الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:33 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:20 PM
العشاء 8:41 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

"استشهد عمر.. والشهيد لم يمت" !

 

الخليل- رايــة:

طه أبو حسين-

كقوسِ منحنٍ هدّه تعب الفراق، كان يقف فوق شقيقه الشهيد عمر يوسف جوابرة، يرتل آيات قرآنية، ويتمتم بدعوات وأذكار وكلمات في أذن الشهيد كما لو أنه يشي له بسرٍ لا يريد لأحد غيره أن يعرفه، يبكي بصمت، وأخوته الأربعة الآخرين ملتفين حولهما _الشهيد وشقيقه_ والدمع يرتسم على وجوههم، والباقين من أحبة وأهل ما بين تسبيح وتكبير واحتساب تردد ألسنتهم، تلك هي الصورة في ثلاجة الموتى بمستشفى الأهلي بالخليل.

تلك صورة بألف صورة وصورة، وهناك أخرى عنوانها "الأم"، تفاصيلها الوجع ثم الوجع، حيث كانت ما بين ذهاب وإياب، تدخل الثلاجة ثم تعود أدراجها، وكلما فعلت ونظرت إليه تقول باكية "هذا عمر، هذا عمر"، ثم تعود خارجا لتتنفس بعض الهواء الذي يعينها على تكرار ذات العبارة المليئة بالموت وربما الحياة "هذا عمر، هذا عمر".

على أكتاف ستة عساكر حمل جثمان الشهيد عمر جوابرة من ثلاجة الموتى لسيارة الاسعاف التي نقلته لمخيم العروب، والناس من وراءهم يسيرون، وخلفهم أيضاً كانت تقف أم الشهيد، تلوّح بيدها "مع السلامة يما، مع السلامة عمر".

والدة الشهيد تقول :" فجأة وصلنا خبر استشهاد عمر، فالجيران أخبروني أن هناك فتى أصيب وعلى ما يبدو قد استشهد، فقلت هذا عمر، قلت ذلك دون أن أراه، أو أن يقول لي أحد أنه عمر، لأنني شعرت بذلك، فأنا أم".

عمر جوابرة "15 عاما"، عرف بتميزه ومرحه وحبه للآخرين، والاصابة التي كانت سبباً في ارتقاءه شهيداً لم تكن الأولى، فأمه تقول أنه أصيب مرتين قبل ذلك، مرة قبل حوالي شهر في رجله، وأخرى في عنقه، إلا أن الثالثة التي اخترقت صدره كانت القاضية.

ما إن سار الموكب، حتى اتضحت تفاصيل الصورة أكثر، فزملاء دراسة عمر وأساتذته، كانوا يقفون على جانب الطريق في حرم مستشفى الأهلي، صامتين، حائرين، متجمدين متصلبين في أرضهم، كأنهم أصناماً ألصقت في مكانها، غير أنها انتفضت بالهتافات فجأة حالما أصبحت سيارة الاسعاف في مركز دائرتهم، ثم هرولوا مسرعين خلف الشهيد لمسقط رأسهم.

الطفل عمر، طالب الصف العاشر في مدرسة العروب الأساسية للبنين، عادة ما كان يتقلد شهادات التميّز لاجتهاده في دراسته.

مدرس مساق الرياضيات خضر دياب يقول: "عمر خلق في نفوسنا كمعلمين وطلاب حسرة على فراقه، لأنه كان طالبا مميزا، له حضور كبير في الصف الدراسي، ونقول أن الشهادة أعلى المراتب، وطوبى له هذه الدرجة".

دياب ما ان انتهى من كلماته حتى عاد واستجمع جأشه قائلاً: "اعتبر عمر ابني، لأنه خلوق وأديب، طالب مميز، اجتهاده ومرحه في الصف دفعني وكافة زملائي بالتعرف على هذا الطالب الذي كان يطمح لأن يكون طبيبا، ففراقه وجع كبير".

ظروف استشهاد عمر كانت خلال المواجهات المندلعة ما بين الفتية وجنود الاحتلال في مخيم العروب شمال محافظة الخليل، وفي ذلك يقول شاهد عيان: "عمر كان في المواجهات بمنطقة المقبرة، فقام جندي اسرائيلي بإطلاق النار عليه من البرج العسكري المطل على المخيم".

بعد اصابة عمر نقل بشكل مباشر لمستشفى الميزان، وكان في حالة صحية خطرة كما بيّن رئيس قسم الطوارئ الطبيب شريف الطردة: "وصل في حالة خطرة جدا، إثر تعرضه لإصابة خطرة، وهي عبارة عن رصاصة اخترقت القفص الصدري الأيمن، واخترقت القلب، والشرايين الرئيسية، أدت لنزيف داخلي، وخرجت من القفص الصدري الأيسر، فقمنا بما هو واجب طبياً لإنقاذ حياته لكنه ارتقى شهيدا".

كانسلال التراب من بين يدي من أسند عمر في قبره، أنس المشاركين واحدا تلو الآخر، يبتغون أمور حياتهم، غير أن عائلة الشهيد تصلبت أقدامها في تلك المقبرة تنشد حديثا مع عمر، أو حتى نظرة لابنها تخترق الجدران والطين، لتتجسد صورته أمامها دون حواجز، لأنها حتى اللحظة لا تصدق أن عمراً قد مات "فعمر حي في قلوبهم لا يموت"، وبرواية أخرى كما تتحدث عيني أمه.

Loading...