الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:09 AM
الظهر 12:44 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:02 PM
العشاء 8:19 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

مشروع قانون الدولة القومية

الكاتب: بروفيسور سعيد زيداني

خمس رسائل لخمسة أطراف مختلفة يبثها مشروع قانون الدولة القومية، والذي أقرته الكنيست بالقراءة التمهيدية. وسواء أقرّ مشروع القانون نهائيًا كما هو، أو بتعديلات طفيفة أو غير طفيفة، فإن الرسائل التي تمّ بثها واضحة في مآربها، الكامنة أو الصريحة. أمّا الرسائل الخمس فهي التالية:

1) الرسالة الأولى موجهة للاجئين الفلسطينيين داخل حدود فلسطين التاريخية وخارجها، ومفادها التالي: عودتكم بأعداد كبيرة ونسب عالية إلى قراكم ومدنكم داخل حدود دولة إسرائيل، دولة الشعب اليهودي، غير واردة. إذ لا معنى لدولة قومية لليهود إذا كان الفلسطينيون فيها مواطنين بأعداد كبيرة ونسب عالية، تفوق بكثير الأعداد والنسب الحالية. بكلمات أخرى، يجب أن يظل اليهود أغلبية ساحقة من مواطني الدولة، وللمدى البعيد، لكي تبقى إسرائيل دولتهم القومية. هذه الرسالة للاجئين الفلسطينيين، الذين لا زالوا يحلمون بممارسة حق العودة، أو يصرون على ذلك، ساطعة وقاطعة ومباشرة.

2) الرسالة الثانية موجهة للفلسطينيين داخل حدود دولة إسرائيل، ومفادها التالي: ليس لكم حقوق جماعية في إطار دولة إسرائيل، الدولة القومية لليهود، إذ أن حقوقكم فيها تقتصر على الحقوق الفردية، المدنية منها والسياسية. أنتم مواطنون أفراد وجماعات دينية ليس أكثر. أنتم لستم، كما تزعمون، أقلية قومية لها حقوق جماعية، ثقافية وغير ثقافية.  فحق تقرير المصير حكر على اليهود في الدولة، ولا ينطبق بالتالي عليكم، ولستم، كاليهود في إسرائيل، مواطنين أسياد.

فلا تحلموا بالانفصال عن جسد الدولة، ولا تجنحوا نحو تحويلها إلى دولة ثنائية القومية، ولا تتعللوا بأفكار حول حكم ذاتي جغرافي أو ذي معنى. كما ليس لكم أي دور في الأمور التي تخص سيادة الدولة، طابعها اليهودي، وما يشتق من ذلك على مستوى الشعار والنشيد الوطني واللغة القومية والعطل الرسمية والأمن والحدود، إلى آخره... باختصار شديد، دولة إسرائيل هي ما هي، وستبقى كما هي، دولة للشعب اليهودي في المقام الأول والأهمّ، هو صاحب البيت وهو الناهي والآمر بكل ما يخص سيادة الدولة، طابعها، أمنها، حدودها، مستقبلها ورموزها. أما المساواة للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل فتظل، كما كانت دائمًا، تحت هذا السقف، سقف السيادة ومشتقاتها.

3) الرسالة الثالثة هي لليهود خارج حدود دولة إسرائيل: ومفادها أن إسرائيل هي دولتكم القومية فحافظوا عليها وعلى يهوديتها، كما هي تحافظ عليكم وعلى يهوديتكم. هي ملجأكم وهي لكم كما هي لمواطنيها من اليهود، ولكم حق العودة إليها متى شئتم، ولا دولة قومية لكم سواها. وقانون العودة المعمول به حاليًا ومنذ العام 1950 خير دليل على هذا الالتزام بالترحاب والاحتضان والتكافل.

4) الرسالة الرابعة موجهة لأنصار أو دعاة الدولة الديمقراطية الواحدة للفلسطينيين والإسرائيليين اليهود وغيرهم، وتقول صراحة: لا مكان لدولة واحدة يتساوى فيها الفلسطينيون والإسرائيليون اليهود في حقوق المواطنة، سواء كانت ثنائية القومية أو مفدرلة أو ديمقراطية ليبرالية. فهناك علاقة تنافي متبادل بين الدولة القومية لليهود، من جهة، وبين الدولة الديمقراطية الواحدة للفلسطينيين والإسرائيليين اليهود من جهة أخرى. فإذا كانت إسرائيل الدولة القومية لليهود، فهذا يعني مباشرة أن المواطنة لفلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات يجب أن تتحقق خارج حدود دولة إسرائيل، إما من خلال دولة فلسطينية مشوهة، أو من خلال استمرار الاحتلال أو من خلال مصر والأردن وغيرهما من الدول، أو حتى من خلال نظام "يشبه عائليًا" نظام الفصل العنصري. المهم: لا مكان لدولة واحدة يتساوى فيها اليهود الإسرائيليون مع الفلسطينيين في حقوق المواطنة. دولة المواطنة المتساوية في الحقوق هي الكابوس المرعب للحركة الصهيونية، وتحديدًا لفكرة أن دولة إسرائيل هي الدولة القومية لليهود، داخل وخارج حدودها.

