السلامة المهنية للعمال..رقابة وتفتيش أم "ثقافة مجتمع"؟

2018-09-03 08:16:52

تقرير محمد مرار

أكثر من عشرين عاملاً، وسط بيئة تفتقر لأدنى مقومات السلامة المهنية، هذا ما عايناه برفقه فريق تفتيش من وزارة العمل في رام الله، خلال زيارة قاموا بها إلى إحدى المباني التي يجري العمل على إنشائها، للتأكد من التزام العمال وأصحاب العمل بشروطة السلامة المهنية.

هذه الزيارة التي تحمل رسالتي التحذير والردع للعمال وأصحاب العمل، تشكل واحدة من آلاف الجولات التي تقوم بها طواقم دائرة التفتيش في وزارة العمل سنوياً، للتأكد من الالتزام بالقوانين وتقليل نسبة حوادث العمل ومخاطرها، والتي لطالما أسفرت عن سقوط مئات المصابين والضحايا، آخرها وفاة  شابين بداية هذا الأسبوع في رام الله ونابلس.

العمال المتواجدون في المكان برروا عدم التزامهم بملابس الحماية، لارتفاع درجات الحرارة، وأن العمل لا يزال في الأساسات، ظناً منهم أن الخطر يكون فقط خلال العمل في الطوابق المرتفعة!.

هذه اللامبالاة من قبل العمال وصاحب العمل، تفسر استمرار وقوع مئات الحوادث كل عام، والتي يذهب ضحيتها العشرات.

وزارة العمل:  أعداد الإصابات في انخفاض

تقرير إصابات العمل الصادر عن وزارة العمل أظهر أن عدد الإصابات خلال العام 2017 قد انخفض بمقدار 3 إصابات عن العام الذي سبقه، موضحاً التقرير أن هذا الانخفاض لم يكن ليأت لولا ازدياد الحملات التفتيشية والتوعوية التي تقوم بها طواقم الوزارة في مواقع العمل الأكثر خطورة، والتي تسجل فيها إصابات عمل مرتفعة، لا سيما القاتلة منها.

ويبين التقرير أن عدد الإصابات المسجلة لدى وزارة العمل خلال العام الماضي بلغ  808 إصابة، منها 15 قاتلة في صفوف العمال، فيما بلغ عدد الإصابات المحقق بها 477 إصابة أي ما نسبته 59%، ويرجع التقرير سبب عدم التحقيق في بقية الإصابات إلى الإبلاغ المتأخر عنها .

ثقافة السلامة المهنية

مدير عام التفتيش في وزارة العمل علي الصاوي، الذي تواجد برفقتنا خلال الجولة، قال إن  السلامة المهنية مسألة "ثقافة مجتمع"، ومن دونها لا يمكن التقليل من نسبة الإصابات بالشكل المطلوب.

وأوضح الصاوي  أنه يجب أن تكون بيئة العمل كلها ملائمة للعمال، وأن لا يقتصر الأمر فقط على ارتداء الملابس الخاصة بالعمل، مشيراً إلى أن الخطة السنوية لدائرة التفتيش تنص على زيارات يومية للقطاعات المستهدفة مع التركيز على القطاعات الأكثر خطورة، وهما قطاعي الإنشاء والخدمات، مع عدم استثناء القطاعات الأخرى، مضيفاً أنه يتم أيضاً تكثيف هذه الحملات على قطاع معين في حال تبين وجود إشكالات عمل فيه، حيث جرى خلال العام الحالي إطلاق حملات مكثفة على عمالة الأطفال في مختلف محافظات الوطن.

الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، يرى أن الجهات المسؤولة عن تطبيق إجراءات السلامة المهنية للعمال في فلسطين، هي من تتحمل مسؤولية حوادث العمل، رئيس الوحدة القانونية في الاتحاد حسن البيك يقول إنها ارتفعت خلال الفترة الأخيرة على عكس ما تشير إليه تقارير وزارة العمل، موضحاً في حديثٍ لـ “راية" أن تلك الجهات هي وزارة العمل و الدفاع المدني والحكم المحلي ووزارة الأشغال العامة واتحاد المقاولين والاتحادات والنقابات.

أرقام مخالفة

وأرجع البيك  الارتفاع في إصابات العمل إلى ضعف تطبيق إجراءات السلامة المهنية، وعدم التفتيش على مواقع العمل ضمن آلية عمل مشتركة من الجهات ذات الاختصاص، على حد قوله، مشيراً إلى أنه تم تسجيل 30 حالة وفاة  بين العاملين في أراضي 48 و15 حالة وفاة في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الوطنية منذ بداية العام، وذلك في ارتفاع عن اليومين الماضيين.

ويرى البيك بأن الحل الأفضل يتمثل بتشكيل لجنة مشتركة يتم من خلالها تبادل الأفكار، مشيراً لوجود اجتماعات دورية مع وزارة العمل، دون تطبيق لنتائجها على الأرض.

أما عن الدور الرئيس للاتحاد يقول البيك، بأنه يتركز على التثقيف والتوعية والإرشاد والزيارات الميدانية للمواقع، إضافة لتقديم ورشات عمل متخصصة حول الصحة والسلامة المهنية من خلال طواقم متمكنة بهذا المجال.

قلة الوعي..العائق الأبرز

وبخصوص المعيقات التي تعرقل عمل طواقم التفتيش في وزارة العمل، قال الصاوي إن قلة وعي المواطنين وأصحاب العمل بأهمية اتباع إجراءات السلامة المهنية هي العائق الأبرز، بالإضافة إلى اتساع هذا القطاع ما يعتبر معيقا هاماً، حيث يوجد في فلسطين أكثر من 92 ألف منشأة، ولا يوجد عدد كاف من المفتشين لمتابعة العمل في كل تلك المنشآت رغم أن مجلس الوزراء وفر مؤخراً عدداً من المفتشين لصالح وزارة العمل.

وييبين الصاوي أن دائرته تبحث عن أساليب وأفكار مختلفة لتطوير عملها، كان آخرها خط الاتصال المباشر مع العمال على الرقم 119، حيث يمكن للعامل التواصل مع الدائرة في حال وجود أي بلاغ أو قضية، ما يمكن الطواقم المخصة من التحرك والمتابعة خلال ساعات الدوام الرسمي.

ويبين تقرير إصابات العمل  أن النسبة الأكبر في الإصابات خلال العام الماضي تركزت في قطاع الصناعات التحويلية، لكبر حجم العمالة فيه، حيث بلغت 30%، يليها القطاع الخدماتي بنسبة 29%، ومن ثم القطاع الزراعي 15% ، وقد لوحظ انخفاض عدد الإصابات في قطاعي الصناعة والبناء مقارنة بالعام 2016.