الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:33 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:20 PM
العشاء 8:41 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

شباب على عكاز.. ضحايا سياسة تحطيم العظام في الضفة

 

رام الله- رايــة: 

فارس كعابنة- 

كان الشاب نضال عبيد في مرحلة الدراسة في جامعة القدس المفتوحة بتخصص الخدمة الاجتماعية عندما أصابه جندي إسرائيلي برصاصة في ركبته، ومثله مؤيد الذي كان يدرس تخصص إدارة فنادق في جامعة بيت لحم، والإثنان من بين مئات الشبان الذين قتلت الرصاصة أحلامهم وأقعدتهم على عكاز طريحي اليأس.

الرصاصة التي أصابت مؤيد ونضال في غير مقتل، أبقتهم على قيد الحياة، لكنها لم تبقهم على قيد أمل التخرج والعمل في المهن التي يحلمان بها، فصار للحياة طعم اخر، يتذوقان مرارته في مرحلة عمرية مبكرة بعد على اليأس.

وداخل مخيم الدهيشة الذي ينحدران منه وسط مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية، يشترك عشرات الشبان مع نضال ومؤيد في ذات الإصابة وذات الوجع.

اعتاد هؤلاء الشبان خلال السنتين الأخيرتين على اقتحامات جيش الإحتلال لمخيمهم ووجدوا انفسهم بعد الإصابة على واقع لم يعتادوه، ومن هنا بدأ البحث وراء سر الركبة اليسرى والرصاصة التي خسر بسببها الشابان مؤيد ونضال وكثيرون غيرهم اشياء كثيرة في الحياة. وبدا فيما بعد انها خرجت لا لتقتل انما لتكسر إلى الأبد.

منهم من خسر قدرته على الوقوف، ومنهم أطفال غيبوا عن مدارسهم، وطلبة جامعات أطفأت الرصاصة حلمهم قبل أن يكتمل، والقصص كثيرة من بين قرابة 1600 فلسطيني، نسبة كبيرة منهم من الاطفال، اصيبوا خلال المواجهة بين الرصاص والحجارة في الهبة الشعبية الاخيرة التي انطلقت مطلع اكتوبر 2015.

كان منتصف النهار هو الوقت الانسب لمقابلة بعض الشبان المصابين لإنهم لا يستيقذون باكرا بسبب اوجاع تصيبهم في الليل وتحرمهم من النوم، "قبل مرافقتكم شربت حبتي دواء..لا استطيع تحمل المشي الكثير والوقوف"، يقول المصاب نضال عبيد صاحب الجسد النحيل والابتسامة الباهتة التي تبدو على وجهه كلما تحدث.

وبجولة داخل المخيم نحو منزل احد المصابين اشار المصاب نضال عبيد بيده من داخل السيارة الى شاب يمشي متكئا على عكاز مررنا عنه بالصدفة في طريق ضيق في الزقاق: "انظر.. هذا احد المصابين".

في المخيم يرفض المصابون الظهور بمقابلات تلفزيونية خوفا من اكتشافهم من قبل مخابرات الاحتلال وبالتالي يصبحوا هدفا للاعتقال، لكن نضال عبيد يعرج بساق واحدة متكئا على عكازه، اخذ على عاتقه مهمة كشف ما يجري بالمخيم، يتحدث بابتسامة: "لم يتبق شيء أخسره، بعد هذه الاعاقة في ساقي، ماذا سيفعلون اكثر".

خسر عبيد الكثير بفعل الرصاصة التي صوبها جندي نحو ركبته في مواجهة بين الحجارة والرصاص خلال اقتحام للمخيم قبل حوالي عامين، وبدلا من اكمال دارسة تخصص "خدمة اجتماعية" اصبح يحتاج لمن يخدمه.

"كنت أتمنى إكمال الدراسة ثم التخرج لكنني الان غير قادر على ذلك... أشعر بألم شديد عند الوقوف ولو لوقت قصير"، يقول عبيد وكان قد طلب الجلوس في مقعد السيارة الأمامي ليبقي فسحة لمد ساقه المصابة قليلا.

