الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:32 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:21 PM
العشاء 8:42 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

كوارع الخليل..عندما يصبح التراث روتيناً صباحياً

الخليل- رايــة:

طه أبو حسين-

أن تسير وسط المدينة المضيافة، الخليل، لا بدّ لك أن تتنفس الروائح الزكية والشهية بين أزقتها، كونها تتميّز (بالنفس الطيّب)، أما أن تسير في ذات المدينة ساعة الصباح الباكر، فالرائحة الشهية بالتأكيد ستشدّك إليها، وتجتذبك جذباُ كما لو كانت مغناطيساً، فتلك عربة عادل، ذات التصميم البسيط، بعجلات ثلاث، غاز صغير، قدر متوسط مع ملاعق تتناسب وحجم القدر الذي يحتوي على الوجبة الأكثر دسماً و(مخمخة) كما يقال في اللهجة الخليلية.

قبل سرد القصة، توقف قليلاً، وتأمل جيداً ما قاله زكي نمورة من دورا مدير إحدى المدارس بينما كان خارجاً في مهمة عمل "بالصدفة رأيت اللمة حول العربة، فرغبت بتناول ساندويتش، وهذه أول مرة بحياتي، فأنا مدير مدرسة ووقتي لا يسمح لي الخروج صباحا، غير أن منظرها ونكهتها دفعني للتجربة".

في العودة للقصة، يومياً ومنذ سنين طويلة يدفع عادل شاهين عربته ليركنها قارعة الطريق في مركز المدينة، تلك العربة التي ما إن تقف سرعان ما يلتفّها المواطنين، لا لشيء، فقط طلباً لما في قدرها الذي يحتوي على "الكبدة، الفشة، الكلاوي، المخ، الطحال" مع قليل الإضافات من الملح والبهارات التي تزيدها لذة، والتي يطهوها في منزله قبيل خروجه لبيعها.

كثيرون هم، من يمسحون النعاس عن وجوههم على عجل، حتى لا يفوتهم قطار تناول وجبة الفطور الدسمة من عربة عادل التي يلتفّها المواطنين كما لو كانوا طيراً ولا ينفكون عنها إلا بخواء القدر من كنزه الذي يجتذب الراغبين بالتلذذ عليه.

 

غسان الجعبري كان غاضباً، فقد سرقه النوم، وحاول اللحاق بعادل قبل نفاذ وجبته المفضلة، غير أنه لم يحظى إلا بالفتات " أنا أحب المجيء صباحا لكن اليوم تأخرت وتنكدت، لأني لم أجد شيء، أحب الفشة والكبدة، يومياً أحضر منذ الصباح الباكر لأتناولها"، ثم تابع ضاحكاً بعدما تبدد الغضب عنه " يا أخي هذه الوجبة أمي الثانية".

عادل شاهين "36 عاما" له أربع بنات، مصدر دخله وأسرته يعتمد على هذه المهنة التي تعلمها على يديّ والده منذ كان عمره سبع سنوات بينما كان يرافقه، " هذه شغلتنا منذ ما يزيد عن 80 سنة، منذ أيام جدي، فأنا تعلمتها من أبي، وأبي تعلمها من جدي، فهي وراثة، ونحن نحافظ عليها كونها مصدر رزقنا".

محبة أهل الخليل للأكل، ربما هي واعز وراء نجاح عادل كما يفسرها إلى جانب أسباب ليست أقل أهمية "هذه الأكلة شعبية وأسعارها شعبية أيضا بواقع سبعة شواقل للصحن الواحد، وهذا ربما السر في إقبال الناس، بدلا من دفع خمسين شيقل بالمطعم"

وجبة غذائية كاملة الدسم، لا يقبل عليها إلا أصحاب القلوب القوية ساعة الصباح، يقول عادل "الناس تحب الإقبال عليها صباحا، فقط أعمل ساعتين أو ما يزيد قليلاً، فعلى العربة نكهتها ولذتها أطيب، الأهم "النفس"، كما أحافظ على النظافة والبهارات، فأنا لدي زبوني، يأتي للفطور عندي ثم يذهب لعمله، وعند الساعة العاشرة أعود لمنزلي.

أبو حبيب كان منهمكا في تناول وجبة فطوره، حتى أنه لم يجد وقتاً للحديث معنا لا سيّما أنه منذ شهرين لم يتناول هذه الوجبة، "أحب تناولها الساعة السابعة حتى الثامنة في الشارع، تجد بذلك متعة ونكهة مميزة لأنك تأخذ من (الطنجرة) مباشرة، والجميل أنك تأكل وأنت تشاهد الناس تمشي".

الروائح الشهية كانت تضج حول عربة عادل، وجميع من حولها منهمكون في تناول فطورهم، وفخري النتشة أحدهم " كل أسبوع أحضر مرة أو مرتين لآكل فشش وكلاوي وكل شيء، لكني أفضل الطحال أكثر، فأنا أمخمخ عليها".

الساعة العاشرة صباحاً، يصبح قدر عادل خاوياً، غير أن المحيطين به يبدؤون بالتذمر_تذمر الحبيب من حبيبه_ بينما يطالبونه بمضاعفة الكمية حتى يتبعون الصحن بآخر أو أكثر.

Loading...