الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:44 AM
الظهر 12:39 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:15 PM
العشاء 8:34 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

مياه فلسطين وبيع المنهوب للمنهوبين

الكاتب: منى دجاني

في الوقت الذي تعاني فيه الأرض الفلسطينية من شُحَّ المياه، وقعت إسرائيل والسلطة الفلسطينية في شهر يوليو/ تموز الماضي اتفاقية مياه ستبيع إسرائيل بموجبها للفلسطينيين مياه من البحر الأحمر يتم تحليتها عبر منشآت لتحلية المياه ستقام في مدينة العقبة الأردنية، كجزء من مشروع قناة البحرين الإقليمي بين الأردن واسرائيل والسلطة الفلسطينية.

وتنص هذه الاتفاقية على بيع الجانب الفلسطيني 33 مليون متر مكعب من تلك المياه، ستوزع بين قطاع غزة والضفة الغربية في الوقت الذي يحرم فيه الفلسطينون من الاستفادة من مواردهم المائية الجوفية في الضفة الغربية والسطحية كنهر الأردن بحكم الاحتلال والاستيطان للأرض الفلسطينية.

أزمة شح المياه التي تعاني منها الأراضي الفلسطينية لا تعود الى التغيرات الطبيعية فقط كما يصورها بعض المسؤولين الحكوميين والمجتمع الدولي والوكالات المانحة، وانما بسبب الهيمنة الإسرائيلية على الموارد المائية على الأرض الفلسطينية منذ عقود من الزمن. وتعود جذور هذه الهيمنة بعدما سيطرت إسرائيل (بعد احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان عام 1967) على ينابيع نهر الأردن، والمياه الجوفية في الضفة الغربية، وبعد تحكم الجيش الإسرائيلي في موارد المياه وتقنين استهلاكها في الضفة لفترة من الزمن، ومن بعده تحكم شركة المياه الإسرائيلية مكوروت (Mekorot) التي سلمها الجيش الإسرائيلي في العام 1982 إدارة المياه في إسرائيل، ومن ضمنها تلبية احتياجات الفلسطينيين من المياه. وبالطبع ضمن معايير في التوزيع تتوافق مع اهداف الاحتلال وتنتهك الحقوق المائية للسكان تحت الاحتلال.

التحكم بالموارد المائية

في سبيل توفير المياه للسكان الفلسطينيين، تعتمد سلطة المياه الفلسطينية اعتمادًا كليًا على إسرائيل باعتبارها المورِّد الرئيسي للمياه، وتشتري حاجتها من المياه من الجانب الاسرائيلي. هذا الاعتماد على إسرائيل جاء بعد توقيع اتفاقات أوسلو في العام 1993 وإنشاء لجنة مشتركة للمياه من الطرفين تعمل على تنسيق إدارة الموارد المائية في الضفة الغربية، حيث عملت لجنة المياه المشتركة لفترة من الزمن، ثم جُمد عملها في السنوات الست الأخيرة بسبب السياسات الإسرائيلية التي اشترطت موافقة الجانب الفلسطيني على مشاريع المستوطنات الإسرائيلية للنظر في المشاريع الفلسطينية. ولكن عادت تلك اللجنة واستأنفت عملها في كانون الثاني/يناير 2017 بعد ان اجريت بعض التعديلات على البند 40 من الاتفاقية بشكل سمح للفلسطينيين بمدّ الأنابيب والشبكات دون انتظار موافقة اللجنة، ولكن من دون السماح لهم بالحصول على مياه إضافية الا بموافقة إسرائيل. وفي المقابل اتاحت للجانب الإسرائيلي مد الانابيب والشبكات، كما وسمحت هذا التعديلات ايضاً لإسرائيل ببناء شبكات مياه للمستوطنات المقامة على اراضٍ فلسطينية من دون أخذ موافقة اللجنة المشتركة.

وتبنت اتفاقات إسرائيل مع السلطة الفلسطينية حلولًا تقنية لحل أزمة شح المياه في الأرض الفلسطينية، وتجاهلت سياسة الاستيلاء على المياه الفلسطينية، كما تعاملت مع مسألة المياه كمسألة عملية بحتة. وعلى هذا النحو، لا تمتثل عمليات تحويل المياه والحصص والمبادلات المتبعة لمبادئ القانون الدولي للمياه التي تدعو إلى توزيع عادل للمياه والاعتراف بالحقوق المائية الفلسطينية.

وبينما تتحجج إسرائيل بافتقار الضفة الغربية إلى البنية التحتية اللازمة لمعالجة مياه الصرف، فانها تمنع او تعيق إنشاءها، بل تستفيد من مياه الصرف الصحي الفلسطينية عبر معالجتها في منشآتها على نفقة السلطة الفلسطينية، كما وتستخدم المياه المعالَجة لري المحاصيل الزراعية الإسرائيلية من دون دفع مقابل للسلطة الفلسطينية.