وفي منزل احد المصابين في المخيم، جلس عبيد مع والد الطفل رمزي ناصر 14 عاما، يقول عبيد لوالد الطفل في الفناء الخارجي للبيت: بعد الاصابة اقضي معظم وقتي في المنزل والواحد منا اصبح يشعر احيانا انه عالة.. حتى دخانه لا يستطيع توفير ثمنه".

وبينما كنا ننتظر خروج رمزي من غرفته عند الساعة الثانية عشرة ظهر، قالت جدته: "هو الان نائم.. في الليل لا ينام.. يصرخ من وجع ركبتيه وانا اشعر بالوجع مثله وأكثر".

اصاب جندي اسرائيلي رمزي برصاصتين في ركبتيه ثم اعتقلته قوة اسرائيلية ومكث في السجن عشرين يوما قبل الإفراج عنه مع حبس منزلي. في المخيم يقولون ان رمزي كان اصغر مطارد للاحتلال.

قد يكون رمزي بطلا في مدرسته، لكنه يتمنى الان ان يمشي على قدمين بثبات، "لا احد يتوجع مثلي ويصف وجعه" قال بينما يعبث بعصي عكازيه جالسا على كرسي.

خلال السنتين الاخيرتين وجد شبان المخيم انفسهم امام اسلوب جديد من المواجهة مع رصاص الجنود، تعمد الاحتلال خلاله اصابة الشبان في منطقة الركبة.

وكما بدا لنا فإن الأسلوب هذا نجح الى حد بعيد في تحطيم ركب 200 شاب وفق احصاءات المخيم، معظمهم اصيب باعاقة مستديمة. حطموا من الرصاصة في بادئ الامر ثم حطمت حياتهم اليومية في مرحلة ما بعد الرصاصة.

كان مؤيد يعمل "شيف" في مطعم بالمدينة جنبا الى جنب مع دراسته بتخصص ادارة فنادق في جامعة بيت لحم، والان يجلس على سريره مرتديا "شورت" وفي باطن ركبته علامة كخيط اسود ومن الامام نقطة سوداء، "توقفت عن الدراسة .. ولا اعتقد انني سأكمل"، ولم يبد رغبة في الحديث اكثر.

اصيب مؤيد وهو في السنة الدراسية الاولى في جامعته بعمر 19 عاما، وكان يخطط للعمل في احد فنادق المدينة بعد التخرج، "حياتي انقلبت تسعين درجة.. اريد ان امشي فقط".

هنا في المخيم، اليأس يخيم ويبني عشه في وكر احلام كانت سعيدة وصارت تعيسة لحد بعيد.

وبينما كان يضع كوع ذراعه على سريره ويمد ارجله على السرير، حدثنا شقيقه في الغرفة المجاورة: مؤيد يعيش الان على ترقب، هل اعود للمشي ام لا، هل يعود العصب ام لا .. نحاول ان نطمأنه قدر الامكان.. ولا نريد ان يدخل حالة يأس".

من وسط بيت لحم الى شمال رام الله يقضي عدد من الشبان في مخيم الجلزون للاجئين الفلسطينيين ايامهم وساعات وقتهم في البيت بعد اصابتهم بإعاقات جراء تلقيهم الرصاص في الركبة او الفخذ بمواجهات مع جنود الاحتلال.

في الطريق الى منزل الطفل عطا شراكة مررنا بزقاق كثيرة داخل المخيم، واضطررنا للتوقف اكثر من مرة ريثما يفسح لنا الاطفال العائدون من مدرسة المخيم المجال للمرور عبر طرق الزقاق الضيقة.

وصلنا الى غرفة الطفل عطا "15 عاما من العمر"، وقبل الدخول صادفنا طفل صعد الدرج أمامنا نحو غرفة محمد، اوصلنا وغادر لإكمال لعبه مع أطفال الحارة.

