لكل قصة روايتان - ما وراء "البنشر"

2018-11-18 09:54:30

قال أحد الحكماء لتلميذ له "إذا جاءك متظلم يشكو شخصاً ويدعي أنه فقأ له عينا فلا تحكم له بدون أن تسمع من الآخر فقد يكون الآخر مفقوء العينين معا".

لكل قصة روايتين، هذه حقيقة مُطلقة عادة ما نتناساها عند التعامل مع الخلافات ومواجهة المشكلات المختلفة. في فلسطين، عادة ما نسمع قصة مثيرة من طرف واحد، ودون الرجوع للطرف الثاني نأخذ القصة بروايتها المثيرة ونقوم بنشرها وتناقلها على نطاق واسع ومثال ذلك قصة البنشر الأخيرة في محافظة الخليل، بِغض النظر عن هوية الشخص وبِغض النظر عن الفاعل ومن يقف وراء نشر هذه الصور أو حقيقة براءة الرجل من الأحكام التي أطلقت عليه، علينا النظر لعاملين مهمين:

بداية: هناك حقيقة لا نستطيع تجاوزها وهي ارتباط الصورة أو القصة بالجنود الإسرائيليين، وهذا ما يرتبط بذهن وبتفكير كل مواطن فلسطيني بحيثيات التنسيق الأمني، لا سيما بعد أن أعلنت القيادة الفلسطينية عدة مرات نيتها علانية وفي اجتماعات هامة عن وقف كافة أشكال التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي إلا أنها عملياً لم تلتزم لأسباب عديدة لن نتناولها الآن! التنسيق الأمني موضوع مُستفز لكل مواطن فلسطيني ومتناقض مع الواقع ومع كل إجراءات الاحتلال المتكررة والاقتحامات والاعتقالات وكافة أشكال الذل والمهانة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في شتى أماكن تواجده، ولذلك لا نستهجن مشاعر الغضب والحقد تجاه من يتعامل مع الجنود مقابل كل الأعمال الوحشية والجرائم التي يعاني منها الشعب.

ثانياً: الموضوع الذي يجب أن نفكر به جدياً هو كيفية تداول القصة والطعن بوطنية صاحبها وإصدار وتداول أحكام حساسة تمس بسمعة الشخص دون الرجوع أو سؤال صاحب الشأن! فبناءً على الصورة في قصة البنشر أو "السبير" أو العمالة حتى، سموها كما شئتم، ليس المهم كيفية الوصف ولكن الأهم أننا تناقلنا الصور والقصة دون الرجوع لصاحب الشأن الذي قررنا أنه مُذنب، متناسيين أن القاعدة الأساسية في القانون أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته!

الانطباعات الشخصية، محدودية الذكاء أو الثقافة البعيدة عن البحث والتقصي كلها أمور تؤدي لتفسير وتحليل المواقف بشكل خاطئ. عادة ما نبرر أخطاءنا من خلال تعزيز الرواية السلبية عن الآخر وتسليط الضوء على أي شيء سلبي يقلل من مصداقية الطرف الآخر، وهذا ما حصل تماماً في قصة الخليل حيث عكس المروجون للصورة تواطؤ وعمالة، أي أبشع الصور في عيون المواطن الفلسطيني.

للأسف، أصبح الفيسبوك هو الوسيلة الرسمية للفضائح والتشهير والطعن في كرامة الأشخاص، لمَ لا والحقيقة أن لا رقيب ولا قانون ولا أخلاق تنظم عمل هذه الوسيلة؟! يتسابق نشطاء التواصل الاجتماعي للتبرع بمنشورات والخروج باستنتاجات ما هي إلا أحكام بعيدة كل البُعد عن تقصي الحقائق والتحليل العلمي للواقع، ونلاحظ أن أعداد مستعملي الفيسبوك في تزايد مستمر، إلا أن المؤثرين، ومن يصنفون أنفسهم كمثقفين في المجتمع الفلسطيني، ليسوا حريصين على المصلحة العامة ولا قلقين على المجتمع وغير مؤمنين بدورهم الفردي في إيجاد التغيير، وإلا لما تطوعوا لنشر الفضائح والطعن في سمعة الناس واستباحة كرامتهم ووطنيتهم.

من الطبيعي أن نجد أنفسنا حائرين أحياناً في تصديق رواية طرف ما، أحياناً نجد صعوبة كبيرة في إيجاد الحقيقة بين طرفين وبالتالي يتعذر علينا تعريف الظالم من المظلوم! ولكن أن نحكم على موضوع بالسماع من طرف واحد فهذا إثم. مرة أخرى فلنتذكر أن: لكل عملة وجهان ولكل قصة روايتان.