مسجد البركة ملاذ آمن للأغنام والخارجين عن القانون

الخليل_ رايـة:

طه أبو حسين: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها"، بهذه الآية القرآنية الكريمة، ابتدأ المواطن مراد  أبو اسنينه حديثه عن مسجد البركة المهجور منذ عام 2006، القريب من المسجد الإبراهيمي في البلدة القديمة وسط الخليل، ثم استأنف قائلاً:" أنا أقول للمسؤولين أن يعتنوا بالمساجد ويصلحوها لأنها بيوت الله ويجب أن يعاد تعميرها، ولما رأيت مسجد البركة بهذا المنظر، اقشعر بدني، وعيني دمعت له".

الأوقاف تسحب موظفها من مسجد البركة وتتركه خرابا

مسجد البركة من أقدم المساجد في مدينة الخليل، حيث يعود تاريخ تشييده للفترة العثمانية، فيحمل بين جنباته تاريخا عميقا من التاريخ الإسلامي الفلسطيني، إلا أن الاستهتار جعله محطة استراحة للأغنام والخارجين عن القانون والذي يتضح من خلال كلمات المواطن حيدر الطويل الذي يصف حال المسجد لراية:" المسجد خارجه نفايات، وداخله المصاحف على الأرض، والماشية تدخله، وهنا في داخله روث الأغنام، فنحن كل ما نحتاجه أن يعمروا المسجد حتى نحييه، فلا نريد أن يهوده الاحتلال الإسرائيلي".

توجهنا في شبكة راية الإعلامية لمسجد البركة في البلدة القديمة عدة مرات، وقمنا بتصوير حالته التي تدمع العين لها، حيث يوجد روث الأغنام، والمصاحف منثورة على الأرض، بعضها تمزق بفعل المؤثرات الطبيعية وربما البشرية، ناهيك عن تلف كافة محتوياته، والخراب الذي حلّ بجدرانه، ونوافذه وحماماته وكلّ مقومات المسجد من ألفها ليائها.

المواطن رائف أبو اسنينه اصطحبنا بزيارة ميدانية للمسجد، وتحدث لنا عن الخطوات التي انتهجها هو وعدد من الحريصين على المقدسات والآثار في البلدة القديمة بتقديم كتب رسمية لوزارة الأوقاف، حيث قال:"مسجد البركة مهجور منذ عام 2006، وطالبنا أكثر من مرة تعميره، فقالت لنا الأوقاف بأنه لا يوجد أئمة ولا مؤذنين، وأخبرنا الأوقاف أن هناك الشيخ " ع. ر" كان موظف أوقاف وهو الآن متقاعد، وهو مستعد بأن يخدم هذا المسجد".

وتابع رائف:" لجنة الإعمار لم تقم بإعماره، وقالت أن الاحتلال يمنعها من ذلك. وربما لجنة الإعمار ووزارة الأوقاف غير معنية بأن يكون هناك مساجد في البلدة القديمة بالخليل".

وبيّن رائف أن المسجد بات ملاذا آمنا للخارجين عن القانون، خاصة لمتعاطي المخدرات وأمثالهم.

ادريس: هناك شبان يتعاطون مخدرات ويعملون في مسجد البركة أعمالا غير مناسبة

لجنة اعمار الخليل، هي المسؤول الأساس عن إعادة تعمير وترميم كافة المباني في البلدة القديمة، المساجد والمنازل وغيرها، لهذا توجهنا في شبكة راية الإعلامية لمقرها القريب من المسجد المهجور، والتقينا المهندس غسان إدريس القائم بأعمال المدير العام للجنة الإعمار وسألناه عن سبب هجر المسجد، فرد قائلا:" هذا السؤال يجب أن يسأل لوزارة الأوقاف، وهذا المسجد مهجور بسبب المضايقات، صحيح أنه لا يمنع أحد من دخوله، لكن هذا المسجد يدخله بعض الشباب الفاسدين، وأرسلت أناس يكشفون عليه، وهناك شبان يتعاطون مخدرات ويعملون فيه أعمالا غير مناسبة".

وفي سؤال مباشر لإدريس عمن تقع عليه مسؤولية هجر المسجد، وإن كانت لجنة الإعمار شريكا، ردّ علينا:" مسؤولية هجر المسجد تقع على المواطنين أولا، لأنه مفروض المحافظة على المواقع الدينية، ووزارة الأوقاف عليها مسؤولية أيضا، لأنه مسجد يجب أن يكون عليه حراسة حتى لو لا أحد يرتاده".

تجنب نصف السؤال فأعدناه ثانية عليه، إن كانت لجنة الإعمار شريكا في هجره وكان ردّه هذه المرة:" لجنة إعمار الخليل تقوم على إعمار البلدة، رممنا الكثير من المساجد بالمساعدة مع الأوقاف، لكن أن ترمم مسجدا مهجورا ولا حراسة عليه،  ربما يتعرض للسرقة، ونحن هذا المسجد أغلقناه بالأقفال، فكسرت ومورست فيه أعمالا لا أخلاقية".