5) أما الرسالة الخامسة فموجهة للمحكمة العليا وأنصارها من السياسيين والمثقفين المتنورين وبعض فقهاء القانون، ومفادها التالي: ليهودية الدولة أولوية واضحة وصريحة على ديمقراطيتها. وبناء عليه، وفي حال الإقرار النهائي للقانون الأساسي حول الدولة القومية، يجب ألا يبقى هناك أي مجال للمحاولات السيزيفية للتوفيق أو الموازنة بين المركب اليهودي والمركب الديمقراطي في تعريف الدولة، إذ أن للأول حسب القانون الأساسي إذا أقرَ أولوية على الثاني. هذا يعني أن ديمقراطية إسرائيل تكون تحت سقف يهوديتها، وهي بالتالي ديمقراطية إلى الحّد الذي لا يتنافى مع يهوديتها أو ينتقص منها. هذه القوة القانونية، إذا أضيفت، تلزم قضاة المحكمة العليا كما تلزم بقية قضاة المحاكم الأدنى رتبه في الهرم القضائي.

وفي الإجمال، الرسائل من 1 – 4 أعلاه كانت معروفة ومألوفة ونافذة من خلال إعلان الاستقلال في أيار 1948، وما تبعه من قوانين وممارسات وسياسات خلال عشرات السنين التالية. أما الرسالة الخامسة التي يتضمنها مشروع قانون الدولة القومية فتوضح ما كان غامضًا، وتفسر ما كان ملتبسًا وتعري ما كان مستترا بشأن مكانة المواطن الفلسطيني داخل دولة إسرائيل: هو مواطن حقًا، ولكنه مواطن من الدرجة الثانية (الدرجة الأدنى) تمامًا مثل لغته التي ينتفي عنها طابع اللغة الرسمية، وتمامًا مثل الديمقراطية التي يتمتع بها، ديمقراطية مبتورة ومعطوبة.

ما العمل؟

غني عن القول بوجوب التصدي الجدي لمشروع القانون المذكور بهدف إجهاضه، وإحباط مسعى القائمين عليه. هذا السعي "للانتقاص الظالم، الفاضح والصريح، من مقومات المواطنة المتساوية في الحقوق يجب ألاّ يمر مّر الكرام. والنضال يجب أن يكون أهليًا وبرلمانيًا ودوليًا على السواء.

إن إقحام المجتمع الدولي في هذا الشأن يكتسب أهمية خاصة لأن القضية في عصبها تخص الدفاع عن القيم الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان الأصيلة، ومن بينها حقوق المواطنة المتساوية. وهناك من بين يهود دولة إسرائيل، ومن بين أنصار الديمقراطية في العالم الأوسع، من يمكن اعتبارهم شركاء في مثل هذا النضال.

"الرد الفلسطيني على تحدي مشروع قانون الدولة القومية، وعلى يهودية الدولة عمومًا، يجب أن يؤكد على أسبقية القضية الحقوقية والديمقراطية على القضية القومية أو الدينية"

وفي خضم النضال ضد مشروع القانون المذكور، أوليس مجديًا، إن لم يكن ضروريًا، الكشف عن عورة بقية القوانين الجائرة التي تمّ تمريرها سابقًا، والتي تنتقص من حقوق المواطنة الديمقراطية المتساوية للفلسطينيين داخل دولة إسرائيل؟ أعتقد ذلك. أما الهدف النهائي لهذا النضال فهو إعطاء المركب الديمقراطي في تعريف الدولة الأولوية القانونية، الواضحة والصريحة، على المركب اليهودي، السميك حاليًا، والذي يهدف مشروع القانون المقترح إلى تحصين سمكه.

أما الهدف النهائي المرافق والمكمل، فهو التخفيف قدر الإمكان من سمك المركب اليهودي والتعويض عما يتبقى منه بشكل أو بآخر من الحكم الذاتي للفلسطينيين داخل دولة إسرائيل (والذي يلزم في جميع الأحوال لصيانة الهوية الثقافية/ القومية المميزة). وغني عن القول في هذا الصدد أيضًا وبأن النضال من أجل المواطنة المتساوية في الحقوق هو نضال ديمقراطي بامتياز، أو هكذا يجب أن يكون وأن يفهم، ديمقراطي في المضمون وفي الخطاب وفي نبرة الخطاب على السواء. وليكن واضحًا أن مثل هذا النضال من أجل دولة جميع المواطنين المتساوين في الحقوق لا يصح أن يقوده من يعتبر المركب القومي أو الديني في هويته أو التزامه ذا أولوية على المركب الديمقراطي (الليبرالي).

وختامًا، إن الدولة القومية ذات الديمقراطية الإثنية (Ethnocracy)، كما هي إسرائيل منذ قيامها وحتى الآن، وكما يؤكد على ذلك، ويرمي إلى تحصين ذلك، مشروع قانون الدولة القومية، هي دولة الديمقراطية المبتورة من وجهة نظر غير اليهود من مواطنيها. وهي، ثانيًا، دولة لا تبشر بأكثر من الفصل الديمغرافي (وبشروط غير منصفة) كحل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي (بكل ما يعنيه ذلك أو ينتج عنه من التنكر لحقوق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة). وإذا كان الأمر كذلك، فإن الرد الفلسطيني على تحدي مشروع قانون الدولة القومية، وعلى يهودية الدولة عمومًا، يجب أن يؤكد على أسبقية القضية الحقوقية والديمقراطية على القضية القومية أو الدينية (في حال التعارض بينهما).

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...