بالصور.. جمهورية الصم في غزة رحلة الى الفضاء

غزة- راية
سامح أبو دية-

عندما تتجول في أروقة جمعية "أطفالنا للصم" لن تشعر بمرور الوقت وأنت تشاهد واحد من أروع الإبداعات لذوي الإعاقة في قطاع غزة وفلسطين، وهنا ترى المستقبل الباهر الذي صنعته تلك الفئة المهمشة لتدخل عالم كان محرما على الصم والبكم في قطاع غزة عبر تقديم إبداعات عجز عنها الأصحاء.

ابداع ذوي الحاجات الخاصة في عدة مجالات صناعية وتجارية دفعهم لتأسيس عدد من المعارض التجارية بهم كمشاريع دخل دائم لهم ولأسرهم، فضلا عن  ابداعهم في المنتجات اليدوية بأيديهم الرقيقة من المطرزات القماشية واللوحات الفنية والملابس بجميع أنواعها، قرروا أن ينتقلوا لمراحل أعلى بإنشاء معرض للأثاث المنزلي والمكتبي ومطعم راقي جدا،.

منتجات الصم

وخلال جولة "رايــة" في معرض الجمعية فوجئت بالأعمال الفنية المدهشة ، خاصة تلك التي كانت تجمع ما بين الفن والإبداع وتناسق الألوان بشهادة كبار الفنانين والمختصين.

المعرض ضم الكثير من المنتجات الخشبية وقطع السيراميك التي تحمل جمال الرسم بأغصان الزيتون، إضافة إلى المطرزات التي تجمع مابين جمال الطبيعة وجمال الحياكة من الحقائب والأثواب المطرزة، حيث تعبق المكان رائحة التراث والأصالة الفلسطينية والقدرة على الإتقان في معرض الجمعية الدائم.

ولا تستغرب لأن منتجات أقسام التأهيل المهني تتجاوز العرض داخل الجمعية الى نجاحها في التسويق داخل وخارج قطاع غزة بفضل مهارة ذوي الاعاقات السمعية.

قطعة من الفضاء

مديرة شئون الموظفين بالجمعية "ماندي سرداح" تقول بأن الصم لا يعتبرون أنفسهم من ذوي الإعاقة بل هم أقلية لغوية في المجتمع، ويعيشون حياتهم طبيعية كأشخاص لديهم القدرة على الاكتفاء الذاتي، دون الحاجة لمساعدة الآخرين مثل الكفيف والمعاق حركيا.

وترجع "سرداح" قصة تأسيس الجمعية الرائدة للصم بغزة للعام 1992عندما كانت مؤسستها "جيرالدين الشوا" وهي مواطنة أمريكية متزوجة من رجل فلسطيني تعيش بغزة، تسير في أحد شوارع مدينة غزة القديمة وشاهدت شاب من الصم يتعرض للإهانة من الجيران والمارة، فقررت أن تبني مكانا خاصا لأمثاله يعتني بهم ويٌغير صورة المجتمع اتجاههم ويساهم في دمجهم وتكوين عالمهم الخاص.

وتضيف سرداح أن جميع الصم بالجمعية متعلمين ويستخدمون الأجهزة الإلكترونية الحديثة كالحاسوب والهاتف المحمول والتلفاز ويتواصلون حديثا بالرسائل القصيرة ما يؤد انهم ليسوا في عزلة بسبب الاعاقة، مشيرة إلى أن الكثير من الصم يملكون حسابات الكترونية في مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت.

وكشفت سرداح أن 91 موظفا في الجمعية من الصم يعيشون حياة طبيعية مستقلة عن الأهل، فالكثير منهم متزوج ورب لأسرة مستقلة تعيش في بيت مستقل، يختلف يومهم عن غيرهم في المجتمع لكن بدون سماع الضجيج حولهم.

ورو مديرة الجمعية أن أحد زوار الجمعية الأجانب وصف المكان بأنه "قطعة من الفضاء في كوكب الأرض"، من جمال ما رأى وتعبيرا عن دهشته بذلك.