وبخصوص الكتب الرسمية التي ترسل من المواطنين أو حتى وزارة الأوقاف قال إدريس: "وصلتنا كتبا من وزارة الأوقاف، ونحن أيضا كشفنا على المسجد، وأرسلنا للوزارة بأن يعتنوا به، لأنه في منطقة حساسة، فأرسلوا لنا كتابا بأنه لا ميزانية لهم، والآن توفر تمويل جديد للمنطقة، وسيكون مباشرة العمل فيه خلال شهر ونصف إلى شهرين، حتى تأخذ الإجراءات القانونية مجراها من طرح عطاءات وغيرها،  ولكن ليس مهما أن نؤهله، الأهم أن نحييه، وكان لنا اتصال مع الأوقاف أننا سنرممه وأنتم تتابعونه بتوظيف موظف له".

الأوقاف: هناك مشروع لإعادة إعمار مسجد البركة ...!!

من جانب آخر والتعرض للمحور الأساس في هذه الدائرة توجهنا في شبكة راية الإعلامية لمديرية الأوقاف المتواجدة في البلدة القديمة، بمعنى قربها من مسجد البركة المهجور، والتقينا تيسير أبو اسنينه مدير عام مديرية أوقاف الخليل الذي رفض بداية التصريح لنا بذريعة أن الحديث عن الموضوع يساعد في تهويد المسجد، وبعد محاولات لمعرفة الأسباب الحقيقية خلف إغلاقه وهجره قال أبو اسنينه:" "الآن لا يمكن الصلاة فيه لأنه مهجور منذ زمن، وكان هناك موظفا فيه، ولكن ربما لقلة الموظفين لا يوجد الآن، أو لأن الاحتلال منعه، ولكن الله أعلم ، فأنا لا أعلم عن هذا أي شيء".

ضيقنا الدائرة أكثر في شبكة راية الإعلامية، وسألنا مدير الأوقاف نفس السؤال الذي وجه للجنة الإعمار عن سبب هجر المسجد فقال:" لا يجوز ترك أي مسجد لا في نقاط تماس ولا غيرها، ولكن اشكاليتنا في وزارة الأوقاف نقص الموظفين في المساجد،  فكل ما عندنا 205 مسجدا، وهناك 66 إمام، و58 مؤذن فقط لا غير".
وحول إن كانت وزارة الأوقاف شريكة في هجر المسجد، قال أبو اسنينه:" لا معلومات لدي، فربما يكون هناك تقصير، فأنا أعتقد ببعض التقصير عند البعض".

أما عن وجود ممارسات لا أخلاقية التي تحدث عنها المواطنين وحتى لجنة الإعمار، فنّدها أبو اسنينه :" أنا اعتقد أن الأمر غير صحيح، فهنالك موجود سرير له سنوات لم يمس، ولا أعتقد أن هناك ممارسات لا أخلاقية".

وختم أبو اسنينه حديثه:" مسجد البركة من المساجد التي تقع على خطوط التماس مع الاحتلال، وفي عام 2006 كان هناك موظفا للمسجد، وعندما استلمت أنا أوقاف الخليل في عام 2012 توجهت للمحكمة الشرعية وطلبت إمكانية نقل مكتب إجراء العقود إلى المسجد لأنه أكثر مكتب فيه مراجعين لكي نقوم بإعماره من جديد، وهناك مشروع لإعادة إعمار المسجد وتأهيله للصلاة فيه".

قبل مغادرتنا مديرية أوقاف الخليل، طرقنا باب رئيس قسم المساجد في المديرية محمد سمير الدويك ليحدثنا عن قصة الموظف الذي لا يعرف مدير المديرية سبب نقله، فقال: "لغاية 2006 كنا نحافظ على وجود موظف دائم لهذا المسجد. وبالفترة الأخيرة تم منع العديد من المساجد وصول المصلين إليها مثل مسجد قيطون والأقطاب والبركة من الاحتلال، وفي حال السماح يسمح لكبار السن فقط، والشباب يتم ملاحقتهم والتضييق عليهم، وفي فترة من الفترات تم إغلاق مسجد البركة ومنع المصلين وصولهم نهائيا، وفي تلك الفترة تم نقل مؤذن المسجد لمسجد آخر وذلك للاستفادة منه في مسجد فيه ضغط كبير من المصلين، وللتعويض عن نقص الموظفين، ومن يومها المسجد بلا موظف".

وفي نبذة تاريخية عن مسجد البركة حدثنا الدويك:" مسجد البركة من المساجد القديمة جدا التي لا يعرف تاريخ إنشائها، فلا يوجد بسجلات الأوقاف تاريخا محددا لإنشائه، فيعتقد أن تاريخ إنشائه يعود لتاريخ إنشاء البلدة القديمة وبالذات بركة السلطان، أي منذ العهد العثماني، وينسب اسمه إلى بركة السلطان، والمقصود السلطان عبد الحميد الثاني، وسبب إنشاء البركة خدمة حجيج بلاد الشام الذين كانوا يسافرون مكة براً، حيث بني بجانب البركة المسجد ليكون نقطة استراحة للحجيج".

كان المسجد استراحة للحجيج، ومنذ عام 2006 بات المسجد استراحة للأغنام على ما يبدو بعد العثور على روثها داخل جنباته، ناهيك عن ممارسات لا أخلاقية تحدث عنها المواطنين ولجنة إعمار الخليل، والسؤال ها هنا يطرح نفسه:" هل تبقى الاتهامات بالتقصير متبادلة بين المؤسسة هذه وتلك إلى جانب كيلها على المواطنين دون الإقدام على خطوة إعماره أم أنه سيبقى ملاذا آمنا للخارجين عن القانون وبالتالي فرصة مناسبة لتهويده من قبل الاحتلال الإسرائيلي".