بلدية صفد الإسرائيلية تحوّل المسجد الأحمر إلى خمارة وصالة أفراح

2019-04-10 06:43:01

الناصرة - وديع عودة - المسجد الأحمر في مدينة صفد المحتلة عام 1948 واحد من أجمل وأعرق مساجد فلسطين، وتروي حالته الراهنة قصة المساجد المهجّرة في البلاد، بل تعكس النكبة الفلسطينية بكل معانيها من التطهير العرقي إلى تزوير هوية المكان.

هذا المسجد المملوكي في قمة جبال صفد سبق وأن انتهكت قدسيته مرة تلو المرة منذ نكبة 1948 ، في أولها تم تحويله لمدرسة دينية يهودية قبل أن يحول إلى مركز لحزب الليكود وحزب كاديما وإلى متجر ومخزن للملابس.

الآن ومنذ أيام تم تحويله على يد شركة اقتصادية تابعة لبلدية صفد إلى ناد ليلي وخمارة وقاعة أفراح، كما تبين خلال زيارة « القدس العربي « للمكان والذي تم تغيير تسميته من «المسجد الأحمر « إلى « الخان الأحمر « وذلك في محاولة لصرف الأنظار عن كونه مسجدا ومكانا مقدسا. يأتي ذلك بالتزامن مع محاولة الناشط خير طبري متولي أوقاف طبريا وصفد من قبل المحاكم الشرعية إنقاذ المسجد منذ سنوات. وما زالت محكمة الناصرة المركزية تنظر في دعوى قضائية قدمها خير طبري من أجل إخلاء المسجد واستعادته للأوقاف. وأرفق طبري مع دعواه القضائية وثائق تظهر ملكية المسجد الوقفية، وأخرى فيها تسعيرة الحفلة الساهرة والوجبات والخمور المقدمة فيها. ويدعو طبري الفعاليات السياسية والأهلية لزيادة اهتمامها والتعاون معه أكثر مما أبدته حتى الآن من أجل إنقاذ المسجد التاريخي من التزوير والانتهاكات.

السلطان بيبرس

ويتضح أن اللوحة الرخامية المثبتة في واجهة المسجد الذي شهد مذبحة ارتكبتها عصابات الهغاناه في النكبة وحملت تفاصيل بنائه، قد سرقت ضمن مسلسل الاعتداءات عليه.
وفي تعبيره عن غصة الزائر لصفد يوضح الناشط خير طبري لـ «القدس العربي» أن المشهد الأشد إيلاما فيها يتمثل في المسجد الأحمر الذي بناه السلطان الظاهر بيبرس إبان العصر المملوكي «وبات وكرا للشواذ والزعران وخمارة «، مشيرا إلى أن هذا المسجد الذي يستمد تسميته من حجارته الحمراء، يستخدم لاستعمالات عدة، لكنه موصد أمام المسلمين الذين يتعرضون لاعتداءات المستوطنين فور الاقتراب منه. ويستذكر أن المسجد لا يتميّز بجماليته وبالأعمال الفنية المتقنة التي يزدان بها مدخله فحسب، بل بكونه مدرسة هامة للفقه والحديث والعلوم في العصر المملوكي. ويتابع قائلا: «أصبت بالدوار حينما انتبهت داخل المسجد إلى آثار التخريب كما تدلل بقايا مقاطع من آية الكرسي التي أزيلت من فوق المنبر وثبتت مكانها الوصايا العشر بالعبرية».

ويوضح المؤرخ، ابن مدينة صفد المهجر، الدكتور مصطفى عباسي، أن هذا المسجد يستمد تسميته من حجارته الحمراء وله اليوم استعمالات عدة، لكنه موصد أمام المسلمين الذين يتعرضون لاعتداءات المستوطنين لمجرد زيارته. ويقول إن المسجد نادر بقيمته التاريخية والمعمارية، فقد بناه الظاهر بيبرس غداة احتلاله صفد في 1266 ، وتفيد لافتة حجرية مثبتة في مدخله أنه بني في 1276.

