الغزيون يغرقون في "دوامة القروض"

2018-12-24 13:09:31

غزة– راية: سامح أبو دية

في ظل الوضع الاقتصادي المتردي في قطاع غزة؛ يلجأ المواطنون لشتى أنواع القروض من أجل سد احتياجاتهم المالية السريعة، دون ثقة بقدرتهم على السداد، وعدم الانتباه للمخاطر المترتبة على عدم الالتزام بتسديد قيمة القرض، ليصبح لاحقا أحد السيوف المسلطة على رقابهم.

البنوك ومؤسسات الإقراض، وفي إطار منافسة واضحة فيما بينها، باتت تُقدم اغراءات وتسهيلات لكافة شرائح المجتمع "موظفين وخريجين وحتى عاطلين عن العمل"، من أجل منح كافة أنواع القروض "الإنتاجية والاستهلاكية".

دوامة القروض

المواطن اياد أحمد اضطر الى اللجوء لقرضين، أحدهما من بنك والآخر من مؤسسة اقراض، وذلك لإعادة بناء منزله الذي دمره الاحتلال خلال الحرب على غزة عام 2014، مؤكدا عدم قدرته حاليا على السداد بسبب تدني أجور الموظفين وسوء الوضع الاقتصادي.

يقول المواطن أحمد (42 عاما): "بعدما انخفضت الرواتب الى 50% لم أستطع سداد أي قرض، وأصبحت معرضا إما للمحكمة أو السجن"، وأرجع السبب الرئيسي لما وصل إليه حاله الى "سوء اقتصاد غزة".

ويضيف: "ورغم تلك الظروف الصعبة، الا أن البنوك والمؤسسات لم تسهل آلية تسديد القروض، كما تفرض عملية الجدولة التي تزيد مدة السداد ونسبة الفائدة، ليبقى المُقترض في دوامة القروض ولا يستطيع الخروج منها".

قروض للغذاء فقط

أما المواطن رامي حسونة (40 عاما)، فقد اضطر للحصول على قرض إسكان عام 2006، وهو مازال يسدد فيه حتى اللحظة، يقول: "بعد أن ساءت الأوضاع الاقتصادية وانخفضت الرواتب، فقد تراكمت الفوائد لتصل الى 50% من قيمة القرض، ولم أستطع الوفاء بالسداد كما هو مخطط".

وعن سياسة جدولة القروض التي تنتهجها البنوك والمؤسسات، يضيف حسونة: "يدعون أنها سياسة من أجل راحة المُقترض، الا أن ما يحدث هو العكس، تزيد على المواطن الفوائد وسنوات السداد".

ويشير حسونة الى أن سوء الأوضاع المادية للمواطنين دفعهم للحصول على القروض "دون وعي"، وذلك من أجل "توفير الغذاء" وتوفير الأموال فقط، وليس للاستثمار وتطوير مشاريع وهو هدف القرض الأساسي.

توقف دورة رأس المال

من جهته، اعتبر المواطن خضر يوسف (37 عاما) أن المرحلة الحالية من الأعمال التجارية تعتمد بالأساس على القروض، مشيرا الى أنه اقترض مبلغا من أحد البنوك قبل 3 سنوات ونصف، لإنشاء مشروع صغير، الا أنه لم يُكتب له النجاح، وبالكاد يستطع السداد.

ووفق المواطن يوسف، فإن الوضع الذي وصل اليه بعد تعثر السداد، وسوء الاقتصاد وأصبح "مهينا جدا"، خاصة بعد توقف دورة رأس المال في قطاع غزة، ويضيف: "رغم ذلك الوضع، الا أن البنوك والمؤسسات لا تظهر أي تعاطف أو رحمة في التعامل مع المقترضين".

وأرجع السبب في عدم وعي الناس بمستقبل القروض والسداد، الى الحاجة الماسة لدي المواطنين للحصول على الأموال فقط، يقول: "المحتاج للنقود ليس لديه وعي، والفقير ليس لديه وعي، يفكر فقط في توفير أموال يحتاجها في وقت محدد، وهذه مشكلة القروض التي أودت بالكثيرين الى السجون".

الاستغلال وقلة الوعي

بدوره، عدد الخبير الاقتصادي عمر شعبان، أنواع القروض المختلفة قائلا: "هناك قروض للمشروعات الصغيرة والنساء والعائلات الفقيرة، وأخرى للتجار والسيارات والمباني، وهناك قروض طويلة المدى، فضلا عن قروض (عالمكشوف) وهذا النوع للتجار الذي يتعرضون للكشف ويضطرون للقرض من أجل الشراء".

وأوضح شعبان في حديث لـ"رايــــة"، أن حجم القروض في قطاع غزة كبير جدا وضخم ويمس جميع شرائح المجتمع، وهناك حالة تعسر عند معظم تلك الشرائح، فيما "يتم جدولتها مرة أخرى"، وهناك من يعتقل بسببها لعدم القدرة على السداد.

وأشار الى أن هناك حديث عن 600 تاجر متعسر وهم من كبار تجار قطاع غزة، فضلا عن رقم يُقدر بـ 40 – 50 مليون دولار شيكات مرتجعة خلال الربع الثالث من العام الجاري، معتبرا أن تلك الشيكات تندرج ضمن القروض.

 وأرجع شعبان تلك الحالة الى الركود الاقتصادي وانخفاض المرتبات سواء موظفي غزة أو موظفي السلطة في القطاع، فضلا عن تعثر المشاريع الصغيرة التي أنشئت بالقروض بسبب ركود الأسواق.

وأكد الخبير الاقتصادي أن جزء من المشكلة التي يعاني منها أهالي القطاع، وغرق جزء كبير منهم في القروض، يتحملها مؤسسات الإقراض التي تقدم اغراءات في البداية ثم ترفع عليهم قضايا، خاصة وأنها تتقاضى نسب فوائد عالية، أعلى من البنوك.

كما نوه الى أن تلك المؤسسات تستغل عدم معرفة الناس بعملية الإقراض، خاصة فيما يتعلق بالنساء وكبار السن والعاطلين عن العمل، وهم غير مطلعين كفاية، فيغرقون في تلك القروض التي قد تبدو سهلة وصغيرة، الا أنها تكبر بعد ذلك وتتحول لقضايا لدى النيابة والمحاكم.

وتشير نتائج مسح مراقبة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والأمن الغذائي أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن ثلث الأسر الفلسطينية حصلت على قروض/سلف/دين (خلال 12 شهرا الماضية)، تتوزع بواقع 21% من الأسر في الضفة الغربية و53% من الأسر في قطاع غزة.

وحاولت "رايــــة" التواصل مع المختصين في سلطة النقد الفلسطينية على مدى عدة أيام، إلا أن السلطة لم تستجب.