في الذكرى السادسة عشرة لانتفاضة الأقصى: إنقسام وتذبذب في الثبات

رام الله-راية

حسين أبو عواد

كما الماء يتذبذب الحال الفلسطيني في الثبات مذ هدأت وتيرة الانتفاضة الفلسطينية الثانية ومهرت بهدنة رعتها مصر والأردن في شرم الشيخ عام ٢٠٠٥. واليوم، يعود الفلسطينيون بذاكرتهم إلى ما قبل ستة عشر عاما عندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية “انتفاضة الأقصى” إثر الانتهاكات المتكررة من قبل الاحتلال الاسرائيلي والزيارة الاستفزازية التي قام بها رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق "أرئيل شارون" لباحات المسجد الاقصى المبارك.

جولة شارون الاستفزازية آنذاك وحديثه عن ان الحرم القدس سيبقى منطقة اسرائيلية، استثارت غضب الفلسطينيين،  فاندلعت المواجهات في الاقصى مخلفه في حينها 7 شهداء وسرعان ما امتدت الى كافة المدن والقرى الفلسطينية في الضفة والقطاع لتهدأ حدتها في الثامن من شباط عام 2005 بعد توقيع اتفاق شرم الشيخ بحضور الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك، والعاهل الاردني عبد الله الثاني، مخلفه 4412 شهيدا و 48322 جريحا فيما قتل 1069 اسرائيليا واصيب 4500 اخرين.

القيادي في حركة الجهاد الاسلامي سعيد نخلة  اعتبر ان  انتفاضة الاقصى في حينها اكدت ان المقاومة المسلحة هي الخيار الوحيد لتحرير فلسطين وان "اوهام" التسوية والمفاوضات لن تحقق شيء للشعب الفلسطيني.

واعترف نخلة في حديثه لـ"راية" بان  المقاومة المسلحة في  تراجع وخمود قائلا" إن هذا التراجع لن يدوم طويلا وان الهبة الجماهرية الحاليه دليل على ان شعبنا ما زال يتمسك في المقاومة ولا احد يستطيع الاملاء عليه".

من ناحيته قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمود العالول ان الانتفاضة اثبتت للعالم اجمع بان الشعب الفلسطيني مستعد وقادر على تقديم التضحيات لإيمانه بعدالة قضيته  مشيرا الى الشعب الفلسطيني حينها  واجه بصدوره العارية انتهاكات وجرائم الاحتلال الذي رد بالدبابات وقصف الطائرات ولم يكن امام هذا الشعب الا العودة للكفاح المسلح للدفع عن حقه.

واشار العالول لـ"راية" الى أن حركته ستبقي على تعريفها في برنامجها وميثاقها الداخلي على أنها "حركة تحرر وطني تناضل من أجل حرية واستقلال شعبها" وان برنامجها يؤمن بالمقاومة بكل أشكالها ضمن مشروع مواجهة الاحتلال.

وتابع العالول" على الجميع ان يدرك ان فتح  أول من تبنّى الكفاح المسلح، وانا هذا الخيار لن يسقط ابدا  ولكن لكل مرحلة شكلها المناسب من اشكال المقاومة".

من جانبه قال عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية طلال ابو ظريفة ان الانتفاضة الثانية استطاعت ان  تعيد القضية الفلسطينية إلى الصدارة وتعطيها الاهتمام اللائق بها دوليا وعربيا بعد أن انحسر هذا الاهتمام عقب الانتفاضة الاولى، مشيرا الى ان الاسباب التي ادت الى اندلاعها ما زالت قائمة حتى يومنا هذا بوجود الاحتلال الاسرائيلي.

وحول خيار حركته في الوقت الراهن قال ظريفة: "ان الانتفاضات المتتالية اثبت بان خيار المقاومة  في ازمة وان خيار المفاوضات وصل الى طريق مسدود، والمطلوب هو المزاوجه بينها .. مقاومة متفق على ادواتها واشكالها واساليبها من قبل كافة الفصائل، ومفاوضات مستنده على اجماع وطني قائمة على رعاية دولية".

وتابع : "المطلوب الان العمل على تجسيد حالة اللحمة واعادة الوحدة الوطنية والتفكير سويا للعمل على دحر الاحتلال".

أما القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عمر الغول فيرى ان السبب الرئيسي لتوقف الانتفاضة الثانية هي تسخيرها من قبل السلطة الفلسطينية لرسم سياسات جديدة للعودة الى طريق المفاوضات متهما  السلطة بعدم المحافظة على الحالة الشعبية التي كانت سائدة في حينها كوسيلة  لتحرير فلسطين.

واعتبر  ان انتفاضة الاقصى هي محطة من محطات النضال الوطني وانها رسالة واضحة من قبل الشعب للقيادة الفلسطينية بان الاتفاقيات التي وقعت عقب الانتفاضة الاولى لم تؤتي ثمارها وان الشعب قادر على اعادة دوره في الصراع مع اسرائيل.

وطالب الغول القيادة الفلسطينية بمراجعة العلاقة مع الاحتلال، والتحلل من كل قيود الاتفاقيات التي وُقعت والعمال الجاد على  اعتماد استراتيجية وطنية تعتمد المواجهة الشاملة مع الاحتلال بكل مكوناته.

الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب لفت  الى ان اهم ما يميز تلك الانتفاضة هو تصاعد الاعمال العسكرية لدى المقاومة الفلسطينية حينها والتي اعادت نمط المقاومة للفلسطينيين بعد ان تنكر الاحتلال الاسرائيلي من كل الاتفاقيات التي اسقط من خلالها الحلم الفلسطيني باقامة دولته المستقلة، مشيرا ان عدم فحص اشكال النضال في حينها بالشكل الصحيح  يعتبر من احد الاسباب التي ادت على عدم صمودها.

وتابع حرب " ان الانتفاضة اثبتت بان خيار المقاومة لم يسقط ولكن على الشعب ان يختار الادوات التي تساعده للصمود في هذه الانتفاضة وحشد الدعم الشعبي لها".

وحول الاثار التي خلفتها الانتفاضة قال حرب: ان اجتياحات المدن وما خلفه الاحتلال من خراب ودمار في حينها ادى الي انهيار مؤسسات السلطة الفلسطينية وما تبعها فيما بعد من تداخلات دولية لاعادة البنية المؤسسية .

وحول مدى التقارب بين الهبة الشعبية الاخيرة  وما كانت عليه الامور في الانتفاضة الثانية، اوضح حرب بان هناك اختلاف جوهري بين الحالتين حيث ان الاخيرة كانت عبر قيادة ميدانية منظمة وبرنامج مقاومة موحدة واما الهبة هي عبارة عن اعمال فردية لا اطار قيادي لها.

الذكريات هي الشيء الوحيد الذي مكن الفلسطينيين من أن يتغلبوا على الواقع الذي تثبته إسرائيل بشكل يومي، فهم يؤكدون لأنفسهم بها أنهم لم يكونوا مجرد عابرين في هذه الأرض..فها هي اتفاضة الأقصى تطوي عاما آخر في ذكراها فيما تبقى ذاكرتها تزخر بالمئات من الصور التي تشبه مشاهد إعدام حية لطفل في حضن أبيه وحلم يختلط بالخوف في عينيه.