الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:38 AM
الظهر 12:38 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:17 PM
العشاء 8:37 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

ظاهرة «الفتوّة» حفظها أدب محفوظ وذاكرة القاهرة القديمة

عرفت مصر ظاهرة «الفتوّة» منذ القدم. فالرجال المدرجون تحت هذا الوصف ممن تتوافر فيهم الشهامة والشجاعة والإقدام، يتولّون مهمة الدفاع عن أهل مناطقهم وأحيائهم مقابل بعض المال أو «إتاوة». وهذه «المهنة» تتوارثها الأجيال المتعاقبة داخل العائلة الواحدة، أو تنتقل الزعامة من فتوة إلى آخر إذا ما نجح في كسر نبوت (عصا) الفتوة السابق وإيقاعه على الأرض.

قدّم الأديب نجيب محفوظ تشريحاً دقيقاً لمجتمع الفتوات ومركزية النبوت فيه، في إشارة إلى الفلسفة الحاكمة آنذاك حيث الغلبة للقوة على العقل، ليصبح أدب محفوظ المرجع الأول لتلك المهنة التي اندثرت بصورتها القديمة، مقابل تمحورها في صورة سلبية مع «البلطجة» و «السطو». وإلى جوار الأدب المحفوظي، لا تزل أحياء القاهرة القديمة تحفظ سير فتواتها، وبعضها يرجع إلى ثلاثينات القرن الماضي.

في ضاحية الحسينية (وسط القاهرة) يحكي العم عبدالله، أحد المسنّين في الضاحية، عن زمن الفتوات في الحي القديم. يتذكر زكي الصيرفي أشهر فتوات الحسينية في فترة الثلاثينات وحتى قيام ثورة تموز (يوليو)، فيتحدث بفخر عن دوره في دعم الضباط الأحرار. ويقول: «أكثر ما كان يرهب الناس كلبه الضخم الذي كان يرافقه في الليل، حتى أن بعض سكان الضاحية كانوا يتجنّبون الخروج ليلاً خوفاً من الكلب».

في ضاحية السيدة برزت أسطورة «عفيفي القرد»، وهو فتوة اشتهر بشجاعته في مواجهة الخطر لحماية أمن منطقته. كذلك اشتهر الفتوة محمود الحكيم في شارع الغورية (أحد شوارع القاهرة الفاطمية). وعلى مسافة خطوات في حي الدراسة قرب الأزهر، كانت صولات وجولات للفتوة حسن كسلة الذي مارس دوراً مهماً في حماية الأمن بدلاً من الأجهزة الرسمية وقاد ما يشبه الشرطة الشعبية.

من فتوات ضواحي القاهرة الفاطمية الذين خلّد محفوظ ذكراهم عاشور الناجي، الفتوة الذي انتصر للعدل ليصبح الرمز لا القوة الطاغية. وتحتفظ ضاحية بولاق (شمال القاهرة) بذكرى أشهر فتواتها ممن نُسجت حولهم قصص عدة. منهم إبراهيم كروم الذي كان والده راعياً للغنم، لكنه فضل العمل في رصف الطرق ثم النجارة، وعُرف بعداوته الشديدة للإنكليز خلال احتلالهم مصر. وعلى رغم سطوته لم يكن يتورع عن التحطيب (الرقص بالخشب) في الشارع عند مرور زفاف ما، ما أدى إلى إثارة حفيظة بعض أهالي الضاحية ممن لا يرضون لفتوتهم «الخروج عن المألوف».

ارتبط اسم فتوة بولاق برؤساء مصر الراحلين، بداية من دوره في دعم المقاومة خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وتعلقه بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وعن ذلك يردد أهالي الضاحية أنه «ذهب إلى السيرك القومي راغباً في شراء أسد حتى يستقبل به عبد الناصر عند عودته من الهند لكنه لم يستطع، فاستقبل ناصر في ميدان عابدين على حصان وسط 3 آلاف رجل من أنصاره رافعاً لافتة كبيرة طريفة مكتوباً عليها «إبراهيم كروم فتوّة مصر يحيي جمال عبدالناصر فتوّة العالم».

ويحكي أهل الضاحية أن كروم خبأ الرئيس الراحل أنور السادات حين اتُّهم في قضية اغتيال أمين عثمان الذي كان وزير المال في الحــكومة الوفدية عام 1946. وبهذا يفـسّر أهالي الضاحية تلبية السادات دعوة كروم إلى زيارة ضاحيتهم بعدما صار رئيساً، وسط احتفال شعبي كبير. كذلك لرد اعتبار الرجل الذي سجن خلال العهد الناصري بتهمة الانتماء إلى جماعة «الإخوان المسلمين» عقب حادث المنشية ومحاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها عبد الناصر.

ومن القصص الغريبة أن ضاحية المطرية (شرق القاهرة) عرفت فتوة «سيدة» خاضت معارك دامية كانت تنتهي بضحايا وقتلى على يديها، حتى قبض عليها بعد قتلها خمسة أشخاص في معركة واحدة، وفق روايات أهل الضاحية.

وفي الإسكندرية، يتردد إلى الآن اسم «النونو» عند الحديث عن «زمن الفتوات»، علماً أن صيته ذاع مطلع القرن العشرين، وأطلق عليه لقب «الشبح» من فرط ما يثيره من رعب في قلوب الناس. حتى أن «قوات الاحتلال الإنكليزي كانت تخشاه وتشتري رضاه بإمداده بالمؤن» وفق قصص حول سيرته.

تواكب ظهور «عصر الفتوات» في مصر مع أحداث سياسية ساخنة مطلع القرن التاسع عشر. حينها تخاذلت قوات المماليك في حماية الشعب، حتى أن بعضهم استنجدوا بالمصريين لمساعدتهم، خصوصاً عقب الحملة الفرنسية (1798 إلى 1801)، فبرزت الزعامات الشعبية التي تتولى حماية الناس قبل أن تتطور الظاهرة في صورتها التي رسمها نجيب محفوظ ونقلها إلينا من الأزمنة البعيدة عبر سطوره.

Loading...