الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:32 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:21 PM
العشاء 8:42 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

اليوم 8-7 ذكرى استشهاد غسان كنفاني بتفجيرات القتله من الموساد

كتب "رجال في الشمس" وهو في العشرين من عمرة-كان يقظا متنبها لوطنيته فهو من مواليد ثورة 36

بيروت - فلسطين -راية :

عقارب الساعة تلامس العاشرة صباحاً لحظة دخولي المكتب، توجهت فورًا الى مكتب غسان للاطمئنان عليه. لم يكن غسان قد وصل بعد ورأيت أحد المحررين "عمر عز الدين" (من رأس المتن) يجلس على مقعد غسان، فنهرته وطلبت منه ترك المقعد فورًا، لم يتحرك عن المقعد، وكان يمسك بسمّاعة الهاتف، وقال وهو يبكي (غسان!… غسان!…) فصرخت به: في أي مشفى؟ الى أي مشفىً نقلوه؟ لم يجب، واستمر في حالة من الهستيريا يهذي: (غسان!…غسان!..) وهو يبكي، اقتربت منه وهززت كتفه وسألته: يا عمر، قل لي إلى مشفى نقلوه؟، أجاب عندها عمر، بصوت لا يكاد يُسمع: لا داعي لأي لمشفى، لقد مزقوه إربًا. صعدت السيارة وأمرت السائق بالإسراع الى منطقة مار تقلا، الى منزل غسان. وتخبّطت أفكاري، لكني كنت أمر بحالة بدء الصدام، فلم أعد أفكر إلا بالمعركة وتجلدت كل الأحاسيس الأخرى، ورحت اتحرك كآلة مقاتلة. مئات من الأشخاص تجمعوا واختلطوا مع رجال الشرطة، أمن، مقاتلون من الجبهة الشعبية، قيادات من الجبهة الشعبيّة، مسؤولو الأمن في الجبهة الشعبية، مسؤولو أمن فتح… كانت آني زوجة غسان (آني من اصل دنماركي) مصابة بحالة من الهستيريا وأخت غسان، فايزة (كانت أعز اخوته، فقد كانت بالنسبة اليه بديله عن الأم وترعاه منذ أن كان فتى صغيرًا، وكانت قد تزوجت وسافرت الى الكويت لتعمل مديرة مدرسة واشترت الشقة في مار تقلا كي يسكن فيها غسان)، منهارةً تمامًا فقد فقدت أعز انسان لديها، غسان، وفقدت أغلى ما لديها ابنتها لميس، التي كانت مع خالها غسان أثناء الحادث. كان نصف جسد غسان العلوي متكاملًا، وعلت وجهه الابتسامة، اما يداه وأحشاؤه وقدماه فقد تفتتت وجُمعت قطعًا.

في اليوم التالي خرجت لغسان جنازة ضخمة ودفن في مقبرة الشهداء وكان أول شهيد يدفن فيها. هزّ استشهاد غسان كنفاني الشعب الفلسطيني بأسره، وبكته أعين في حيفا وعكا والجليل والقدس وغزة وكل أنحاء فلسطين. خرجت بيروت في وداع الاديب والفنان والصحافي غسان كنفاني، اللبنانيون والفلسطينيون والأجانب على حد سواء، فقد كان غسان قيمةً ثقافيةً كبرى. فقد خرجوا يودّعون نموذجًا نادرًا للبقاء والمقاومة … يودّعون شجرةَ صبار نادرةً، عرفت كيف تحتفظ بقطرات من ماء الحياة، لتعيش وردة ًنادرةً، عرفت كيف تضم أوراقها إلى قلبها لتحميه من المخاطر ولتحيا حياة العطاء.

قلمٌ لا يتوقف عن الإبداع، حتى عندما لا يكتب شيئا كان يرسم الكلمات، فنان كان يصب جام عواطفه عبر شعلة من نار الأوكسجين تطوع الحديد البارد الصامت وتحوله الى لوحة ناطقة.

إنسان كانت شرايينه تحمي ما بقي من برتقال (أرض البرتقال الحزين). ودّعت بيروت غسان التي احتضنته يوم كان طريدًا يلاحقه أعداء الحق والحرية والإبداع وأعطته أمنًا وسلامًا ودفئًا وحضنًا وثيرًا.

وتصدمك الحقيقة من خيال، وتناديك: مات غسّان…غسان مات. أما انا فقد فقدت الكثير، أكثر بكثير من فقداني قبطان السفينة، فقد فقدت تؤام الروح والقلب والعقل، فقدت شجرة الصبار التي علمتني كيف أحافظ على الحياة وأبقى بخزن قطرة ماء واحدة. علمني كيف أستل من جرحي سلاحًا، علمني أن للدمعة معنى آخرَ غير الحزن، علمني كيف أتحدث إلى وردة صغيرة نبتت في غابة كبيرة، علمني كيف أقنص بالكلمة وكيف أطلق النار بالحروف.

طريد بلا هوية، بلا جواز، بلا وطن، احتضنته بيروت، طمأنته، منحته هوية وجواز سفر ومدينة حب، فأظهر ما لديه من شجاعة وبأس في الدفاع عن الحق والحرية والديمقراطية والجمال.

* رواية استشهاد غسّان كنفاني، كما رواها أحد زملائه في جريدة "الهدف"

على صلة | غسان كنفاني يدق جدران الخزان../ د. فايز رشيد

 

عرب48

Loading...