الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:41 AM
الظهر 12:38 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:16 PM
العشاء 8:36 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

في رام الله حي فاخر إسمه الطيرة

الكاتب: خالد سليم

في رام الله حيّ فاخر اسمه الطيرة. وهناك حي فاخر آخر اسمه الماصيون.
في هذين الحيين وأشباههما، تجد محلات ملابس فارهة، ترتادها طبقة مخملية، تعرج على مقاهي الفنادق الباذخة في الذهاب والإياب، وتضع بضاعتها، إلى جانبها، في أكياس محترمة جدًّا، وتحتسي قهوة وضعت بأناقة مبالغ فيها في فنجان على صحن، حالت بينهما محرمة رقيقة مزركشة، وعليها كتابة قبيحة.

وسط البلد، تتوزع محلات ملابس تناسب كل الطبقات، كشامات توزعت بغير نظام في جيد حسناء، زادتها الشامات تنوعًا وجمالاً، ووفرت لكل عابر مشاهدة ترضيه وتقنعه.

الحكاية ليست هناك ولا هناك. الحكاية في مكان آخر.

مقابل مسجد عبد الناصر، قرب سوق الخضار، شارع رديء، كإصبع سادس في يدٍ رقيقة، كنبت شيطاني، منسيّ من كل شيء، يمر أمامه الناس على عجل، ويدخله آخرون خفية.

في هذا الشارع الصغير حكايات عجيبة.

يجلس رجال قساة الملامح، ونساء وشمن ذقونهم ويدخّنّ بشراهة، أمام بسطات لبيع ملابس وأحذية مستعملة، وأدوات خرِبة لا لزوم لها.
اذهب هناك واستمع إلى الحكايات؛ حكايات لا رواة لها، لكنك تسمعها وتراها بوضوح.

ستجد رجلاً أمامه كومة من أجهزة كانت كهربائية، خرجت من التاريخ منذ زمن. ستجد مثلاً بطارية هاتف خلوي ضخمة، لم يعد هناك هاتف يحتملها في ظهره. ستتخيل الجهاز الذي كانت تشغله. وستتخيل مكالمة عاطفية طويلة صبرت البطارية على كل حرارتها ساعتين ولم تئن. وستتخيل الفتاة وقد تذرعت بأن البطارية أوشكت على النفاد، عندما سمعت من حبيبها ما عكّر مزاجها. وربما تتخيل الشاب وقد أنهك الهاتف مكالمات كلثومية، فاحترق الهاتف، وألقى البطارية في الهواء، ليعثر عليها شخص ما، وتمسي قطعة مهملة على بسطة قذرة لا ينظر إليها أحد، رغم تاريخها المليء بقصص الحب والوله.

ستجد في الشارع سيدة سمينة جدًّا، جللها سواد شابه بياض غبار الشارع، وأمامها كومة من ملابس رثة. سيلفت نظرك قميص كان أبيض. لم يكن يصلح إلا لحفل خطوبة شاب بدا سعيدًا جدًّا في صورته به، المحفوظة في دولاب غرفة النوم، بعد أن ضاقت الجدران بصور الأبناء والبنات. ولم يعد القميص ملائمًا لرجل ثلاثيني تكرش كثيرًا، فباعه بثمن بخس.

ستجد جارة السيدة السمينة، وهي نحيفة، أمام كومة أخرى، وقد علقت على الجدار الذي تسند ظهرها إليه ثوبًا مطرزًا، كان جميلاً. ستسمع أغاني فلسطينية في عرس بمدينة البيرة، وكانت صاحبة الثوب أمَّ العريس، وهي قائدة "الجوقة". ولم يعد، بزركشاته الزاهية، يصلح لامرأة ستينية، فباعته لمؤسسة تُعنى بالتراث، لم تتمكن من تسويقه فتخلصت منه.

ثمة رجل جَلِف، كأنه لم يضحك قطّ، أمام بسطة أحذية، يبدو وكأنه يمضي وقته كله وهو يلمّعها. سيلفت نظرك حذاء أنيق تتخيل موظف بنك محترمًا ارتداه أيامًا معدودات قبل أن يحصل على ترقية مهمة، فرماه ليشتري آخر من السوق الحرة في مطار دولة خليجية خلال مؤتمر لرجال الأعمال. وستجد حذاءً رياضيًّا، ودّ صاحبه أن يكون لاعبًا محترفًا، لكن العمل في مستوطنة قريبة حطّم آماله، وبات يشاهد المباريات كسيرًا في مقهى شعبي مجاور، باع الحذاء ليسدد حساب المشروبات فيه.

لكل قطعة حكاية، وذاكرة، هي، بشكل أو آخر، ذاكرة المدينة المنسية في شارع رديء يمر منه الناس على عجل، ويجلس فيه رجال قساة الملامح ونساء يدخّنّ بشراهة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...