لا خوف على مستقبل الصم، وكل ما يحتاجونه هو أن يفهم المجتمع لغتهم "لغة الإشارة"، وفي الجمعية يلتحق الصم والبكم منذ صغرهم بالمدرسة الخاصة بهم، وعندما يكبرون توفر لهم برامج متعددة لدمجهم في المجتمع، منها الورش المهنية والحرفية، كالتطريز والأعمال الخشبية، إلى جانب الصناعات اليدوية التراثية، بالإضافة الى تأسيس مطعم للصم في غزة والذي حقق نجاحا غير متوقع، على حد قول سرداح.

الجمعية تحتوي كذلك على رياض أطفال يتم من خلالها تعليم الطفل بطرق تقنية وأساليب متطورة، وبعد ذلك يتم انتقال الطفل للمدرسة ويستمر من الصف الأول الابتدائي حتى التاسع داخل أسوار وأقسام الجمعية.

الجمعية المختصة برعاية الصم حرصت على توظيــف أكثر من نصــف كادرهــا مــن فئــة الصــم، حيث يبلغ عدد العاملين فيها 170 موظفا منهم91 شخصا من الصم يعملون على مســاعدة الأطفــال والبالغيــن مــن أمثالهم فــي الحصول علــى فــرص التعليــم والتأهيــل والتدريــب المهنــي، وبذلك أصبحت الجمعيــة المــورد الأساســي المــزود للخدمــات والبرامــج المختلفــة فــي معظــم المراكــز والمؤسســات المعنيــة بالصــم.

وحصلت الجمعيــة علــى موافقــة وزارة التربيــة والتعليــم لافتتــاح مدرســة ثانويــة للصــم، وتشــغيل عــدد مــن هــذه الفئــة فــي أكثــر مــن مؤسســة وشــركة محليــة، بالإضافة إلــى اعتمــاد لغــة الإشارة علــى اللافتــات الإرشادية فــي معبــر رفــح البــري وفــي عــدة مؤسســات وهيئــات خدماتيــة لتســهيل التواصــل لفئــة الصــم.

مطعم صامت

"مطعم للصم في غزة" إنه الحدث الذي أثار دهشة الكثيرين، فهذا الأمر ليس غريباً على أناس قفزوا في حاجز الإعاقة بإرادتهم الصلبة حتى يكون لهم دور مهم  في المجتمع كغيرهم من الأصحاء، فهذا المطعم يعد أحد البرامج المدرة للدخل التي تنفذها جمعية أطفالنا للصم في غزة، بهدف تمكين الشباب والشابات الصم والبكم من تحقيق طموحاتهم وتلبية احتياجاتهم من خلال دمجهم في المجتمع.

المطعم يقع  مقابل ميناء غزة ويعمل فيه 17 من الصم والبكم من كلا الجنسين، باستثناء المدير والطباخ الأساسي، والزائر لهذا المكان يلاحظ الأجواء الداخلية للمطعم، التي تبعث الراحة العظمى لدى أي زائر، خصوصاً من الناطقين، فالهدوء سمة المكان الأساسية، والابتسامة اللغة الأكثر شيوعاً على وجوه العاملين الذين يسقبلون الزبائن لحظة وصولهم.

الأمر لا ينتهي عند تقديم وجبات الطعام، فالمطعم مزين بتصاميم وأعمال تراثية وحرفية من صنع الصم أنفسهم ، كما تزين جدران المطعم إشارات الصم، التي تساعد الزبائن الناطقين على فهم إشارتهم والتعامل معهم بشكل سهل، إضافة إلى أنه يوجد نادل من الناطقين يرافق الصم في حال صعب على الزبائن التواصل معهم.

معرض أثاث مبهر

كما قامت جمعية أطفالنا للصم بافتتاح معرض دائم للأثاث المنزلي " أطفالنا للأثاث" في مدينة غزة أحد برامج زيادة الدخل والذي يهدف لتمكين الشباب الصم في غزة من خلال التدريب المهني وخلق فرص عمل في مجال صناعة الأثاث للصم، وضمن أنشطة مشروع " تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة ضمن نهج تنموي شامل".

ويضم المعرض أثاث منزلي عالي الجودة من صنع الشباب الصم أنفسهم، يوجد بداخله كل ما يحتاجه المنزل من غرف للنوم والطعام والكنب وغرف الأطفال وطاولات وكراسي، كلها مصنوعة يدويا بأيدي الشباب الصم المحترفين بجودة عالية جدا تنافس المستوردة.