معركة الطابو.. أرض الضفة على الورق

2018-07-26 09:11:32

خاص- رايــة: فارس كعابنة-

إلى الجنوب الغربي من مدينة رام الله، تقع قرية الطيرة وهي واحدة من عشرات القرى الفلسطينية التي اقتطع جدار الفصل الإسرائيلي جزئا من أراضيها، وفي شتى أنحاء الضفة تقتطع مستوطنات الاحتلال أراضي الضفة بازدياد عامًا بعد عام.

تحت هذا الواقع الذي يفرض بقوة الاحتلال رغمًا عن محددات القانون الدولي، يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام تهديد خسارة أراضيهم، تحت تشريعات إسرائيلية، تستغل المسار المتردي لتسجيل ملكية الأراضي في فلسطين منذ أن كانت تحت الحكم العثماني.

في شهر 9 من عام 2017، اجمعت عائلات قرية الطيرة على مشروع تسوية الأراضي وهو مشروع أقرته الحكومة الفلسطينية بهدف تسوية ملايين الدونمات من الأراضي التي تبدو اوراق ملكيتها مبعثرة، اليوم يقول خليل عبد الجابر من مجلس قروي الطيرة إن قريته على وشك الانتهاء وتثبيت الملكية.

"كل قطعة أرض ستصبح مسجلة باسم صاحبها باوراق الملكية"، قال عبد الجابر لـ"رايـة"، مبديًا أمله في تسجيل 150 دونمًا أصبحت خلف الجدار في الجانب الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية.

مر تسجيل الأراضي في فلسطين بثلاثة مراحل تاريخية، الأولى كانت في العهد العثماني، إذ سيطرت العائلات الغنية على أراض الفقراء الذين لم يملكوا تكاليف عملية تسجيل أراضيهم، وهي الحقبة التي وضعت بداية مراحل الاستيطان الإسرائيلي.

تبعها مرحلة الحكم الأردني الذي تم خلاله تسجيل 40% من أراضي الضفة بأوراق ملكية "طابو"، قبل أن يطال الاحتلال كامل أرض الضفة في عام 1967، معلنا سلطته على الأرض ومن عليها، وتوقف عملية تسجيل الأراضي.

كان عدد المستوطنات في الضفة بعد ذلك العام ببضع سنوات، 11 مستوطنة، صار عددها في عام 2013، 144 مستوطنة، كلها بنيت بعد مصادرة أراضي الفلسطينيين في الضفة المحتلة، تحت ذريعة عدم وجود ملكية لهذه الأراض.

وتركز الاستيطان في المناطق الجنوبية تحديدًا في محافظة الخليل كذلك مدينة القدس، والأغوار.

يقول قاسم كنعان، احد المسؤولين في تسوية الأراضي، إن جنين هي الأقل بين محافظات الوطن من ناحية الاستيطان، يعود ذلك إلى كون مشروع تسوية الأراضي في العهد الأردني بدأ من شمال الضفة متجها للوسط ثم الجنوب، وحظيت محافظة جنين في الشمال بتسوية 94% من أراضيها، وإضفاء الملكية على تلك الأراضي.

لكن الاحتلال أنهى المشروع قبل أن يصل للجنوب وعديد من المناطق في الوسط، واستغله كنقطة انطلاق لمشروعه الاستيطاني في الضفة، عبر مصادرته الأرض بحجة عدم وجود الملكية تارة، وتارة أخرى تحت بند اعتبارها "أراض دولة".

في عام 2007 استأنفت العملية المتوقفة من قبل الحكومة الفلسطينية عبر سلطة الأراضي، وحتى عام 2016 انجزت عملية تسجيل ملكية 61 ألف دونم في الضفة، وهو رقم متواضع جدًا قياسًا بمساحة الضفة البالغة قرابة 5665 كلم مربع.

وفي عام 2016 وتحت عمليات استيطانية مكثفة شهدها ذلك العام، أطلقت الحكومة الفلسطينية مشروع تسوية الأراضي باهتمام أكبر، وأنشأت لهذا الغرض هيئة مخصصة مفصولة عن سلطة الأراضي، اطلقت عليها اسم "هيئة تسوية الأراضي".

إنها معركة على الملكية "الطابو".

تحاول الحكومة الفلسطينية تثبيت الأرض في وجه الاحتلال، ويعمل الأخير على اختلاق أية حجة لمصادرة أراض لصالح المستوطنين.

يقول كنعان لـ"رايـة"، إن الهيئة الجديدة انجزت 480 ألف دونم، بينها 130 الف دونم تم إصدار أوراق "طابو" فيها، والبقية تم مسحها ويجري العمل على إصدار "الطابو" فيها.

لكن قرابة 3 مليون و607 الاف دونم أرض في الضفة لا تزال غير مسجلة، ومن المتوقع أن يشملها مشروع التسوية.

"نتوقع أن يستغرق مشروع التسوية 6 سنوات أخرى"، قال كنعان.

وتعمل هيئة تسوية الأراضي المشكلة بقرار من الحكومة الفلسطينية مع المجالس القروية والبلدية لإقناع المواطنين بتسوية أراضيهم.

" في نهاية التسوية يتم اصدار أوراق طابو لكل قطعة أرض، لكن هناك مساحات شاسعة تذهب لخزينة الدولة لعدم وجود أوراق تثبت أصحابها"، يقول كنعان.

وتسعى الحكومة الفلسطينية لمكافحة تسريب الأراض للاحتلال عبر جهات تعمل لصالحه، يقول كنعان إن "عملية المتابعة للأرض سواء بيع أو رهن أو نقل إرث تتم في دوائر تسجيل الاراضي، وأي معاملة خارج سلطة الاراضي تعتبر باطلة... هذا ما نسعى إليه في هيئة التسوية".

تبدي قرية الطيرة اعتزازًا بانجازها مشروع تسوية أراضيها، "4500 دونم تم مسحها بالكامل ونحن في المراحل النهائية ننتظر اصدار أوراق الملكية" قال عبد الجابر.

في مقابل جهود الفلسطينيين لحماية أرضهم ومحاصرة الاحتلال قانونيًا تماشيًا مع الخط الذي بدأه الرئيس محمود عباس، وإلقائه جميع كرات المواجهة مع المحتل في أحضان القانون الدولي، يعمل الاحتلال الإسرائيلي على خط مواز.

فهو يقسم الأرض في الضفة إلى 3 أصناف: "ألف وباء وجيم"، ويرمي بكل ثقله في الأراضي المصنفة "ج" ، إذ يعتبرها تابعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية الكاملة، وفيها تجري أنشطة غير عسكرية إطلاقًا، إنما عمليات تهجير للفلسطينيين من القرى النائية والبدو لإحلال المستوطنين مكانهم.

وتبلغ مساحة الأراض المصنفة "ج" قرابة 3.3 مليون دونم، منها 2.1 مليون دونم تحتلها المستوطنات، وقد يفسر هذان الرقمان الصورة المعقدة لما يحدث في أرض الضفة.