطفولة.

فهل ستقوم الجهات المختصة بتعديل المادة المتعلقة بسن الزواج، والمقترحة ب: "يشترط أن يكون سن الزواج 18 سنة شمسية، وأن يكون المتعاقدين متمتعان بالأهلية القانونية لإبرام التعاقد"، لنكون على شرفات مجتمع خال من الزواج المبكر، قادر على تكوين أسر طبيعية وصحية تساعد في بناء هذا المجتمع والرقي به.

Loading...