هل نحتاج إلى حوار أم يكفي تطبيق اتفاق القاهرة؟

2017-10-10 06:03:03

منذ توقيع "اتفاق القاهرة" مع أنه لم ينفذ بالرغم من مرور أكثر من ست سنوات على توقيعه، ورغم توقيع "إعلان الدوحة" العام ٢٠١٢ و"إعلان الشاطئ" العام ٢٠١٤، وجولات لا تنتهي في الدوحة وغيرها ... تجمع حركتا فتح وحماس على عدم الحاجة إلى الحوار، وأن كل المطلوب تطبيق اتفاق القاهرة الذي تضمن - وفق زعمهم - كل ما يجب الاتفاق عليه.

وإذا قيل إن هناك حاجة حيوية جدًا للاتفاق على برنامج سياسي، وعلى قرار السلم والحرب (المفاوضات والمقاومة)، يتم الرد عليه بعدم الحاجة إلى برنامج سياسي للحكومة، لأن السياسة من اختصاص المنظمة وليس من اختصاص الحكومة، متجاهلين أن الاتفاق على البرنامج السياسي "حجر سنمار"، سواء كان من اختصاص الحكومة أو المنظمة، أو يقال إن الحكومة هي حكومة الرئيس وبرنامجها برنامجه، وهي تلتزم بالالتزامات التي تلتزم بها المنظمة. وهذا يكشف أن عدم وضعه على طاولة الحوار الوطني هو تشبث الفريقين ببرنامجيهما رغم وصولهما إلى طريق مسدود.

إن أحد القواعد التي حكمت الحوارات والاتفاقات السابقة وأحد أسباب فشلها أن القضايا الجوهرية المختلف عليها، مثل البرنامج السياسي ومنظمة التحرير الفلسطينية والمجلس التشريعي والأمن، يتم تأجيلها أو تأجيل تنفيذها بحجة أن طرحها سيفجر الحوار ويؤدي إلى انهيار الاتفاقات، مع أن تأجيلها لا يحل المشكلة، بل يجعلها تكبر، ونجدها أمامنا في كل مرة أكبر من السابق، وتؤدي إلى النتيجة التي تم تأجيلها حتى لا نصل إليها وهي الفشل.

الرئيس وفتح متمسكون بموقف ضرورة أن يكون برنامج أي حكومة برنامج الرئيس، وأن تلتزم بالالتزامات التي التزمت بها المنظمة مع إسرائيل. في المقابل، اكتفت "حماس" بالاستعداد لاحترام الاتفاقات والالتزامات المترتبة عليها كما جاء في برنامج حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت عقب توقيع "اتفاق مكة"، والتي لم تعمر سوى ثلاثة أشهر. كما أن "حماس" كانت تتغاضى عندما يعلن الرئيس أو رئيس الوزراء أن الحكومة تلتزم ببرنامج الرئيس والتزاماته. وكانت تردد أن برنامجي المقاومة والمفاوضات على طرفي نقيض، وأن أكثر ما يمكن تحقيقه هو التعايش والتجاور بينهما، لأنهما لا يمكن أن يلتقيا، وهذا بحاجة إلى نقاش.

إن الحقيقة الساطعة أمامنا بقوة  أن الصدمات والتطورات والإخفاقات والتضحيات الغالية أجرت تغييرات لدى كل الفرقاء، وصارت الهوة بين البرامج أقل بكثير عما كانت عليه، بدليل الاتفاق على وثيقة الوفاق الوطني، واتفاق القاهرة، وغيرهما من الوثائق الوطنية، فالهدف أصبح مشتركًا ومتفقًا (إقامة الدولة على حدود ٦٧) على الأقل في هذه المرحلة، كما أن هناك اتفاقًا على أن المفاوضات والمقاومة يجب أن تخضعان للقرار الوطني، إضافة إلى الهدنة الملتزم بها من الطرفين وإن بأشكال مختلفة.

المعضلة أن البرنامج الذي تُطَالب أي حكومة بتبنيه هو برنامج أوسلو مع أن الرئيس يقول إنه وصل إلى طريق مسدود، لدرجة التهديد أكثر من مرة، بما فيها خطابه الأخير في الأمم المتحدة، بأن للصبر حدود، وأن السلطة بلا سلطة، وأن الاعتراف بإسرائيل لن يستمر إلى الأبد من دون أن تعترف بالدولة الفلسطينية، ولمّح بأنه سيسلم مفاتيح السلطة لإسرائيل، ولوح بأنه سيتبنى خيار الدولة الواحدة متساوية الحقوق إذا استمر التعنت الإسرائيلي.

