الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:32 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:21 PM
العشاء 8:42 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

ليلة عارية

 

رام الله- رايــة:

فارس كعابنة-

ظن المواطن الغوري محمود ايوب "ابو رسمي" من خربة الحمّة في الاغوار الشمالية، انه في مأمن من هجمة اسرائيلية ثالثة تهدم بيته وبيوت ابناءه المتزوجين الاربعة، بعدما أمن لأمر احترازي من محاكم الاحتلال يطيل موعد هذه الهجمة، لكن وفي صباح يوم قريب شهد على أعظم صدمة في حياته...  وتم هدم منزله وتشريده، يقول وهو يستصعب إخراج الكلمات من فمه.

كان ابو رسمي في مدينة جنين، لغرض اجراء عملية لإبنه المريض والمعاق جسديا، عندما جاءه اتصال هاتفي في صباح ذلك اليوم يخبره: "الجرافات الاسرائيلية هدمت كل شيء.. بيوتك وحظائرك..لم تترك شيئا"، يقول ابو رسمي بوجه غلبه السواد من حر الشمس، وهو يتخطى عوارض حديد كانت تثبت البيوت قبل ان تحني الجرافات رؤوسها ارضا بين اكوام صفيح مختلط بتراب كومته فوق اثاث البيوت من صحون وكراسي وفراش.

بيت العائلة الكبير يأوي 15 فردا، وبيتان اخران لإثنين من ابناءه بأربعة افراد لكل منهما، و3 حظائر اغنام، كلها كانت تشعر ابو رسمي بسعادة من حياة مستقرة صباح امس لكن سعادة الغوريين على حالة تأهب دائم، فعندما عاد والغى عملية ابنه في المشفى مسرعا الى البيوت على وقع الاتصال الصادم، وجدها مدمرة تماما، "حتى الطابون دفنته الجرافات باكوام السماد الذي كان يستخدم لاشعاله"، يقول.

الاجواء حارة جدا في اخفض بقاع العالم ولا مأوى لـ21 فردا سوى خيمة صغيرة استصلحت من الصفيح المهدم، لكن الذي بدا لنا ان ابو رسمي اصيب ببرودة غيبته عن الشعور بحر الشمس وكل ما يحدث حوله فكان يشير بيده ويمشي بخطوات سريعة ويشد غطاءا كان قد احضره سابقا لاحدى خيامه، "انظر.. وصل فيهم الغل الى تمزيق هذه الغطاء بالسكاكين حتى لا نبني خيمة جديدة".

ثم يزرع كوع ذراعه على طرف جراره الزراعي نافثا الدخان من سيجارته بهدوء: صحونا امس ببال هادئ.. وصلت جنين وعدت على هذا المشهد"، ويشير بيده نحو تلفاز على الارض خلفه الهدم واغراض اخرى عارية تحت اشعة الشمس، ثم يضيف: نمنا في العراء والابناء ناموا بالقرب من حظيرة الاغنام على الارض اما الاطفال فأرسلتهم الى جنين عند اقاربي لحين معرفة ماذا سيحدث. ويكمل سرد مأساته: صحونا من النوم صباح هذه اليوم بهم وغم لا يوصف.

ظن ابو رسمي انه في مأمن لكن بالغ كثيرا في أرض الاغوار الشمالية التي يعيش ابنائها على خيبات سنوية من جراء عمليات الهدم التي لم تترك تجمعا الا ودمرت بيوته.

يقول: هذه المرة الثالثة التي يهدموا بيوتي دون انذار.. هدموها في 2011 ثم في 2013 وبعدها كلفت محام لتحصيل احترازي يمنع الهدم الثالث واخبرني انه بالفعل حصل على المنع لكن فوجئنا امس وعشت اكبر صدمة".

وتتذرع اسرائيل بان المنطقة عسكرية وتأخذ هذه الذريعة لتدمير حياة المجتمعات الفلسطينية التي تقطن منذ سنين طويلة حتى طالت عمليات الهدم 600 منشأة سكنية وزراعية منذ بداية العام 2016 في كافة مناطق الاغوار الشمالية والجنوبية والوسطى بحسب المختص بشؤون الاغوار عارف دراغمة.

حاولنا ان نصل للأم لكن زوجها ابو رسمي، طلب منا اعفائها من أي حديث "لأنها منهارة تماما بعد الهدم وكانت تعاني من ارهاق ومرض قبل ذلك".

كانت أم رسمي ترقب الجرافات وهي تدوس اغراضها وخيمتها بحسب ابنها الشاهد على الحدث هناك، في وقت متقارب من مشهد اخر كانت ام الشهيد الاسير ياسر حمدوني تحمل جثمانه على كتفيها وتجوب فيه شوارع بلدة يعبد بجنين التي عاد اليها الشهيد في كفن من غياب 13 عاما في سجون الاحتلال.

وتصادف هذان المشهدان في ساعات متقاربة أمس، وقبل يوم واحد من ذكرى 16 عاما على انتفاضة هدأ فيها طرف واستكان لاستفراد الطرف الاخر كما بدا لنا من استكانة خمسين عاما من سنوات عمر "ام رسمي" التي لاحت لنا من بعيد داخل البيت المستصلح ممددة على فراشها.

Loading...