الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:38 AM
الظهر 12:38 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:17 PM
العشاء 8:37 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

غسان كنفاني.. كما ترويه زوجته "آني"

بيروت -  راية :

في هذه الايام   وعودة الى 8تموز عام  1972  وهو يوم امتدت  يد الغدر  الاسرائيلي  لتقتل  بمتفجراتها   الكاتب غسان كنفاني  وابنة اخته لميس   بتفجير سيارتهما في بيروت وتروي اني كنفاني  زوجة  غسان  عن 

صباح الاغتيال، جلسنا جميعنا أطول من العادة، نشرب قهوتنا التركية على الشرفة. وكان لدى غسان كما هو دأبه الكثير من الأمور للتحدث عنها، وكنّا كما هو دأبنا دوماً حاضرين للاستماع. وكان يخبرنا ذلك الصباح عن رفاقه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ثم بدأ يتحدث هو وأخته فايزة عن طفولتهما في فلسطين.

قبل أن يغادر متوجها إلى مكتبه، أصلح القطار الكهربائي لابننا فايز ولابنة أخت غسان وأخيها. كان الثلاثة يلعبون داخل المنزل ذلك الصباح. وكان على لميس، إبنة أخت غسان، أن ترافق خالها إلى وسط البلد للمرة الأولى منذ وصولها من الكويت بصحبة أمها وإخوتها لأسبوع خلا، فقد كانت تعد العدة لزيارة أقربائها في بيروت. لكنها لم تفلح في الوصول الى هناك أبداً. فما هي إلا دقيقتان على تقبيل غسان ولميس إيانا قبل"إلى اللقاء" حتى دوى انفجار مريع.

تطايرت نوافذ البيت جميعها. انحدرت بسرعة، لأجد أشلاء سيارتنا الصغيرة تحترق. وجدنا "لميس" على بعد بضعة أمتار، ولم نجد غسان. ناديته باسمه، ثم اكتشفت ساقه اليسرى. وقفت مشلولة، فيما راح فايز يضرب برأسه الحائط، ورددت ابنتنا ليلى النداء تلو النداء: "بابا، بابا"، وبالرغم من ذلك فقد ساورني أمل ضئيل بأنه قد أصيب اصابة خطرة ليس إلا. لكنهم عثروا عليه في الوادي، قريباً من منزلنا، ونقلوه بعيداً عنّا، وفقدت الأمل بأن أراه مرة أخرى.

قعد أسامة قرب جسد أخته الميتة، وقال لها: "لا تجزعي، يا لميس، ستكونين بخير، وستعلّمينني الانكليزية من جديد".

وفي المساء قالت لي صغيرتنا ليلى: ماما، سألت البابا أن يأخذني معه في السيارة لنشتري شوكولاته، لكنه كان مشغولاً، فأعطاني لوحاً كان يحتفظ به في جيبه. ثم قبلني وطلب مني الرجوع إلى المنزل. جلست على درج بيتنا لآكل الشوكولاته، وحصل دوي كبير. لكن، يا ماما، لم تكن تلك غلطة البابا، إن الإسرائيليين هم الذين وضعوا القنبلة في سيارته.

أنا ارملة غسان كنفاني واحد من شهداء الثورة الفلسطينية العظام، وطني الأصلي هو الدنمارك. استطيع أن اذكر بغموض الاحتلال الألماني الذي بدأ في 9 نيسان 1940. فقد انخرط أبي في حركة المقاومة، أسوة بغيره من الرجال والنساء الدنماركيين. وقدّم كثير من المقاتلين الأحرار حياتهم آنذاك، وآل بعضهم إلى سجون "الغستابو" [المخابرات الألمانية زمن هتلر] ومعسكرات التصفية أثناء نضالهم ضد الاحتلال الألماني. وكان الألمان يلقبون المقاتلين الدنماركيين الأحرار بـ"الإرهابيين"، وهو الافتراء عينه الذي ترمي به القوى المحتلة قاطبة الشعوب المقهورة التي تقاوم الاحتلال وتشرع في النضال من أجل حريتها واستقلالها. بل إن حركة المقاومة الدنماركية كانت قد ساعدت على إنقاذ اليهود أنفسهم من النازيين الألمان.

