اسواق القدس التاريخية مهددة بالإغلاق

2018-01-01 08:58:35

رايــة: رند نمري-

يمكن ملامسة تاريخ وتراث مدينة القدس المحتلة بدخول سوقي العاطرين واللحامين في بلدتها القديمة. هنا في المدينة التي تقع في لب الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال الاسرائيلي، تبرز الأسواق التاريخية كعلامة لوجهها العربي التاريخي. لكن الاعوام الأخيرة هددت طابع هذه الأسواق بشكل متزايد وبات شبح الأغلاق يحوم حولها.

تعود المقدسيون على ارتياد وزيارة هذين السوقين يوميا لاقتناء حاجياتهم الضرورية من ملابس وفواكه مجففة وبهارات وعطور وأزياء وكل ما يتعلق بالقوت اليومي من سوق العطارين، واللحوم والدواجن والأسماك والمعلبات من سوق اللحامين.

ولا تنبع أهمية هذين السوقين التاريخيين من موقعهما في قلب العاصمة الفلسطينية فحسب وانما نظرا لما يوفرانه من حاجيات لا تتوافر بنفس القيمة والمواصفات لدى الأسواق الأخرى. فبالنسبة للمكان فان وقوع السوقين على مقربة من كنيسة القيامة له دلالات كبيرة في عملية استقطاب الزوار ومن هنا فإن الحركة السياحية سواء للراغبين بتأدية الصلوات في الكنيسة أو في المسجد الأقصى المبارك الذي تمر احدى طرقه بجوار هذين السوقين تعتبر نشطة وعلى مدار ساعات اليوم إضافة لرغبة المقدسيين والزوار على حد سواء للتوقف في أهم معالم ومحطات السوقين.

وعلى بعد أمتار معدودة ونظرا لأهمية المكان تاريخيا وجغرافيا تنتشر محلات فلسطينية تختص ببيع التحف الأثرية بما يشمل الخزف الفلسطيني والأزياء والعروض الخاصة بالثوب الفلسطيني والهدايا والمجسمات التي تعكس واقع ومعالم المدينة مثل قبة الصخرة وكنيسة القيامة ومجسمات المآذن وصور الشخصيات الدينية والتاريخية والمعالم الأثرية المهمة. 

وتفتح المحلات التجارية والبقالات المنتشرة في هذين السوقين أبوابها مبكرا أمام الزوار لتلبية رغباتهم وطلباتهم في مشهد تعودت عليه المدينة منذ سنوات طويلة جدا، فتجد البائع وائل صاحب الملحمة الشهيرة التي تتوسط سوق اللحامين ينادي على الزبائن بمكبرات الصوت ليحفزهم على شراء الخضروات والفواكه اضافة لما توفره بقالته من لحوم ودواجن وأسماك طازجة يوميا.

وعلى مدخل سوق العطارين تفوح رائحة البهارات التي تشتهر بها البلدة القديمة إضافة لمحلات الملابس والأزياء والتجهيزات البيتية حيث يرتادها الآلاف من المواطنين يوميا في مشهد يمتد لساعات طويلة.

ورغم الحركة التجارية النشطة في هذين السوقين الا أن تراجعا ملموسا طرأ على حركة الاستقبال فيهما في السنوات الأخيرة بسبب الظروف الراهنة واغلاق مدينة القدس عبر الجدار الفاصل الاسرائيلي وفصلها عن سائر مدن الضفة الغربية الأمر الذي تسببب بانخفاض عدد الرواد والزوار. كما ازدادت خلال السنوات الأخيرة الضغوط على التجار أمام ما تفرضه عليهم بلدية الاحتلال من مخالفات وضرائب باهظة أهمها ضريبة رسوم الأملاك المعروفة بالارنونا وهي أكبر ضريبة تفرض على أصحاب الأملاك والسكن. 

ويقول التاجر موسى الطوباسي الذي يعمل في بيع الملابس الرجالية وخصوصا بناطيل الجينز للشباب والذكور أنه اضطر قبل ثلاث سنوات الى اغلاق محله التجاري الواقع في سوق العطارين ونقله الى بلدة الرام شمال القدس وذلك هروبا من ضريبة الارنونا التي تصل حسب تصريحه الى عشرات آلاف الدولارات مما يستنزف التجار ويكبدهم خسائر مالية جسيمة.

ويفرض الاحتلال، بصفته المتحكم والمسيطر بالقوة على المدينة، إجراءات خانقة على تجار المدينة، عبر إغلاق المحال، وفرض الضرائب.

وتؤشر هذه الإجراءات على واقع خطير ومتجدد سبق أن انتشر في مدينة القدس في السنوات الأخيرة حيث يطمع المستوطنون في استغلال كل بيت أو أرض أو بقالة للسيطرة عليها في مسعاهم اليومي لتغيير واقع المدينة العربي الاسلامي المسيحي وتهويده واحتلال المكان الذي لا زال لغاية اللحظة يحتفظ بطابعه الفلسطيني التاريخي.

 يقول المواطن نبيه الباسطي وهو قائد لفرقة كشفية معروفة إن بلدية الاحتلال تمنع المقدسيين في البلدة القديمة وخصوصاً في منطقة السوقين المشار اليهما من البناء أو الترميم أو التوسع حيث فرضت عليه غرامة مالية باهظة بلغت 140 الف شيكل بالاضافة الى اجباره على هدم مشروع الترميم الأخير الذي أقامه ببيته.

وأمام الأطماع الاستيطانية الساعية لالتهام كل شبر من مدينة القدس وضمه الى ما يدعيه الاسرائيليون العاصمة الموحدة وبين ضرائب بلدية الاحتلال والانخفاض الملموس في الاقبال التجاري على المحلات والبقالات في هذين السوقين فان الأمور تتجه للأسوأ.

يقول وزير القدس ومحافظها المهندس عدنان الحسيني إن محاولات تهويد وضم مدينة القدس بأسرها للاحتلال تتواصل على مدار الساعة حيث الأطماع الاستيطانية وخصوصا في البلدة القديمة وسلوان وحائط البراق والمسجد الأقصى المبارك والبوابات التاريخية لمدينة القدس.

 وتجلت صورة هذه الأطماع والنوايا من خلال الاجتماع الأخير الذي عقد يوم الأحد الموافق الثامن والعشرين من أيار الماضي لحكومة الاحتلال في أحد الانفاق تحت المسجد الأقصى المبارك.

ويدرك الاحتلال الاسرائيلي جيدا أن بقاء الأسواق التاريخية التي تحفظ الطابع التاريخي الفلسطيني في المدينة، يقف حائلاً أمام تغيير هوية المدينة المقدسة الدينية والتجارية والثقافية، حتى وإن واصل خطة توسيع حدود المدينة وضم مستوطنات اليها لتحقيق أغلبية سكانية يهودية.