بـــدايـــة مــبــشــرة

2017-10-07 07:12:18

وصول حكومة الوفاق الى غزة بكاملها ومعها أطقمها الإدارية ومسؤولون عن سلطات ومؤسسات وطنية أساسية.
-  وصول الحكومة بترحاب حار واهتمام كبير وآمال اكبر من الكل الوطني ومن المواطنين. 
- وصول وفد أمني مصري عالٍ يرأسه وزير المخابرات، بما يؤكد استمرار انخراط مصر في عملية إنهاء الانقسام وضمانها لها وإشرافها على سيرها.
- تصريحات مسؤول حماس في غزة « يحيى السنوار» بمضامينها والتزاماتها وتوجيهاتها، وحتى لغتها المختلفة عن تلك الرجراجة حمالة الأوجه وكثيرة منافذ التراجع والنكوص.
- إجماع الكل الوطني على الالتزام بالسير مع قطار إنهاء الانقسام حتى محطته الأخيرة.
- وقبل كل ذلك وفوقه، الحالة الجماهيرية العارمة المؤيدة، المرحبة والمتفائلة.

كلها مؤشرات مبشرة وتؤكد الأمل.
 بوصول الحكومة الى غزة يكون قطار إنهاء الانقسام قد وُضع على سكته في محطة انطلاقه. وهناك مشوار طويل لا يخلو من المصاعب والعقبات، وربما الاختلافات، عليه ان يتخطاها للوصول الى محطته النهائية. فلم تكن اللجنة الإدارية التي شكلتها حماس لحكم غزة في آذار الماضي هي «الانقسام» حتى ينتهي بمجرد إلغائها وعودة حكومة الوفاق لممارسة مهماتها وولايتها. كانت اللجنة الإدارية، ذروة الانقسام وإعلانه الأكثر استفزازاً ومحطته التي ليس بعدها الا الانقسام الكياني. 

الانقسام كان، منذ اليوم الأول للانقلاب وطوال عشر سنوات من حكم حماس المنفرد والمطلق، قد ضرب جذوره عميقاً في ارض الواقع وكرّس قواه المحركة وأدواته، وبلور علاقاته وعاداته، ومعها قواه المتمسكة به والمدافعة عنه، لا فرق ان يكون دافعها وراء ذلك قناعة فكرية سياسية او مصلحة حزبية او منفعة  ذاتية.

ما أوصلنا الى هذه البداية المبشرة عوامل موضوعية عديدة تتعلق بالإقليم والتبدل في أدوار دوله وتحالفاتها وتوجيه إمكانياتها ودعمها، وتراجع المراهنات عليها.

وتتقاطع هذه العوامل، مع مؤشرات على متغيرات دولية تثير جدلاً متشككاً ومخاوف لدى الكثيرين حول سعيها وضع إنهاء الانقسام الفلسطيني في مسار رؤاها وبانسجام مع مخططاتها لمستقبل المنطقة بشكل عام ولحل الصراع العربي- الفلسطيني بشكل خاص، وأوضح الأمثلة على ذلك الشروط الفظة والمتطفلة للرئيس الأميركي، وشروط نتنياهو.

 لكن الشكوك والمخاوف، لا توقف اندفاعة قطار إنهاء الانقسام، ولا يجب لها ان توقفه، بقدر ما تستدعي مزيدا من اليقظة والحذر، ومن المصالحة والتوحد، التي تعزز القدرة على المواجهة. وتستدعي مزيدا من الوضوح في التمسك بالثوابت الوطنية في مجريات عملية إنهاء الانقسام.

ويبقى العامل الأهم في وصولنا للبداية المبشرة، ان الانقسام قد أوصلنا جميعا الى الحائط. وانه هو من اقنع من كان يرفض الاقتناع  باستحالة النهوض وتحقيق إنجازات وطنية على كل المستويات، وإخراج غزة وأهلها من الحال الكارثي الذي وصلت اليه، من موقع الانقسام والتمترس في خنادقه.