قلنا ونقول، وقناعتنا تزداد، بأن الوحدة لا تقوم من دون اعتماد مبدأ الشراكة الوطنية الحقيقية على أساس برنامج الإجماع الوطني الذي تم تخفيض سقفه في أوسلو والاتفاقات التي وقعت والمفاوضات التي جرت أو وقعت بعده، بدليل الموافقة الفلسطينية على التوصل إلى "حل عادل" متفق عليه لقضية اللاجئين، ما يضع الأمر بيد إسرائيل، وعلى مبدأ تبادل الأراضي، ما يسمح بضم المستوطنات والكتل الاستيطانية إلى إسرائيل. كما تضمنت الرسائل المتبادلة الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود من دون حتى أن تعترف بالدولة الفلسطينية، أو بأي حق من الحقوق الفلسطينية، وإدانة الإرهاب والعنف (المقاومة)، والالتزام بوقفها، وملاحقة المقاومين من دون التزام إسرائيلي بوقف العدوان الاحتلالي بكل أشكاله وجرائمه.

من دون الشراكة الوطنية وإعادة الاعتبار لبرنامج الإجماع الوطني واعتماده من مختلف الفصائل الرئيسيّة، الذي يتضمن حقوق الشعب الفلسطيني بالعودة والمساواة وتقرير المصير، بما يشمل حقه في إقامة دولة فلسطينية وممارستها السيادة والاستقلال على حدود٦٧، ووقف المسار السياسي الذي يراهن للتوصل إلى حل سياسي قائم على المفاوضات وإظهار حسن النوايا؛ تكون المصالحة مجرد محاصصة بين الفصيلين المتنازعين، ومجرد هدنة وتعايش لا يمكن بِنَاء وحدة وطنية حقيقية على أساسها.

نقطة أخرى مهمة، لقد جرت مياه كثيرة منذ توقيع "اتفاق القاهرة" وحتى الآن، تستوجب أخذها بالحسبان، وخصوصًا أن لها مغزى كبيرًا. وتتمثل هذه المتغيرات باندلاع الربيع العربي وتحولّه إلى خريف إسلامي تساقطت أوراقه، لتعود المنطقة إلى قواعدها "سالمة"، واتجاه إسرائيل أكثر وأكثر نحو اليمين واليمين الديني المتطرف، واعتلاء دونالد ترامب سدة الرئاسة الأميركية، وهو أكثر رئيس مؤيد لإسرائيل، وإعلانه عن عزمه على تصفية القضية الفلسطينية من خلال التوصل إلى ما يسميه "صفقة القرن"، اعتمادًا على تردي أحوال البلدان العربية، واستعداد بعضها لتطبيع علاقاتها بإسرائيل، والتحالف معها ضد ما تسميه "الخطر الإيراني" من دون إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة كما تنص مبادرة السلام العربية.

تأسيسًا على ذلك، نحن بحاجة إلى حوار عميق ومستمر، وبمشاركة من الشباب والمرأة والشتات،  للاتفاق على القضايا الجوهرية، بما فيها وعلى رأسها البرنامج الوطني أولًا، وكيفية وضع خطة عمل لتنفيذه بما يمكّن من مواجهة التحديات والمخاطر وتوظيف الفرص المتاحة، وبما يأخذ الظروف الخاصة لكل تجمع فلسطيني بالحسبان.

وحتى نكون صريحين أكثر، نشير إلى أن العديد من النقاط الواردة في "اتفاق القاهرة" هناك تراجع عملي عنها أو تأجيل مفتوح لها، مثل عقد وتفعيل المجلس التشريعي، والإطار القيادي المؤقت للمنظمة (لجنة تفعيل المنظمة)، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وعقد المجلس الوطني التوحيدي، وإجراء انتخابات المجلس الوطني، كما أن هناك نقاطًا تم الاتفاق على تأجيل تنفيذها، مثل الأمن، أو هناك خلاف أو تناقض فيما ورد حولها في أماكن مختلفة، أو أن هناك تباينًا في تفسيرها، مثل التنسيق الأمني، وسلاح المقاومة، وكيفية التعامل مع الموظفين الذين عينتهم "حماس" خلال فترة الانقسام.

"اتفاق القاهرة" مهم، ويمكن أن يكون أساسًا أو نقطة الانطلاق، ولكنه ليس مقدّسًا وغير كافٍ، فهو حمّال أوجه، وتم تجاوزه، أو تعديل  أو عدم تنفيذ بعض بنوده. في هذا السياق، يمكن أن يكون الحديث عن عدم الحاجة إلى فتحه، وإجراء حوارات جديدة ما هو إلا ستار لأهداف أخرى، ولم يعد ينطلي على أي أحد قادر على استخدام عقله.

من دون شراكة حقيقية وطنية على أساس برنامج وطني ووحدة المؤسسات، والاحتكام بعد ذلك إلى الشعب، لا يمكن أن تكون هناك وحدة وطنية قادرة على البقاء والانتصار.