وتتحكم إسرائيل منذ احتلالها للأرض الفلسطينية في تطوير البنية التحتية الفلسطينية للمياه، وتسيطر على مشاريع المياه الفلسطينية، وترهب الفلسطينيين في الوقت نفسه لشرعنة مشاريع المياه في المستوطنات (اللاقانونية بموجب القانون الدولي)، وتستغل حاليًا 85% من موارد المياه المشتركة في الضفة الغربية، وتهيمن على إمكانية الوصول إلى موارد المياه في الضفة الغربية.

التكنولوجية الاستعمارية

استثمرت إسرائيل منذ تسعينيات القرن الماضي في مشاريع تحلية المياه، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وأصبحت مُصدراً للمياه لجيرانها الذين يعانون شُحاً مائيًا. ويعد قطاع تحلية المياه في إسرائيل من القطاعات المربحة، حيث تدير شركة مكوروت ما يقارب مئة مشروع ضخم في إسرائيل، بما فيها 40 منشأة لتحلية المياه توفر 600 مليون متر مكعب من المياه سنويًا. وبالإضافة إلى ذلك، تستخدم إسرائيل 60% من مياه الصرف الصحي المعالجة في الأغراض الزراعية بفضل مرافق معالجة مياه الصرف الصحي واستصلاحها، كما وتُصدِّر إسرائيل هذه الخبرة الفنية إلى الدول النامية، حيث تجني مليارات الدولارات من وراء تعاونها مع شركات المياه والحكومات في الأرجنتين وقبرص وأوغندا وأذربيجان والبرتغال.

ويتعاون المجتمع الدولي للافادة من تكنولوجيا المياه في إسرائيل ويُبدي إعجابه بها، ولا يرى التراجع في التنمية الذي يشهده قطاع المياه الفلسطيني، ففي العام 2012 وقَّعت المفوضية الأوروبية ووزارة الطاقة والموارد المائية الإسرائيلية مذكرة تفاهم لمدة خمس سنوات لتعزيز التعاون العلمي، لا سيما في مجال تحلية المياه والطاقة، كما وتسعى الحكومة البريطانية للدخول في تعاون مماثل مع إسرائيل، في حين صنَّف الاتحاد الأوروبي القدس التي تحتلها إسرائيل في انتهاك للقانون الدولي، كواحدة من أفضل خمس مدن في العالم من حيث الكفاءة والإدارة والابتكار في مجال المياه، بالرغم من ان 36% من سكانها الفلسطينيين لا يزالون غير متصلين بالبنية التحتية الإسرائيلية للمياه، التي تخضع لسياسات تمييزية تهدف إلى إفراغ المدينة من سكانها الفلسطينيين.

محطات معالجة للمياه خارج الخدمة

عملت الاستثمارات الدولية في السنوات العشر الماضية على بناء محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي في الضفة الغربية، حيث اهتمت الجهات المانحة في إنشاء ست محطات رئيسية في غرب نابلس وجنين وأريحا والبيرة ورام الله وطولكرم، غير أن قسما كبيراً من هذه المشاريع لم تؤت أُكلها.

ويُخفي التأطير الرسمي المحلي والدولي لهذه المشاريع القضايا السياسيةَ الأساسية، ألا وهي حرمان الفلسطينيين من حقهم في المياه، ففي عام 2015، مثلًا، وقَّع الاتحاد الأوروبي وسلطة المياه الفلسطينية اتفاقيةً لبناء محطة لمعالجة مياه الصرف بقيمة 20.5 مليون دولار في محافظة طوباس في شمال شرق الضفة الغربية. ولكن تكمن المشكلة في تلك المشاريع في الاعتقاد لدى كثيرين من مسؤولي السلطة الفلسطينية والوكالات المانحة ومنظمات المجتمع المدني، بوجود حاجة إلى بنية تحتية لمعالجة مياه الصرف كي تكون بديلًا لموردٍ "محدود". غير انه وبالرغم من أن معالجة مياه الصرف أمرٌ ضروري، الا ان تأطيرها كحل وحيد لزيادة الحصة المائية الفلسطينية وكمصدر مائي إضافي للزراعة يعزز فكرةَ إيجاد وسائل بديلة لإعمال الحقوق المائية في فلسطين. وبعبارة أخرى، فإن التركيز على إمكانات مياه الصرف وصرف النظر عن حقوق الفلسطينيين المائية يصور أزمةَ المياه كأزمة طبيعية تتطلب حلًا تكنولوجيًا، وليس مشكلة من صنع الاحتلال تحرم الفلسطينيين عمدًا من مورد حيوي. أمّا في قطاع غزة، فان المجتمع الدولي والسلطة الفلسطينية يعكفون منذ التسعينيات على تأطير أزمة المياه في غزة على أنها قابلة للحل عن طريق بناء محطة لتحلية المياه كحل وحيد لوضع المياه في غزة، الا ان هذا الحل يعزز الزعم بأن التقدم التكنولوجي هو الحل، دون معالجة الواقع السياسي والحصار والقيود المفروضة على الأرض.

