الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:09 AM
الظهر 12:44 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:02 PM
العشاء 8:19 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

مظاهر من التخلف المجتمعي

الكاتب: عبد الغني سلامة

أب من غزة، أنجب أكثر من أربعين طفلاً، من 3 زوجات.. يسكنون معاً في بيت واحد، يعيشون في فقر شديد، ويعانون من ظروف بالغة السوء.. وأب آخر عدد أفراد أسرته ما بين الزوجات والأولاد والأحفاد يناهز الثمانين.. يقيمون في ثلاث بيوت متجاورة.. ومع أن الأب ميسور الحال، إلا أنه لا يحفظ أسماء أبنائه وأحفاده. 

قد تكون مثل الحالات فوق المعدل الطبيعي لعدد أفراد الأسرة الفلسطينية، إلا أن هناك آلاف الأسر يزيد عدد أفرادها على العشرة، وهو رقم كبير بكل المقاييس. 

بلغ متوسط حجم الأسرة الفلسطينية 6.4 أفراد، عام 2007 (6.1 في الضفة، 7.1 في غزة)، وقد انخفض هذا الرقم إلى 5.2 في العام 2015. وبلغت نسبة الأسر النووية 85.7% للعام 2015  من إجمالي الأسر؛ مقابل 10.2% للأسر الممتدة. (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني)

وهذه البيانات إنما لفهم المسألة من ناحية اجتماعية وإنسانية، علماً أن المسألة لا تتعلق فقط بعدد أفراد الأسرة، ولا بالحالة الاقتصادية، والكثافة السكانية (رغم أهمية هذه المعطيات)؛ بل المهم في الموضوع ثقافة المجتمع والأسرة، والتي بناء عليها تتحدد طبيعة نظرة المجتمع للأسرة، والزواج، والأبناء، والتربية، والعلاقات بشكل عام، مع تأكيد العلاقة الجدلية المتينة بين ثقافة المجتمع والمعطيات الموضوعية التي تحيط به؛ فكلاهما سبب ونتيجة للآخر. 

في كل مجتمعات العالم تكون العلاقة بين عدد أفراد الأسرة ومستوى التعليم والمستوى الاقتصادي علاقة عكسية، أي أنه كلما ارتفع مستوى التعليم، وتحسّن الوضع الاقتصادي أكثر كان عدد أفراد الأسرة أقل، وكلما تفشى الجهل والفقر ارتفع العدد (وهذا ليس بتحليل أو استنتاج، إنما هي حقائق ووقائع). 

وثمة فارق كبير بين الأسرة التي تقوم فيها العلاقة الزوجية والعلاقة مع الأبناء على الحب والتفاهم والاحترام المتبادل، والأسرة التي تكون فيها العلاقة تسلطية فوقية، نشأت أساساً لأغراض التكاثر، وإطفاء الشهوة الجنسية (طبعاً للذكر)!؟ 

في المجتمعات المتحضرة (أي التي وصلت إلى مستوى إنساني متقدم) تقوم العلاقة بين أفراد الأسرة على الحب.. وفي الحب لا يوجد أعلى وأدنى، ولا متسلط ومستضعف.. بل تكون علاقات متساوية تقوم على العدل والحرية، وتسودها المودة والتفاهم والثقة والصراحة، بحيث لا يملك الرجل المرأة ولا الأطفال.. في مثل هذه الحالة فقط يأخذ الطفل حقوقه كاملة من الحب والعطف والرعاية والاهتمام، فينمو نمواً صحياً سليماً من الناحية العاطفية والجسدية والجنسية والفكرية دون خوف أو تلقين.

في المجتمعات المتخلفة، تكون العلاقة داخل الأسرة تسلطية، فيها القوي والضعيف (الجانب القوي غالباً الأب والأخ، والجانب الضعيف النساء والأطفال)، فيغيب الحب الحقيقي (ليس حب التملك)، وبعدها يفقد الأطفال العطف والاهتمام، وكلما ازداد عدد أفراد الأسرة نقص نصيب الفرد من الرعاية والحنان، وبالتالي فقد فردانيته وشخصيته المستقلة، وهذه أهم الأسباب وراء المشاكل النفسية والاجتماعية، وسبب عدم نضوج الأطفال وانحرافهم.

