الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:40 AM
الظهر 12:38 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:17 PM
العشاء 8:37 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

إضاءات ومشاهدات في مستشفى المُطَّلَع

الكاتب: مهند عبد الحميد

يأتي إلى مستشفى المطلع في مدينة القدس يومياً، بعد انتهاء محاضراته بجامعة النجاح في نابلس؛ ليتلقى جلسات الراديو ثيربي. زيد شاب في مقتبل العمر من مدينة طولكرم مفعم بالحيوية والأمل والثقة بالنفس، هذا ما تشي به ملامحه ونظراته وهدوؤه ونبرة صوته. يزاول الرياضة في «الجيم» بانتظام. عندما اكتشف أنه مصاب بورم سرطاني استوعب الصدمة بالتعاون مع طبيبه، لكن التصريح بمرضه استغرقه بعض الوقت كي لا يصدم والديه. وبدأت رحلته مع العلاج بالكيمو ثيربي التي لم تَحُل دون ذهابه للجامعة ولا دون استمرار مزاولة الرياضة في الجيم. اعترف زيد بمرضه المسمى سرطان أمام الملأ بصراحة وبثقة خلافاً لتقاليد الإخفاء المتبعة في المجتمع المحافظ. لكنه لم يسمح للمرض بأن يؤثر على مجرى حياته. استمر في تحصيله العلمي ومزاولة الرياضة والعلاج والبوح بالإصابة طوال الوقت، وكانت إرادة زيد أقوى من ذلك المرض الذي أخذ يتقهقر ويذوي، هذا ما تقوله تقارير الأطباء. 
كانت ممعنة في قراءة كتابها بنهم وتركيز لافتين، غير آبهة بالضجيج في غرفة الانتظار وجرس المصعد الذي لا يتوقف عن الرنين مؤذناً بقدوم مرضى جدد. خلتها للوهلة الأولى مرافقة لواحد من المرضى الكبار عمرياً، لكن استدعاءها من قِبَلِ الممرضة إلى غرفة «الراديو ثيربي»  قطع الشك باليقين. زكية الفتاة الذكية المقبلة على الحياة مصابة بالمرض وهي في الصف الحادي عشر. وكل يوم تترك مدرستها بعد الحصة الثالثة وتغادر من قلقيلية متجهة إلى مستشفى المطلع في  القدس بصحبة والديها، لتتلقى جلسة «راديو ثيربي» وكأنها حصة مدرسية إضافية، وتعود أدراجها إلى بيتها في قلقيلية. زكية فتاة شجاعة وقد اكتشفت مرضها عبر البحث في شبكة النت عن الأعراض التي تعاني منها، ورفضت الإخفاء الذي مارسه الأهل للتخفيف من وقع المرض عليها، لكنهم اكتشفوا أن معرفتها المكتسبة عبر البحث المتواصل وتحملها واستيعابها لخطوات العلاج وثقتها بنفسها تفوق كل تقدير. وبفعل ذلك تجاوزت زكية «محبوبة أبويها» الإخفاء فازدادت مكانتها رِفعة وقوة. 
«زيد» و»زكية» شاب وفتاة رائعان وهما يقدّمان قصتي نجاح في اختراق مألوف المجتمع المحافظ في البوح بمرضهما وفي مقاومته والثقة بالنفس وإلحاق الهزيمة بالمرض «اللغز» بالنقاط ويوماً بعد يوم. 
طارق الجَّمال الأكثر حضوراً بكاريزميته ودعابته وتعليقاته المرحة بين المرضى والمرافقين، الانتظار بوجود طارق غير الانتظار في غيابه، كما هو الفرق بين تبديد الملل وبين التذمر. ترافق طارق أمه كل يوم آتيين من جنين إلى مستشفى المطلع في القدس، وتُرافق الاثنين شقيقته هيا مساعدة الأم التي تبقى معها كظلها خلال الدقائق العشر في غرفة «الراديو ثيربي». طارق يترك وظيفته يومياً ليوزع نفسه ما بين رحلة مضنية مع أمه إلى القدس وبين متابعة والده المريض بالقلب في مستشفى جامعة النجاح بنابلس. قصة نجاح في حب أمه ورعايتها وفي براعته في تغيير اسم المرض وإطلاق اسم الالتهاب واعتماد ذلك، رغم اقتناعه بأن «الكانسر» لا يختلف عن الأمراض الأخرى وأصبح تحت السيطرة إلا أن لأمه رأياً آخر. 
