خطاب الرئيس محمود عباس بين القديم والجديد

2018-09-24 06:39:02

وفق السياسة التي ينتهجها الرئيس محمود عباس منذ توليه رئاسة السلطة الفلسطينية وهو يحافظ على سياسية الدبلوماسية الهادئة الت تحمل المباغتة السياسية، وهي نتاج أو ملمح فاعل بشخصية الرئيس عباس السياسية التاريخية التي يعتمد بها على النفس الطويل، والهدوء والثبات على قناعاته السياسية مهما تعرضت لإنتقادات أو هجمات، والهدوء في خطواته وإن حملت مصطلحاته الخطابية لغة هجومية عنيفة مع خصومه سواءعلى المستوة العام المتعلق بالجانب الإسرائيلي أو على المستوى المحلي الفلسطيني، ومن ثم تثوير ما يطلق عليه المقاومة الشعبية والتي أصبحت سبيلًا حتى لقوى المعارضة الفلسطينية، والتي نشاهدهافي صورتها الجلية فيما يطلق عليه مسيرات العودة التي أطلقتها قوى المعارضة في قطاع غزة مع الفارق في الأهداف المبتغاه من هذه المقاومة.

الخطاب السنوي الذي دأب الرئيس محمود عباس إلقائه على منصة الأمم المتحدة في معركته الدبلوماسية التي يخوضها منذ سنوات مضت ضد الكيان الصهيوني، سيشهد هذا العام اختلافًا حيث إنه سيواجه خصمًا إضافيًا هو الولايات المتحدة الأمريكية وبشكل مباشر اختلافًا عن السنوات السابقة التي كانت بشكل مباشر، فالولايات المتحدة الأمريكية ومنذ اعتلاء ترامب الإدارة الأمريكية دخلت بمواجهة مباشرة مع الرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية، وكذلك م ت ف بخطوات وقرارات غير مسبوقة حول القضية الفلسطينية، من أهمها نقل السفارة الأمريكية للقدس، ايقاف مساهمة الولايات المتحدة المالية للأونروا وللاجئين الفلسطينيين، إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، محاولات خلق وإنشاء شخصيات وكيانات بديلة للرئيس ومنظمة التحرير الفلسطينية، والضغوطات عبر قوى مرتبطة بالولايات المتحدة في ملف المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، والعديد من القرارات والمواقف والتي رغم قساوتها وخطورتها إلا إنها لم تسجل حتى راهن اللحظة تراجعًا في مواقف وسياسات الرئيس محمود عباس في العديد من القضايا والمواقف، ولم تأتِ أكلها في الإستراتيجيات العامة للسياسات الفلسطينية للرئيس محمود عباس الذي سيتوجه لنيويورك حاملًا عبء وضغوطات كبيرة سواء على المستوى المحلي الذي يتم تجيشييه ضد الرئيس عباس وسياساته وقراراته من قبل حركة حماس وقوى المعارضة، بل وللمرة الأولى يحسب على الفصائل الفلسطينية وقوفها ضد طرف فلسطيني في معركة أو مواجهة أو عدم دعمه مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، ويحسب عليها إنها تركت مساحة وهامش للقوى والشخصيات المهادنة والمطبعة في تفردها بالرئيس عباس وتزيد من حدة ضغطها عليه، أيضًا الضغوطات الإقليمية العربية التي تحاول استنزاف بعض المواقف من الرئيس الفلسطيني حول عملية السلام والعلاقة مع الكيان الصهيوني، كذلك الضغط السياسي والإعلامي الموجه إسرائيليًا ضد شخص الرئيس وسياساته، كذلك الضغوطات والإجراءات الأمريكية ضد القضية الفلسطينية برمتها، ورغم ذلك يحسب للرئيس محمود عباس أنه نجح وبشكل كبير في هجمته الديبلوماسية المرتدة بشأن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقدرته ونجاحة في ترك الولايات المتحدة الأمريكية وحيدة في هذا القرار، وعدم نجاح الكيان الصهيوني في اقناع حلفائه بنقل سفاراتهم للقدس، بل تراجعت بعض الدول عن قراراها السابق بنقل سفاراتها وإعاداتها كما كانت عليه، وهو ما يعتبر نجاحًا للديبلوماسية الفلسطينية وسياسات الرئيس محمود عباس الديبلوماسية.