في المجتمعات المتخلفة، ينظر للزواج كوسيلة تلبي الحاجات الجنسية، أو بهدف التكاثر (حمل اسم العائلة)، ووظيفة الأسرة هنا تجديد ثقافة المجتمع وإعادة إنتاج قيمه.. ويُنظر للمرأة على أنها متاع، وفتنة، وجسد، وإنسانة غير مكتملة.. وظيفتها خدمة الزوج ورعايته.. وأحياناً تكون المرأة صفقة تجارية، أو قرباناً لإتمام صلح عشائري.. لا مكانة هنا لأسرة قائمة على الحب والتفاهم والانسجام والمشاركة والندية.

في مثل هذه البيئات الاجتماعية، من الطبيعي أن يوافق الأب على تزويج ابنته لشخص متزوج، أو لديه مشاكل اجتماعية لا تؤهله للزواج، وحتى لو كان عنده جنوح إجرامي وسجل جنائي.. لا يهم؛ لأن الفتاة في نظره مجرد "ولية" يجب سترها (كما لو أنها فضيحة).. وهي نفس البيئات التي تشجع زواج القاصرات، وتعدد الزوجات، وإنجاب عدد كبير من الأطفال، وتركهم للشارع. 

والمجتمعات التي تنكر حقوق المرأة، وتنظر لها بوصفها سلعة، أو فضيحة، أو عورة.. من البديهي أن تنظر نفس النظرة السلبية للأطفال.. فلا تعترف بحقوقهم، وأن لهم شخصيات مستقلة، ورغبات يجب أن تحترم.. لذلك لا مشكلة لدى الأب حين ينجب عدداً من الأطفال فوق قدرته على تحمل نفقاتهم، فهو عاش هكذا في السابق، ويريد أن يكرر تجربته في أبنائه.. الإنجاب هنا ليس عملاً إبداعياً، والمولود مجرد "ملكية" تعود للأب، سيستفيد منها بأشكال متعددة.. فهو أنجب أولاده للعزوة، أو لمساعدته في تحمل النفقات. 

ذلك الأب "الأناني" لا يدرك أن لكل طفل حقه الكامل بامتلاك فضائه الخاص، وحيزه المكاني والزماني الخاص به.. لا مشكلة عنده حين يتكدس أطفاله فوق بعضهم في غرفة مخنوقة.. أو إذا هاموا في الطرقات على وجوههم، أو حين يجد نفسه عاجزاً عن علاج أحدهم إذا مرض، أو تعليم من ينهي المدرسة.. والغريب أن الأسر الأكثر فقراً هي التي تنجب أكبر عدد من الأطفال.. فإذا كان هذا مقبولاً وعادياً في مراحل تاريخية سابقة؛ فاليوم، ومع تعقيدات الحياة وصعوباتها واحتياجاتها الجديدة والمختلفة كلياً، فإن هذا الأمر لم يعد مقبولاً.. إلا عند أصحاب عقلية العجز والتواكل، ونظرية تأجيل مواجهة المشاكل إلى أجل غير معلوم. "يأتي الطفل ويأتي رزقه معه"، وهذه بالمناسبة ليست آية كريمة، ولا حديث شريف.. إنها مثل شعبي سلبي، ترتكز عليه المجتمعات المتخلفة التي لا تخطط، ولا تهتم بالمستقبل. 

تتساهل هذه المجتمعات مع أخطاء الآباء وأنانيتهم التي تتسبب بتعقيد حياة أبنائهم، وتدمير مستقبلهم، وحرمانهم من فرص الحياة الكريمة، وجلب النحس والبؤس لعوائلهم.. يردون كل ذلك إلى "النصيب"، و"مشيئة الله".

وهي نفس العقلية التي تتساهل مع حوادث السير المميتة، والتي سببها الطيش والإهمال.. فيردونها إلى "القضاء والقدر".. وهي نفس العقلية التي لا تُقيم وزناً لمتابعة أخطاء الأطباء القاتلة، فيردونها إلى "انتهاء الأجل".

تضع هذه المجتمعات أخطاء الآباء، والأطباء، والسائقين، والمستهترين، وحتى المجرمين ضمن القضاء والقدر، الأمر الذي جعلهم يمعنون في أخطائهم، بل ومنحهم حصانة مجتمعية ضد المساءلة القانونية.

إنها عقلية بدائية غريزية لا تقدر قيمة الحياة؛ لأنها لم تقدر قيمة الإنسان أساساً. 
لذلك، نحن كثيرون عددياً.. ولكن كغثاء السيل.

"عن صحيفة الأيام" 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...