الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:44 AM
الظهر 12:39 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:15 PM
العشاء 8:34 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

إعادة إحياء الضحية..

الكاتب: رامي مهداوي

بقلم: رامي مهداوي

الحروب تلد الموت بقصصه المختلفة، والموت أعمى لا يعرف من أنت وابن من أنت؟ ولا يميز علاقة ضحاياه ببعضهما البعض، لا يرحم الصغير ولا الكبير ولا دينك أو لون بشرتك، الموت هو الزائر السريع يأتيتك دون إذن أينما أنت، ربما يأتيك وأنت نائم تحلم بفتاة قابلتها صدفة بالمقهى وتجرأت لتطلب منها موعداً لشرب القهوة صباحاً فإبتسمت لك موافقة، لكن هذه الجرأة لم تنفعك فمصرعك ببرميل متفجر سقط من السماء لم يجعل من حلمك حقيقة. وربما يأتي الموت لعائلة كاملة لم تنجو منه إلا الطفلة التي كانت تسبح بالبحر فالرصاص مزق عائلتها التي كانت متواجدة على شاطئ غزة.

هو الموت بروائحه المختلفة لكن تلك الروائح تصب في نهر تيه الفقدان. إن موت الجسد العربي إذا ما نظرنا له ضمن تسلسله التاريخي بسبب الحروب وما ينتج عن ذلك خصوصية يتميز بها أحفاد قحطان هو تفريغ تيه الفقدان إما بفقدان الذات بسبب الصدمة، أو النواح والعويل، وقد يرافق ذلك كله أيضاً حالة أدبية تنتج عنها مواد متنوعة لرثاء الضحية بأشكاله المختلفة: الندب، التأبين، العزاء.

إن أشهر حالة بالتاريخ العربي لذلك التيه المبدع هو تماضر بنت عمرو السلمية المعروفة بالخنساء التي اشتهرت برثائها وبكاؤها الذي أذاب الضخر على  أخويها الذين قتلا في الجاهلية ثم أبناؤها الأربعة بعد نشر الإسلام في معركة القادسية، ومن أبياتها الشعرية:

أبكي أبي عمرًا بعين غزيـرة *** قليل إذا نام الخلـي هجودهـا
وصنوي لا أنسى معاوية الذي *** له من سراة الحرتيـن وفـودهـا
وصخرًا ومن ذا مثل صخر إذا *** غدا بساحته الأبطال قــزم يقودها

إذا ما إعتبرنا الخنساء كنموذج تعبيري لحالة الفقدان بسبب الموت، فإننا نجد في الزمن المعاصر حالات من تيه الفقدان الذي يصفه البعض بالبطولة والشجاعة، فهناك عدد كبير من أمثال الخنساء وربما أكثر ألماً من حيث الفقدان وخسارت الضحايا على الصعيد الوطن العربي من منظور الخنساء. وبالتالي إذا ما نظرنا الى القتل الجماعي الذي يحدث في ليبيا، العراق، السودان، سوريا، الصومال، فلسطين مع مراعاة إختلاف الزمن وربما اشتباكه مع الأزمان المختلفة لكل قُطرٍ عربي وخصوصية طبيعة الأحداث، لوجدنا هناك العديد من القصص التي يجب أن يتم توثيقها وإعادة إنتاج هذا الموت والفقدان حتى يتم تداوله لمعرفة ما حدث مع الضحايا أولاً ومع البقية الأحياء وبالأخص الناجين بعد سقووط الضحية.

على الرغم من التطور التكنولوجي لرصد القتل بأشكاله المختلفة والزمني من حيث قبل/أثناء/بعد، إلا أن أشعار الخنساء لم ترصد فقط حالة البكاء من أجل البكاء على الضحية، بل خلق الشعر فضاء واسع داخل الذاكرة العربية على مر العصور المختلفة من حيث مفهوم الخسارة بعد الموت، أعتقد حان الوقت لإبراز دموع أمهاتنا وأخواتنا في دمشق، طرابلس، بغداد، والقدس كما فعلت الخنساء بدموعها وأشعارها بإعادة إحياء الضحية بإنسانيتها لا أكثر ولا أقل.

وهناك العديد من الوسائل غير التقليدية التي تتلاءم مع العولمة وما بعد الحداثة يمكن اللجوء إليها لتكرار تجربة الخنساء بنقل ماضي الضحيّة لحاضرنا الحالي و الأجيال القادمة.

فخنساء العراق عليها دمج رواية الضحية بما يتلاءم مع الثقافة المجتمعية، وخنساء سوريا عليها إيجاد الأدوات والطرق التي صنعها الضحية بماضيه أيضاً. ولنتذكر بأن الخنساء صنعت من الشعر العربي ملحمة تتذكرها كافة الأجيال الناطقة بلغة الضاد.
للتواصل: فيسبوك: RamiMehdawiPage

Loading...