أمام هذا الواقع المعقد والمتشابك ما الجديد الذي سيحمله خطاب الرئيس محمود عباس للأسرة الدولية في نيويورك؟ بكل تأكيد فأسلحة الرئيس محدودة، وهامش المناورة لديه محصور لذلك فهو لن يجد سوى استعراض المظلمة التاريخية التي تعرض ويتعرض لها الشعب الفلسطيني، والمظلمة السياسية التي تمارسها دولة الإحتلال والولايات المتحدة الأمريكية ضد حقوق الشعب الفلسطيني التي أقرتها وشرعتها المواثيق الدولية والأسرة الدولية، وضرب الكيان بعرض الحائط بكل هذه القرارات وبحقوق الشعب الفلسطيني رغم ما قدمته وتقدمة القيادة الفلسطينية من تفاهات وتنازلات على الصعيد السياسي منذ أكثر من عقدين، والهجمة الشرسة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني واللاجئ الفلسطيني من الإجراءات الصهيونية والأمريكية، وهي المباغتة المتوقعة أن يستند إليها الرئيس في خطابه أمام الأسرة الدولية.

يذهب الرئيس محمود عباس إلى الأمم المتحدة وهو مجردًا من العديد من الأسلحة التي كان يتسلح بها سابقًا وخاصة سلاح الضغط الشعبي والوطني والسياسي الفلسطيني الذي في المقابل يتم التحشيد له لقبول تهدئة مع الكيان في غزة على حساب استراتيجية الحل النهائي للقضية الفلسطينية، وكذلك مجرد من قوة برنامج وطني شامل يشمل كل الجغرافيا الفلسطينية، مما يضعف من مراهناته السياسية والديبلوماسية التي كانت ستحقق أكثر في حالة وحدة الصف الشعبي والوطني الفلسطيني، إلا  أنه في نفس الوقت يتسلح بسلاح قوي وهو حالة الرفض الإقليمية والدولية لقرارات وإجراءات الولايات المتحدة الأمريكية الأخيرة المتعلقة بالقضية الفلسطينية والدعم المالي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ومواقف الديبلوماسية العربية – الإسلامية التي لا زالت تشكل كتلة حية ضد تسريب الموقف الأمريكي – الإسرائيلي.

إذن فالخطاب القادم للرئيس محمود عباس هو أحد الخطابات الديبلوماسية المباغتة أو الإستعراضية للمظلمة التاريخية للشعب الفلسطيني والتي تستهدف الضمير العالمي الذي لا زال عاجزًا عن وضع نهاية لهذه المظلمة، ومن المتوقع أن تحدث نتائج إيجابية وتزيد من عزلة المواقف الأمريكية – الإسرائيلية في ظل حالة الرفض للواقع السياسي للمسالة الفلسطينية، وكذلك التفاعل مع سياسات الولايات المتحدة الأمريكية. وتبدو معالم هذه النتائج من فشل تمرير كل المشاريع سواء محليًا أو إقليميًا أو دوليًا دون موافقة وتأييد من الرئيس محمود عباس في الفترة السابقة، وهو ما يعزز ويصلب من قوة خطابه القادم أمام الأمم المتحدة.

كذلك من المستبعد إطلاقًا أن يعرج الرئيس محمود عباس إلى مسائل تتعلق بالشأن المحلي الفلسطيني، أو إتخاذ أي إجراءات كما يتناولها الإعلام المحلي مثل إعلان غزة إقليميًا متمردًا أو حل المجلس التشريعي الذي استعاض عنه الرئيس بترسيخ مؤسسات م ت ف وخاصة المجلس المركزي الذي اصبح السلطة التشريعية الفعلية في معركة الرئيس وهو له الكثير من الدلالات وعزل سلطات المجلس التشريعي، فاي خطوة مما سبق هي إضعاف للرئيس محمود عباس وسياساته الإستراتيجية وليس قوة، مع عدم استبعاد إتخاذ أي خطوات عقابية ضد حركة حماس في غزة.