الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:38 AM
الظهر 12:38 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:17 PM
العشاء 8:37 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

العودة من المانيا بحثا عن الهوية الفلسطينية

 

رام الله- رايــة: 

فارس كعابنة-

بالصدفة كان لنا موعد مع مشهد حي ومباشر لزوال إرث فلسطيني وتاريخ عمارة عمره لا يقل عن مئة عام، وفي غمرة حديثه عن هذا الإرث متنقلا داخل ازقة قريته، واجه عبد الرحمن عثمان شابا يجر عربة صغيرة عائدا بها من جانب كومة حجارة افرغها في الطريق، لسحب ما تبقى من حجارة بيت كان في زمن مضى غرفة للثائرين الفلسطينيين ضد الانتداب البريطاني، يرقبون من نافذته الاليات العسكرية المارة عبر الطريق الذي يربط الساحل الفلسطيني بمدن الضفة مرورا ببلدة عنبتا المجاورة لقرية كفر رمان. 

تبعه عثمان الى البيت وشهد الشيء الذي يخاف دوما رؤيته، كان البيت قد هدم منذ قليل وغرفة الباحثين عن انتصار ضد جبروت بريطانيا تشهد الان على هزيمة عثمان في معركته التي تعيده من رغد العيش في المانيا الى بؤس قريته كفر رمان شرق مدينة طولكرم.

بالنسبة لصاحب البيت حاملا فأس وسط اكوام الحجارة العتيقة المتبقية كان الانتهاء من الهدم لحظة ينتظرها ليستريح، لكن عثمان متعب منذ زمن بحجارة بيوت قريته القديمة، "هذا غير معقول .. خسارة كبيرة" قال لصاحب البيت بين اكوام الحجارة.

دفع عثمان كثيرا في سبيل ابقاء بيوت قريته القديمة ونجح في رحلة حلمه هذا رغم المشهد الذي صادفه. كان قد تدخل لمنع هدمها بعدما قرر من المانيا التي يعمل فيها محررا في القسم العربي لمحطة دويتشه فيلة، شراء البيوت التي عرضت للبيع بهدف هدمها وبناء عمارات سكنية حديثة مكانها. وخلف هذا القرار ثمة قصة المانية يبحث عثمان عن اسقاطها على قريته.

فهو لا يبحث عن السكن في البيوت او تأجيرها او حتى تلقي شيكلا واحدا من ورائها.

وخلال 3 سنوات صرف من راتبه الشهري في المانيا مبالغ تقارب 70 الف يورو لترميم البيوت، وعينه نحو ما هو ابعد لترميم ما خلفته حالة القصور الفلسطينية امام هدم تاريخ قراها.

في المانيا، اطلع عثمان على قصة الاديب الالماني الشهير الحاصل على جائزة نوبل بالآداب هاينريش بول اذ تبرع اولاده ببيته بعد وفاته لمؤسسة تابعة لحزب الخضر، وعملت المؤسسة على استضافة ادباء من دول العالم لمدة 3 شهور في البيت للاستفادة من الهدوء والخلوة الجيدة للكتابة. "أعجبتني الفكرة وحلمي ان انهي ترميم هذه البيوت على اكمل وجه لاستدعاء الادباء والكتاب الفلسطينيين ليكتبوا في هذا الهدوء، ويختلطوا بأبناء القرية".

يطمح عثمان لشباب مثقف وقارئ في قريته. "ليس كتاب فقط.. اطمح لجلب الرسامين والمبدعين للاقامة في هذه البيوت مجانا دون أي تكلفة، لقاء تخصيص نصف يوم في الاسبوع للاختلاط باطفال وابناء القرية من اجل توسيع افقهم في الحياة".

"هنا ولدتني امي"، يشير الى سقيفة بيت قديم ثم يكمل مسيره ويقف على نافذة مطلة على قرية بزاريا "ومن هنا كانوا يراقبون خط سكة حديد الحجاز، اتخيلهم الان جالسين في اربعينات القرن الماضي على سطح هذا البيت ويراقبون القطار".

يبدو مولعا بكل ما هو قديم، لكن هاجس عدم اكمال الترميم يرافقه، "مكلف جدا..آمل لو اجد دعما لإكماله.. انهيت 90% من الترميم وآمل اتمامه".

عثمان الذي لا يحمل هوية فلسطينية في محفظته، ويعيش في المانيا منذ 34 عاما حاملا جنسيتها، يشغل تفكيره داخل بيته الفلسطيني الذي يقطنه هو وقطتين كلما عاد للوطن في زيارة سنوية، الحصول على هوية اخرى ثابتة لا تتزحزح، سيما ويشهد على هدم كثير من البيوت القديمة في المدن والقرى واستبدالها ببنايات من الباطون كما يصف.

وفي مسقط رأسه في قرية كفر رمان التي يبلغ عدد سكانها الف مواطن، ثمة بنايات جديدة احتلت مكان المبنى القديم، ويبحث عثمان الان عن صناعة نموذج لوضع حد للكفر بالارث القديم من قبل اصحابه في شتى قرى فلسطين.

اشياء كثيرة فعلها في سبيل تأصيل قريته بأهلها، "زرعت هذه الشجرات واسميت كل واحدة باسماء ابناء اخوتي واخواتي.. ها هي الاشجار كبرت، ويقولون لي دوما: انت ربطتنا بهذا المكان واشعرتنا انه جزء منا" فيما عدل كثير من اهل القرية عن بيع بيوته القديمة وندم اخرون على فعل ذلك، بعدما شاهدوا الترميم الذي تم للبيوت التي اشتراها.

غالبنا يحمل الهوية الخضراء في جيبه، وفي فلسفة اللغة تُعرّفُ الهوية بمعنى "التفرّد"، أي التفرد بالشيء. وهذا الشيء تفّرد به عثمان في قريته كفر رمان كما يبدو، فيما يفقده كثيرون كل يوم.

Loading...