حكايا الخليل.. بلوظة أبو نظمي

2017-08-10 12:42:35

الخليل- رايــة:

طه أبو حسين

بيضاء تسر الناظرين إليها، ناعمة طريّة تسرق القلوب دون إذن منها، رائحتها فاتنة؛ تجذب المارة ما إن تنفسوها، سرعان ما يضعفوا أمام جاذبيتها، فالطعم الذي تذوقته العيون، حرّك نداءات الاستغاثة في الألسن الذوّاقة، فالتهموها بلذة وشغف كبيرين، لتبقى راسخة ضمن ألذ الحلويات منذ عقود طويلة، إنها "بلوظة أبو نظمي".

"بلوظة أبو نظمي"، بدأت حكايتها منذ الحكم التركي لفلسطين، عندما كان الحاج "أبو نظمي" يعمل طباخاً للجيش التركي، فامتهن الطهي، وأخذ يتوسع في هذا المجال، وخلال زياراته المتعدد لسوريا، تعلم طريقة إعداد البلوظة، ولما انتهى الحكم التركي، وكان الانتداب البريطاني، قرر إيجاد مصدر رزق له ولأسرته، فأسس ما عرف مع الزمن بـ "بلوظة أبو نظمي" التي كانت جديدة على أهالي الخليل الذين جربوها واستحسنوها، فأقبلوا عليها، وبقيت باسمها الذي نشأت عليه رغم وفاة بذرتها.

 

"سيدي أبو نظمي، أسس بلوظة أبو نظمي بالخليل، وأنا وعيت عليه وهو يبيع البلوظة، وبعدها ورّثها لأبي، وأبي ورثني إياها، وأنا بقيت مستمر فيها لأني أحبها، فلم أستطع تركها خاصة أن أبي ورثني إياها عن جدي" قال حفيد أبو نظمي، مهند محمد منير أبو خلف.

 

حفيد أبو نظمي، مهند محمد منير عليان أبو خلف، 32 عاما، والد لابنتين وولد، بعد منتصف كلّ نهار، يشدّ بعضه، ويدفع عربته الصغيرة المروّسة بعبارة "بلوظة أبو نظمي"، متوجها لمنطقة باب الزاوية، وسط المدينة، حيث تعجّ بحركة المواطنين، وقبل أن يتمركز مكانه، يقبل عليه الكبير قبل الصغير، طالباً منه صحناً صغيراً حتى يتحلّى، وبأحيان ليست بالقليلة، يطلب صحناً كبيراً، حتى تتحلى العائلة عليه.

مهنّد، بخفّة عالية، يسحب الصحن الأبيض الصغير، ويضع فيه عدة ملاعق من وعاء البلوظة الكبير، ثمّ يرشه بالقطر ذو اللون العسليّ، ليكون بمثابة الفتاة البيضاء التي تتدلى خصالها الشقراء على كتفيها العاريين، ثم يضع ملعقة صغيرة، ويقدّمها للزبون، والأخير ينسى المارة بينما يستلذ على صحن بلوظة أبو نظمي الطيب.

 

"أمي تعد لي البلوظة، فهي مكونة ماء ونشا وحليب مبستر، والحليب يكون مبسترا لأن حليب البقر والغنم يعطيها لونا أصفرا وصلاحيتها الزمنية قصيرة، أما المبستر تكون أطول، كما تعد لي القطر الذي يكون لونه ذهبياً، بعدها تصبح جاهزة للبيع" قال مهند.

مهند يعمل في مجال الالكترونيات، لكنه يصرّ المحافظة على "بلوظة أبو نظمي" لأنها متوارثة عن جده، وكان الأخير قد شدد على أبيه قبل وفاته أن يحافظ عليها، ومهند يرى أن من واجبه الحفاظ على اسم جده، لسبب يذكره "بلوظة أبو نظمي لها تاريخ قديم، مثل شوربة سيدنا إبراهيم الخليل".