في عام 1960 شاركت في مؤتمر عالمي للأساتذة، وشاركت لاحقاً في مؤتمر للطلاب في يوغوسلافيا. وكانت تلك المرة الأولى التي واجهت فيها المشكلة الفلسطينية من خلال لقاءاتي ببعض الطلاب الفلسطينيين، وعند عودتي إلى الوطن التحقت بـ"جامعة الشعب العالمية في الدنمارك" حيث واصلت نقاش تلك المشكلة مع زملائي الطلاب، وسافر بعضنا إلى لندن وشارك في مسيرة الدرماستون التي نظمها أنصار نزع الأسلحة النووية بقيادة برتراند راسل. وحين توفي برتراند راسل عن سبعة وتسعين عاماً كان ما يزال يقاتل من أجل العدالة وهذه المرة من أجل الفلسطينيين.

في صيف الدرماستون ذاك، عدت إلى يوغوسلافيا بصحبة فرقة فولكلورية دنماركية شهيرة، هي "تينكلوتي"، وهي فرقة قد كنت عضواً فيها لسنين عشر. وقد التحق بعضنا بمخيم عمل عالمي حيث التقينا بطلبة اسرائيليين، ثم التقينا في مخيم آخر بطلبة عرب، وتحدثنا عن المشكلة الفلسطينية مع الفريقين كليهما.

في أيلول 1961 ذهبت إلى سوريا ولبنان لكي ادرس المشكلة الفلسطينية عن كثب. وفي بيروت، عرفوني إلى غسان كنفاني، وكان آنذاك واحداً من محرري المجلة الأسبوعية العربية "الحرية" وكانت المجلة ناطقة باسم "حركة القوميين العرب"، وكان غسان محرراً للشؤون الفلسطينية فيها. حين سألت "غسان" أن يأذن لي بزيارة بعض مخيمات اللاجئين، تملكه الصمت. وبعد هنيهة صرخ غاضباً "أوتحسبين أن شعبنا الفلسطيني حيوانات في جنينة حيوانات؟" ثم شرع بالتفسير، فتحدث عن شعبه وعن وطنه، تحدث كيف أن الأمم المتحدة نقضت ميثاقها في 29 تشرين الثاني عام 1947 حين قسمت فلسطين خلافاً لإرادة سكانها العرب (الذين كانوا يشكلون آنذاك ثلثي حجم السكان، وكانوا يملكون أكثر من تسعين بالمئة من الأراضي، وتابع غسان يحدثني عن فلسطينه الحبيبة، وعن اضطراره الى مغادرتها عام 1948 بصحبة أهله وأشقائه وشقيقاته الخمسة.

ولد في عكا في 9 نيسان 1936، في بداية الثورة الفلسطينية العربية ضد القوات الصهيونية وسلطة الانتداب البريطاني. وأثناء الثورة، قام الفلسطينيون العرب بإضراب عام لعله يكون الأطول في التاريخ استمر ستة شهور. وحين أخمدت الثورة عام 1939، كان 5032 عربياً قد قتلوا و14760 قد جرحوا، وشنق مئة وعشرة أشخاص على يد السلطات البريطانية.

أخبرني غسان عن الإرهاب الإسرائيلي وكيف أجبر شعبه على هجرة أرضه. وكانت مدينته عكا قد خصصت للسكان العرب، حسب خطة التقسيم التي أرستها الأمم المتحدة. غير أن عكا، أسوة بالكثير من المدن والقرى الفلسطينية، خضعت لاحتلال القوات الصهيونية، وهجر سكانها بالقوة الجسدية والنفسية. وأصيب عرب فلسطين آنذاك بالذعر الشديد بعد مجزرة دير ياسين، القرية المسالمة العزلاء. وقد وقعت المجرزة في 9 نيسان 1948 وصادف ذلك عيد ميلاد غسان الثاني عشر. ومذاك، لم يحتفل غسان بعيده قط. وفي مثل هذا اليوم من كل سنة، أقف أنا أرملة غسان بخشوع أمام أرواح غسان والضحايا الأبرياء الذين سقطوا في مجزرة دير ياسين. وفي ذلك اليوم بالذات من عام 1940، تم احتلال وطني (الدنمارك) على يد النازيين الألمان.

غادرت عائلة غسان عكا قبيل 15 أيار 1948، وكان حوالى ثمانمئة ألف عربي قد فروا من الإرهاب الصهيوني آنذاك. واستمر العرب في الهجرة، يتقدمهم الأطفال والنساء، فقد بقي الرجال ليدافعوا عن القرى والمدن. وما لبثت يافا وحيفا واللد وغيرها أن "نظفت" والتعبير هو لإيغال ألون، من سكانها العرب.