ويجوز لنا ان نضيف الى ذلك، توفر ارادة وطنية قوية  لدى الكل الوطني لانهاء الانقسام. وايضا، حصول انحياز واقعي لأولوية الوطني على حساب حركة بعينها وما كانت تفرضه من ارتباطات وبرامج.
لكي يبلغ القطار محطته النهائية، مطلوب من القوى المعنية بمباشرة المهمة وامتلاك قناعة وطنية فكرية وسياسية ووجدانية بضرورة إنهاء الانقسام وموجباته الوطنية والنضالية والمجتمعية والمعيشية ومطلوب منها التحلي بصبر أيوب، وإيمان تقي مخلص، وحكمة لقمان، وحذر ثعلب، ووضوح شمس الظهيرة، وصبر وإصرار الفلسطيني. 

فعشر سنوات من الحكم المنفرد للقطاع  كرس مجموعة من حقائق الأمر الواقع تشكل الآن عقبات يجب تذليلها.
فهناك عقبة الجهاز الإداري للحكم وعقبة جهاز الامن المشكلين بكليتهما من أعضاء ومناصري حماس، وبنيا على هدي برنامجها، وظلت قيادة الحركة هي مرجعيتهما، ويرتبط بذلك عقبة المعابر.

وهناك عقبة انقسام التشريع بين مجلس حماس التشريعي وتشريعاته، وبين القرارات الرئاسية بالتشريعات التي اصدرها الرئيس.

وهناك عقبة عدم تبعية القضاء في غزة للقضاء الفلسطيني العام. 

وهناك عقبة الموظفين ان لجهة اولئك المستنكفين، وان لجهة من وظفتهم حماس، وما يلحق بهذه العقبة من توابع.

ثم، وقبل كل ذلك، هناك العقبات ( بالجمع) المتعلقة بالمواطن واحتياجاته الحياتية الماسة، واحتياجه لحرية التعبير والاختيار، وللحريات المجتمعية عموما.

التغلب على العقبات المذكورة وغيرها يحتاج الى وقت، ويسير على خطين متلازمين: إنجازات ملموسة، وبناء الثقة.

عقبة وحدة السلاح ووحدة حامليه، لا يبدو انها ستكون من الأولويات الآن، بانتظار اجتماعات التنظيمات واتفاقها على العناوين الوطنية العامة.

بموازاة ذلك هناك العناوين الوطنية العامة، التي هي، في الوضع العادي، الإطار الطبيعي للتعاطي مع العقبات المشار اليها. وهذه العناوين محالة على اجتماعات الفصائل السياسية سواء تلك الثنائية او العامة.
 منها، عنوان حكومة الوحدة الوطنية التي تمارس ولايتها ومسؤولياتها على جميع أراضي السلطة الوطنية وجميع مواطنيها.

ومنها، عنوان الانتخابات العامة الدورية والشاملة للرئاسة والمجلسين التشريعي والوطني بكل تفاصيلها.
ويبدو هذا العنوان هو الاهم، فعدم اجراء انتخابات عامة دورية شكَّل طوال السنوات السابقة  تعدياً على واحد من اهم حقوق المواطن، حقة في انتخاب من يمثله ومن يحكمه، وحقه في تقرير خط سيره وإقرار القوانين والتشريعات التي تسيّر أُموره. 

وهناك عنوان البرنامج السياسي الموحد الذي يحدد مشتركات المسار الوطني بكل جوانبه. وعناوين أُخرى بالتأكيد.
لقد أكدت تجارب كثيرة سابقة ان لا اجتماعات «الأنتيم» الثنائية، ولا اجتماعات «مجمع الكرادلة» العامة، هي الأنسب لمعالجة هذه العناوين وضمان الوصول الى توافق حقيقي، ثابت ومستقر.
الأنسب والذي يؤمن افضل ضمان، هو المشاركة المجتمعية بأوسع ما يمكن، وانخراطها في صنع التوافق ومفرداته.

المشاركة المجتمعية المقصودة تعني مشاركة أوسع طيف ممكن من مكونات المجتمع المدني من نقابات واتحادات مهنية وجمعيات ولجان متخصصة وأكاديميين وشخصيات وطنية عامة فكرية وبحثية، وشباب ورموز نضالية وذات أدوار سابقة وتجارب.

فليكن ختامها مسكاً، وإنهاءً للانقسام بغير رجعة.