صانع تُحف.. اكتشف نفسه بعد عُمر الـ50
رام الله – رايـة:
مجدولين زكارنة –
كم يلزمنا من السنوات كي نكتشف بها أنفسنا ونصل الى عمق قدراتنا التي تحتاج عصا سحريا من الحظ والخيال لنصل اليها، فبعد خمسة وخمسين عاما ظل فيها محمد الاشقر موظفا حكوميا يعمل كمهندس زراعي في وزارة الزراعة تحول به القدر صدفة الى حرفي تحف خشبية.
وعلى الرغم من ان رائحة الخشب في أنف الاشقر تشبه إلتصاق الثوب بالجسد الا انه لم يكتشف موهبته الا عندما عرض عليه نجله مقطعا يبث عبر يوتيوب لرجل يحول قطعة الخشب الى طبق جميل.
يقول محمد الاشقر: "نمت الفكرة في عقلي عندما رأيت مقطع عبر اليوتيوب لنحات يصنع صحنا خشبيا".
القرار بالبدء مهم يكمل الاشقر حديثه "قمت مباشرة بعمل مخرطة يدوية من الخشب لبدء انجاز اول قطعة الا أن المخرطة الخشبية كانت غير مستقرة فبدأت بصنع مخرطة حديدية وبأدوات موجودة في بيتي ومن مولدات قديمة لغسالات وثلاجات قمت باعادة استخدامها وتصليحها لأنتج هذه المخرطة".
في بلدة فرخة قضاء سلفيت في مخرن شهد الكثير من الاستخدامات توجد مخرطة ابو نضال الذي ادهشنا بقدراته الابتكارية وخياله الواسع الذي اعاد استخدام ادوات آلَ بها اصحابها في مرمى النفايات.
خطوات صناعة التحف الخشبية تبدا من الدماغ يرسم الأشقر صورة التحفة في مخيلته ثم ينفذها بالقلم على الخشب قبل ان تبدا يداه بالعمل المعشق بالحب على مخرطة حديدية صنعتها انامله.
وان دخلت مخرطة الأشقر فسترى فيها كل ما يثير دهشتك ويفتح شهيتك للإنتاج أصوات الماكنات تعم المكان وكفّي الأشقر اللتان يحتضنان خشب الزيتون المقرب الى قلبة يتحركان بسلاسة لن تصدق انها بدأت قبل اشهر، ستلاحظ أناملة تتنقل بين اطراف قطعة الخشب لتحتمي من حدة الماكينة.
150 تحفة فنية احيطَت بتشجيع العائلة ودعم الاصدقاء كانت نتاج عمل سبعة شهور جعلت من ابو نضال الأشقر فنانا بخبرة فنانين كبار.
ويرى الأشقر الذي شغل مناصب عدة خلال عملة في وزارة الزراعة برام الله على مدى 20 عام أن العلم قاعدة اساسية للفن اذ انه يعود الدماغ على سعة الافق والابتكار والتخيل وهناك فرق بين الفنان العالم وآخر لم يتعلم.
كان للانتاج طعم مختلف يقول أبو نضال:" شعرت بالفخر عندما قمت بإبتكار ادوات من أغراض يرميها البعض في القمامه كل ما يحتاجه المرأ ليصبح منتجا هو الارادة والخيال".
اما خشب شجر الزيتون فهو أحب انواع الخشب الى قلب الأشقر ويرى انه الى جانب استخدامها بتزيين البيوت والرفوف الا انها طريقة للحفاظ على التراث الفلسطيني وتقديرا للشجرة المباركة التي تعطينا خيرات عديدة.
في الأشهر الاولى كانت تستغرق القطعة الصغيرة ساعات من العمل بحسب طبيعة الخشب اما الان فنصف ساعة كافية لإنجازها كما يقول الاشقر.
وعلى الرغم من ان هذه الحرفة "ما بتجيب همها" ماديا الا ان ابو نضال يطمح لأن تصل منتوجاته الى جميع الفلسطينيين ولكن حلمه الاكبر يكمن في ان يصنع تحف تعود لثقافات عالمية.
ما يقف الآن في طريق الأشقر ضعف التسويق اذ انه يعتمد فقط على صفحة انشأها عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ليبيع منتوجاته بعنوان:
"Handicraft اشغال خشبية يدوية - محمد الأشقر "
تلقى الأشقر وعودا من مديرية ثقافة سلفيت بإقامة معارض خاصة له وتلقى وعودا اخرى من زبائن يقطنون اراضي 48 بشراء كافة تحفه التي صنعها ولكن هذه الوعود لازالت قيد الإنتظار.
"ان تصل متاخرا خيرا من ان لا تصل أبدا " هذه المقولة تلائم حالة الاشقر الذي توقع ان يصبح خبيرا فنيا في الحرف المهنية لو ان الزمن تحالف معه واكتشف موهبته منذ مرحلة الشباب ولكنه يرى ان ضعف التعليم المهني في المدارس الفلسطينية سببا لتأخره في إكتشاف موهبته، كما العديد من الشباب الفلسطيني.
ولا يجد الأشقر ضيرا في ان يتطوع في تعليم حرفته للطلاب لسد ثغرة التعليم المهني ويقول: "طلب مني أحد المعلمين في مركز مهني تعليم الطلاب الحرفة وانا لا ارى ضيرا في التطوع لاجل وضع اقدام الطلبة على اول الطريق".
في غرفة صغيرة مجاورة للورشة يعرض الاشقر تحفه الفنية من صحون ومزهريات، دلات قهوة وورود خشبية.
يصنع الأشقر التحف من خشب شجر الزيتون والبلوط واللوز والسنديان المهملة ويبقيها بلونها الطبيعي الخلاب ومن التحف التي تفوح منها رائحة الارض نتذكر سواعد الفلاحين التي غُرست بالتراب لتثمر الارض بالشجر الذي يطرح الخشب لتحوله ايدي الاشقر الى أروع التحف.