عندما طردت عائلة غسان من فلسطين، كانت صفر اليدين، وقد اختار الأب أن يبقى في قرية لبنانية صغيرة هي الغازية قريبة من الحدود، فالحال انه أراد ان يكون بين أوائل العائدين إلى منازلهم بعد انتهاء القتال، على نحو ما نص قرار الأمم المتحدة بصدد اللاجئين الفلسطينيين (وهو القرار رقم 194، الفقرة الثالثة، الصادر في 11 كانون الأول 1948). ونحن نعلم جميعنا أن مثل هذا القرار لم ينفذ، فقد منعت السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين العرب من العودة، لقد أراد الصهاينة الوطن، لا شعبه، وكانت مثل هذا الرغبة كامنة منذ بداية إنشائهم الكيان الصهيوني.

وانتقل أبو غسان مع جميع أفراد عائلته إلى قرية جبلية في سوريا تدعى الزبداني. وكانت الحياة هناك قاسية، وكان الجوع والبرد وجبتهم اليومية. وانتقلوا لاحقا إلى دمشق، وشرع غسان وأخوه الأكبر بتجميع الكتب أملا بكسب القليل من المال الذي يعينهما على عول عائلتهما المؤلفة من ثمانية أشخاص بالإضافة إلى ثمانية أشخاص آخرين يعيشون معهم. وما لبثا أن تابعا دراستهما في مدرسة مسائية بعد أن كانا قد عملا طوال النهار.

كان غسان آنذاك في الثالثة عشرة من عمره، وكانت أخته فايزة (أم لميس) قد حصلت على الشهادة الثانوية، وذهبت عام 1952 إلى الكويت حيث صارت واحدة من أوليات المعلمات، وواحدة من الفلسطينيين الكثر الذين أسهموا في نمو الدول العربية بصفتهم أساتذة ومهندسين وأطباء وغير ذلك. وبعد أن نال غسان شهادة البريفيه في السادسة عشرة من عمره، شرع بالتدريس في مدارس الأونروا، وكان، مع أستاذ آخر، مسؤولين عن تعليم ألف ومئتي طفل فلسطيني لاجئ، غير أن هدف غسان الأعظم كان توعية أولئك الأطفال توعية سياسية. ومنذ ذلك الوقت  صار سبعون في المئة من تلاميذ غسان في مدارس الأونروا مقاتلين.

قبل أن يلتحق غسان بمدرسة الأونروا، عمل في مطبعة في دمشق. وفي سنة 1955 طلبت منه "حركة القوميين العرب" أن يعمل في تحرير جريدتها الرأي وفي طباعتها. وانتسب إلى "الحركة" في ذلك العام، وفي العام التالي، لحق بأخته فايزة وأخيه غازي في الكويت. وأرسل ثلاثتهم أكثر رواتبهم إلى عائلتهم في دمشق. وهكذا توافر للوالد دخل شهري يعول به بقية أفراد العائلة، وحصل في تلك الفترة كذلك على إذن بالعمل في سلك المحاماة في دمشق، وكان أكثر زبائنه من الفلسطينيين المدقعين. وواصل غسان، خلال السنوات الست اللاحقة التي قضاها في الكويت، نشاطه السياسي. وكان يدرّس الفن والرياضة، ولقد أثبتت تلك السنون أنها جزء هام جداً في حياته. فقد قضى معظم أوقات فراغه في الرسم والكتابة والقراءة، وانصبت أكثر قراءاته على السياسة: فقرأ ماركس، وانجلز، ولينين، وغيرهم. وفي عام 1960، أقنع الدكتور جورج حبش "غسان" بمغادرة الكويت والمجيء إلى بيروت للعمل في الحرية.

منذ الأيام الأولى للقائي بغسان، أحسست بأنني إزاء إنسان غير عادي. وتطورت علاقتنا من خلال القضية الفلسطينية إلى علاقة شخصية، ورغم وضعه الذي لا يبعث على الأمان فغسان الفلسطيني لم يكن يملك جواز سفر، ولا مالاً، وكان يعاني فوق ذلك من مرض لا شفاء منه هو السكري ، فإننا ما لبثنا أن اكتشفنا أن الموت وحده سوف يكون قادراً على تفريق الواحد منّا عن الآخر.