داخل غرفة محمد نسمع أصوات الاطفال في الشارع الذي يقع تماما تحت شرفة الغرفة، لم تعن لنا اصواتهم شيئا لكنها بالنسبة لمحمد تعني الكثير. كان قبل سنتين يلعب بينهم لكن رصاصة جندي اسرائيلي زرعت نيرانها في بطنه وحصدت شقاء طفولته الى الأبد.

"كنت العب مع صديقي بالشنتة ووقعت من يدي خلف سُوَر المدرسة"، يقول عطا في وقت كانت المواجهات مع شبان المخيم تدور كلها قرب المدرسة التي تقع على جانب الطريق الرئيسي المحاذي للمخيم.

عند ذهابه لاحضار حقيبته اصيب برصاصة في بطنه واقعد بعدها عن المشي.

"أكثر شيء افتقدته هو لعب كرة القدم مع اصدقائي.. واكثر ما تألمت منه هو عدم قدرتي على صعود الدرج"، يقول الطفل عطا الذي رفض الذهاب الى المدرسة في بدايات جلوسه على كرسي متحرك.

تقول وزارة الصحة الفلسطينية ان ما يقارب 1600 فلسطيني اصيبوا بالرصاص الحي من بداية الهبة الشعبية مطلع اكتوبر 2015 حتى شهر ايلول 2016، اغلبهم في الاطراف السفلى وبينهم 422 طفلا.

ومن بين هذا العدد من المصابين تشير الوزارة الى ان عددا كبيرا منهم اصيب بإعاقة مستديمة واغلبهم تلقوا الرصاص في الاطراف السفلى خاصة موضع الركبة.

لكن مخيم الدهيشة كان احد الميادين التي شهدت بشكل بارز على هذه النوع من الاصابات.

وفي اول زيارة لوفد من الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين "الاونروا" للمخيم قال مسؤول فيها مفضلا عدم ذكر اسمه لإن الوكالة تفرض على موظفيها عدم الحديث في مواضيع كهذه، إن استهداف الركب اليسرى لشبان المخيم من قبل جنود الاحتلال في كل اقتحام امر ملفت لإن غالب الاصابات في الركبة وتحديدا اليسرى، كما يوضح هذا المسؤول.

وأضاف المسؤول: في اخر 3 مرات دخل فيها الجيش اصيب 20 شابا كلهم في ذات الموضع.

وشكلت الوكالة "فريق حماية" للتعامل مع هكذا اصابات التي قال الاطباء والاخصائيين ان علاجها يكلف المجتمع مبالغ طائلة وجهد مضاعف، لإن الرصاصة من نوع متفجر وتحدث تمزق تحت الجلد وتدمر الاعصاب.

في اول اجتماع للفريق، سجل 38 مصابا على استمارات للمشاركة لكن 28 فقط حضروا بينهم 3 اطفال فيما اعتقل الاحتلال الـ10 المتبقين من المصابين في الفترة ما بين تعبئة الاستمارات وعقد الاجتماع.

يقول المسؤول بالاونروا: حالة المصابين من الشبان وموضع الاصابة لفتت انتباه جميع الفريق الطبي المشرف عليهم.

حديثا شكلت الاونروا فريق الحماية، لكن نضال عبيد يعرف كل التفاصيل عن رفاقه المحطمة ركبهم، يقول إن 80 شابا اصيبوا في ركبهم في الفترة ما بين شهري حزيران وتشرين اول 2016. بعض الاصابات كانت في الفخذ لكن الغالبية في الركبة.

من هم المعوقون؟، لا احد يدري، فظهور الاسم يعني ملاحقة الاحتلال والاعتقال. وكان مؤيد ونضال اسمين مختلفين من مخيم الدهيشة من بين اسماء كثيرة اختارت ان تتذوق حرقة الرصاص بعيدا عن الانظار وبصمت.

Loading...