وعلى سبيل المثال، فقد حصلت محطة سلفيت لمعالجة مياه الصرف الصحي على التمويل في عقد التسعينيات، ولكنها لم تدخل طور التشغيل قط، حيث أخذت اللجنة المشتركة المشروع عبر متاهة بيروقراطية، بدءاً بتغيير موقعه المعتَمد، وانتهاءً بالاشتراط لتشغيله أن يُربَطَ بمستوطنة آرييل، وهي واحدة من أكبر التجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية التي تضخ مياه صرفها الصحي غير المعالجة إلى القرى الفلسطينية القريبة.

مقاربةَ المانحين هذه إزاء أزمة المياه في غزة والضفة الغربية لا تتحدى الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي، بل تصادق - حتى لو عن غير قصد - على الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي المتمثلة في احتلالها المستمر ومصادرتها الأراضي والموارد الطبيعية الفلسطينية. وعلاوةً على ذلك، فإن الجهات المانحة الرئيسية، وهي الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، لا تمول مشاريع إشكالية فحسب، بل تعمل بنشاط على تعزيز التكنولوجيا الإسرائيلية والتقدم العلمي الإسرائيلي بينما تتجاهل قدرات بحوث المياه الفلسطينية ولا تستثمر او تعزز امكانيات البحث والتطور التكنولوجي وتربطه دائما بمشاريع مشتركة مع الجانب الإسرائيلي.

تكريس المانحين للوضع القائم

دأبت إسرائيل طوال عقود على اقتراح حلولٍ تكنولوجية لمعالجة شح المياه، كمحطات التحلية ومعالجة مياه الصرف وإعادة استخدامها. ولعب المانحون الدوليون دوراً رئيسيًا في تعزيز هذا النهج الإسرائيلي.

وتوظف إسرائيل منذ عقود ادواتها التكنولوجية في سياق السرقة الممنهجة للموارد المائية الفلسطينية، الامر الذي يساهم بمعاناة الفلسطينيين في تأمين حقوقهم المائية والتوزيع العادل لمصادر المياه. كما يلعب المانحون الدوليون دوراً في مساندة هذا الوضع عبر إثبات فعالية استثماراتهم المالية، التي هي في الحقيقة تفاقم انعدام المساواة في المياه بين إسرائيل وفلسطين.

وعلى الرغم من أن نهج المانحين يتمثل في الدفع باتجاه توفير المياه وحماية صحة الناس والبيئة، فإن تحقيق ذلك في ظل الاحتلال يفترض القبول بالوضع الراهن القائم. وبالنظر إلى التدخلات المستمرة لعقود ولملايين الدولارات المحوَّلة لقطاع المياه في الأرض الفلسطينية المحتلة، فإن فشل مجتمعات المانحين في تحسين ظروف معيشة الفلسطينيين يبين كيف أضرت المساعدات بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية. كما يبين انخراط المانحين الدوليين في التعاون البحثي والعلمي مع إسرائيل وتمويله واستثمار ملايين الدولارات في تطوير البنية التحتية للمياه بإيعاز من إسرائيل، وبتواطؤهم في مساندة هذه الآليات الهدامة التي تساهم في اقناع الفلسطينيين بالوضع الراهن وفي اعتمادهم على الغير، وتجريد قضايا المياه من بُعدها السياسي بشكل يقف امام السعي الفلسطيني من أجل الحق في تقرير المصير.

وبينما يبدو الوضع المائي قاتمًا بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، الا انه يتوجب على الفلسطينيين برمجة استراتيجياتهم وتحالفاتهم مع الحركات الدولية الوطنية والعابرة للحدود لمواصلة فضح الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق المائية، وإطلاق حملة عالمية للعمل مع المجتمعات الناشطة في معارضة الصناعات الاستخراجية والدول المنخرطة فيها، كما يجب اظهار وفضح الطابع السياسي لانعدام المساواة في المياه في الأرض الفلسطينية المحتلة، وإظهار حقيقة الأزمة التي تتمثل في هيمنة الاحتلال على الموارد المائية والدفع باتجاه حلول عادلة لها.

إن من الأهمية بمكان العمل على إعادة تعريف الصراع في الوصول إلى الموارد الطبيعية والتحكم بها، وإعادة تأطيره ليكون جزءاً من النضال الفلسطيني من أجل الحرية وتقرير المصير.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...