وشرعت بالتدريس في روضة للأطفال. وما هو إلا شهر على وصولي إلى لبنان حتى تزوجنا ولم يندم أي منّا على ذلك وكان لنا كمعظم الفلسطينيين الآخرين، مصاعبنا، الاقتصادية وغير الاقتصادية. وفي كانون الأول عام 1962 أضحى الوضع السياسي شديد الاهتزاز، فكان على غسان أن يبقى مختبئا في المنزل لفترة تزيد عن الشهر، وذلك لافتقاره إلى الأوراق الرسمية. وأثناء هذه الفترة، كتب رواية رجال في الشمس التي طار صيتها في معظم أرجاء العالم العربي، وأهداها إليّ.

ولقد ترجم غسان لي كل رواياته وقصصه أثناء كتابته إياها، وصرت على معرفة كذلك بكتاباته السياسية. وكان دافعه إلى الكتابة لا يحد كأن في غسان نبعاً من الكلمات والأفكار يعب منه الصفحة تلو الصفحة عن فلسطين، وطنه، وعن شعبه. وكان دائم الانشغال، كما لو أن الموت يتربص به عند زاوية الشارع. وكان غسان رساماً ومصمماً للرسوم، وكانت إحدى لوحاته اثناء تلك الفترة تمثل رجلاً مصلوباً بالزمن...

لقد كنت شديدة التأثر بأفكار غسان، غير انه لم يفرضها أبداً عليّ. وهذا ما ينطبق على أصدقائنا الأجانب الذين اكتشفوا القضية الفلسطينية من خلاله. واهتم الكثير منهم، لاحقاً، بهذه القضية في بلدانهم ذاتها، أما علاقتي بعائلة غسان فقد كانت حميمة، فلقد رحبت بي عائلته منذ البداية بكل ما امتلكت من ضيافة ودفء، وصرت أحب أفرادها حباً عظيماً.

استندت حياتنا الزوجية إلى الثقة، والاحترام، والحب، ولهذا، فقد كانت على الدوام مهمة، جميلة، قوية. وولد أول صبي لنا في 24 آب 1962 وأسميناه "فايز" ومعناه المنتصر تيمنا باسم جده.

وصار غسان أكثر انشغالاً من ذي قبل، وانغمس في عمله انغماساً كلياً. وكان آنذاك قد ترسخ في حقلي الكتابة والصحافة. وفي عام 1963 عُرض عليه منصب رئيس تحرير المحرر، وهي جريدة يومية مثلت وجهات نظر القوى الناصرية والتقدمية. وما لبثت هذه الجريدة أن أصبحت ثاني أكبر جريدة يومية في لبنان، واتسع انتشارها في بلدان عربية أخرى. وعمل غسان فيها سنوات خمساً، وعمل في مجلة فلسطين الأسبوعية التي مثلت وجهة نظر الجناح الفلسطيني في "حركة القوميين العرب" وعالجت المسائل الفلسطينية.

خلال عامي 1963 1964، كانت "حركة القوميين العرب" في طريق تحولها إلى الاشتراكية العلمية، وقررت عام 1964 أن تعد العدة لبدء الكفاح المسلح في فلسطين. وما هي إلا فترة وجيزة حتى تأسست الفرقة المقاتلة الأولى، ولم يكن هدفها أول الأمر القيام بعمليات عسكرية، وإنما الاتصال بالعرب المقيمين في "اسرائيل" وإنشاء قاعدة للكفاح المسلح القادم، وما لبثت "حركة القوميين العرب" أن قدمت شهداءها الأُول في النضال من أجل تحرير فلسطين. ولقد أهدى غسان لاحقاً روايته ما تبقى لكم التي حازت عام 1966جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان لواحد من أولئك الشهداء، هو خالد الحاج، وكتب غسان في الإهداء: "إلى خالد.. العائد الأول الذي ما يزال يسير".

عام 1965 دُعي غسان رسميا لزيارة الصين والهند. وهناك التقى بوزير الخارجية الصيني "شينغ لي" وبرئيس الوزراء الهندي شاستري، وبغيرهما من الزعماء السياسيين في كلا البلدين، وناقش المسألة الفلسطينية معهم. ولا شك في أن زيارته تلك قد أثرت فيه تأثيراً عظيماً.