استوقفني طبيب أخصائي يزاول العلاج بالراديو ثيربي في تواضعه واحترامه للمرضى وللنظام في تحديد الأدوار كأي واحد من المرضى، مع أن مهنته تسمح له بأفضلية الدور، سيما أنه يترك عيادته مقفلة أثناء العلاج في الفترة المسائية، ومع أن وجود معارفه من زملائه الأطباء يتيح له استخدام فضائل زمالة المهنة. خلافاً لذلك تعامل الدكتور بيتر بنزاهة وبأخلاقيات التضامن مع المرضى التي عززها بإنصاته لمعاناتهم. الشيء نفسه ينطبق على مهندس أميركي متزوج من مواطنة فلسطينية، كان يقْطَع وقت الانتظار في قراءة كتاب وهو طقس غريب بالنسبة للكثيرين، ويوزع ابتساماته على الجميع ويبادلهم التحية. ولم يحاول بدوره انتزاع معاملة المفاضلة على حساب الغير، المهندس بيتر اندمج مع الفلسطينيين وأصبح يُعامل كما يعامل الفلسطيني بتمييز سلبي من قبل سلطات الاحتلال والسلطات الأميركية أيضاً. إنه ثمن التضامن والانحياز للضحايا في عالم متوحش احترف صناعة المزيد من الضحايا. 
ولمجموعة المرضى الآتين من قطاع غزة حكايا وشجون، فهؤلاء جاؤوا من داخل سجن كبير، وأرادوا تنفس الصعداء في عاصمتهم. بعضهم خرج من أتون الأزمة والبعض الآخر لم يخرج بعد وقد تلبسه ثوب الضحية، وهناك من الأسباب ما يعزز البقاء في موقع الضحية، الفرق يكمن في القدرة على المقاومة والاستجابة والتكيف. البعض يعتقد بوجود تمييز ضد المرضى من قطاع غزة. والبعض الآخر لا يلمس أي نوع من التمييز إلا عند دخول الواسطة على الخط، والواسطة لا تكون على أساس جغرافي وجهوي في الغالب. اثنان من فريق الأشعة نفيا بالمطلق وجود تمييز ضد غزة وقالا: لديهم التباس في فهم النظام الذي يحدد علاج مرضى الضفة صباحاً كي يتمكنوا من العودة إلى محافظاتهم، ويحدد علاج مرضى غزة بعد الساعة السادسة مساء لأنهم يقيمون في فنادق قريبة من المستشفى. ومن الطبيعي عندما يأتي مرضى غزة في مواعيد خاصة بالضفة أن ينتظروا. وتحدث بعض مرضى من غزة عن مشكلات التحويل إلى مستشفيات القدس الذي يستغرق وقتاً طويلاً، ويلعب نظام الواسطة دوراً في تقديم أسماء على أسماء، وتحدث آخرون عن نقص في بعض الأدوية كأنواع من جرعات الكيماوي التي ينعكس افتقادها أو تأخرها سلباً على صحة  المرضى، وعن نقص آخر في أدوية ضغط .. إلخ.  كم كان التفاعل بين القادمين من غزة والقادمين من الضفة والمقدسيون مهماً ومفيداً ومؤثراً، لقاءات تعززت بمبادرات من مقدسيين – زيارات وتقديم الطعام. غير أن اهتمام المؤسسات ذات الاختصاص كالشؤون الاجتماعية والقوى السياسية غير ملموس، في الوقت الذي تتزايد فيه الحاجة إلى سماع ملاحظاتهم ومطالبهم وإلى مساعدتهم، فهم جزء عزيز من الوطن الفلسطيني وقاعدة تاريخية للوطنية الفلسطينية.
بقي القول: إن الفريق العامل في الراديو ثيربي بمستشفى المطلع لا يكل ولا يمل في أداء المهمة وعلى أكمل وجه، عشرة أخصائيين يتناوبون العمل على جهازين أحدهما يعمل قليلاً ويحتاج إلى صيانة كثيراً، والآخر يعمل أكثر من طاقته، ما يعرضه إلى العطب بين فترة وأخرى. 
قال أخصائي في الأشعة: إن المستشفى بصدد إضافة جهازين آخرين للقسم، وهذا من شأنه تخفيف الاختناق وتقصير فترات الانتظار المنهكة للأعصاب. وحول كفاءة الفريق،  قال: بعد التحصيل الجامعي، تدربنا في أكثر الدول تقدماً، وتلعب الممارسة اليومية دوراً مهماً في تطوير كفاءاتنا ونحن بمستوى المستشفيات المتقدمة. مستشفى المطلع صرح  طبي يستحق الإعجاب والتقدير والدعم. 

 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...