وبعد زيارة غسان الثانية إلى الصين، حيث شارك في مؤتمر كتّاب آسيا وأفريقيا، كسب فايز ابن الأعوام الأربعة أختاً جميلة، أسميناها "ليلى"، تيمنا ببطلة إحدى أشهر الروايات الشعبية العربية، و"ليلى"، إضافة إلى ذلك، اسم إسكندينافي معروف في أوساط اللابيّين في المنطقة القطبية الشمالية.

أحب غسان طفليه حتى العبادة، وغالبا ما كتب عنهما، وعلى قصر الزمن الذي قضاه معنا، فقد كان يلعب معهما مراراً ويعلمهما أشياء كثيرة. ولقلما فقد أعصابه، ولم يضربهما قط. واتسع سروره برفقتهما ليشمل أصدقاءهما، وغالباً ما قادهم جميعا في سيارته إلى السينما أو شاركهم ألعابهم في منزلنا.

قبل حرب حزيران 1967 بأسبوع واحد، توفيت أم غسان فجأة في دمشق بعد إصابتها بذبحة قلبية. لكنه لم يذرف دمعة واحدة طوال مأتمها، على صدق حبه العميق لها، بل إنه حاول أن يبث العزيمة في أبيه وفي أفراد العائلة الآخرين. غير أننا أثناء رجوعنا إلى بيروت، انهار غسان، ولأول مرة في حياتي، شاهدت دموعاً في عينيه.

وعندما أعلن الرئيس جمال عبد الناصر استقالته عقب حرب حزيران، وبعد أن فقد الكثيرون الأمل، رفض غسان أن يخضع للاستسلام. لقد كان في اللحظات الدقيقة قوياً بشكل لا يصدق، وكان يحاول أن يعطي شيئا من هذه القوة للآخرين. وكان يعبّر لاحقاً عن مشاعره بالكتابات السياسية والأدبية.

لم يساورني أدنى شك في أي لحظة من اللحظات في أن غسان قد اختار الطريق السليم. ولو أنني حاولت أن امنعه من مواصلة نضاله والتزامه السياسيين، لبقي لي زوجي، غير أنه ما كان سيكون ذلك الإنسان المرهف الشريف الذي أحببته وأُعجبت به.

 

عن حياة الشهيد غسان كنفاني 

ولد غسان كنفاني في عكا عام 1936, وعاش في يافا واضطر إلى النزوح عنها كما نزح الآلاف الفلسطينيين بعد نكبة 1948 تحت ضغط القمع الصهيوني, حيث أقام مع ذويه لفترة قصيرة في جنوبي لبنان, ثم انتقلت العائلة إلى دمشق.

عمل كنفاني منذ شبابه المبكر في النضال الوطني, وبدأ حياته العملية معلماً للتربية الفنية في مدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا) في دمشق ثم انتقل إلى الكويت عام 1965 حيث عمل مدرساً للرسم والرياضة في مدارسها الرسمية. وكان في هذه الأثناء يعمل في الصحافة كما بدأ إنتاجه الأدبي في الفترة نفسها.

انتقل إلى بيروت عام 1960 حيث عمل محرراً أدبياً لجريدة "الحرية"الأسبوعية, ثم أصبح عام 1963 رئيساً لتحرير جريدة "المحرر", كما عمل في "الأنوار" و "الحوادث" حتى عام 1969 حين أسس صحيفة "الهدف" الأسبوعية وبقي رئيساً لتحريرها حتى استشهاده في 8 تموز (يوليو) 1972.

 


يمثل كنفاني نموذجاً خاصاً للكاتب السياسي والروائي والقاص الناقد, فكان مبدعاً في كتاباته كما كان مبدعا في حياته ونضاله واستشهاده, وقد نال عام 1966 جائزة (( أصدقاء الكتاب في لبنان)) لأفضل رواية عن روايته "ما تبقى لكم", كما نال جائزة منظمة الصحافيين العالمية (I.O.J.) عام 1974 ونال جائزة ((اللوتس)) التي يمنحها اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا عام 1975

استشهد" غسان كنفاني " صباح يوم السبت 8/7/1972 ، بعد أن انفجرت عبوة ناسفة كانت قد وضعت في سيارته تحت منزله .

المصدر   بوابة الهدف

Loading...