المسجد اليونسي

ولا يختلف كثيرا حال بقية مساجد صفد، فالمسجد اليونسي قد حوّلته بلدية صفد الخالية من العرب اليوم لمعرض للفنون وتحظر فيه الصلاة. وهذا هو أيضا حال المسجد اليونسي الذي بني عام 1319هـ ، حيث أزيلت من جدرانه مخطوطات عربية عدا لوحة رخامية نحت فيها الشعر:
هذا مسجد الله سطع نوره… مثل الكواكب في سماء المجد
لما رقت فيه العباد أرّخت… جاءت شعائر ديننا في المسجد
وقد حولت بلدية صفد الخالية من العرب اليوم المسجد إلى معرض للفنون والتماثيل النحاسية والرسومات، وتحظر فيه الصلاة أيضا. أما جامع الغار نسبة إلى غار سيدنا يعقوب المجاور (غار الأحزان)، فهو الآخر تكاد حجارته تنطق اشتياقا إلى أهله بعدما صار كنيسا. وهذا حال مسجد « بنات حامد « الذي يستخدم مركزا ليهود المجر، وربما حاله أفضل من جامع الصواوين المهجور أو من الجامع الجوقنداري الذي هدم قبل عشر سنوات، أو مسجد الجورة الذي هدم ولم تنج منه سوى مئذنته التي سرق هلال من البرونز كان مثبتا في قمتها قبل سنوات وهو يعرف أيضا بمسجد « الشيخ عيسى» أو مسجد « السويقة «، مسجد عائلة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وقد تعرض لعمليات نبش خطيرة في أسفل مئذنته.

عائلة عباس

وهذا ما تؤكده الحاجة خيرية حسن شريف أم فارس (84 عاما) من صفد والمقيمة في مدينة الناصرة منذ النكبة. وتشير إلى أن الشيخ أحمد الأسدي أشرف على مسجد الشيخ عيسى وتولى الإمامة فيه حتى عام 1948. كما تشير إلى أن ابن عمها أبو خير شريف اللاجئ في مخيم اليرموك كان مؤذن المسجد ويعتلي المئذنة أحيانا لتبليغ الأهالي بأمر طارئ كفقدان طفل. وتتابع «حينما كانت تحين ساعة الأذان كنت تسمع أصوات المؤذنين بوضوح بدون مكبر صوت بفضل ارتفاع المآذن». كما تلفت أم فارس إلى أن بيت عائلة الرئيس محمود عباس كان قبالة دار عمها محمود شريف، وما زالت تذكر الرئيس الذي عمل في تجارة الحليب والألبان.

مسجد الجورة

ويوضح المؤرخ د. مصطفى عباسي ابن مدينة صفد والمقيم في قرية الجش المجاورة، أن مسجد الجورة يتعرض منذ النكبة إلى اعتداءات متوالية، موضحا أنه كان جامع الحي المركزي في محلة الجورة، الحي الذي ولد وترعرع فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وكانت بعض قاعات المسجد استنادا إلى الصور التاريخية قد هدمت بعد احتلال مدينة صفد عام 48 حينما عّد سكانها بنحو 12 ألف نسمة، وفي عام 1988 هدمت بالكامل ولم يبق منه سوى مئذنة يتيمة وشق مكانه طريق، فيما استخدمت حجارته في بناء الجدران. ويشير الدكتور عباسي، الذي وضع كتابا عن تاريخ مدينة صفد في عهد الانتداب، إلى أن سكان حي الجورة والصواوين بمن فيهم عائلة الرئيس أبو مازن اعتادوا على صيانة المسجد والصلاة فيه، ومنهم والد الرئيس أبو مازن، رضا الحاج شحادة عباس. وأضاف « وأشرف على المسجد وتولى الإمامة في أيامه الأخيرة الشيخ أحمد الأسدي». أما بيت أسرة محمود رضا عباس فهو على بعد مسافة قصيرة، وتشغل طابقه الأرضي حاليا محال تجارية والطابق العلوي شقة سكنية، وهو بيت حجري جميل سطحه مغطى بالقرميد البني.

فور دخول مدينة صفد يلحظ الزائر منازلها العربية المهجورة أو المسكونة بمستوطنين يهود، ومساجدها التي حولت إلى حظائر وخمارات وكنس، بينما المقابر الإسلامية ساحة تعبث بها الأبقار.

عين الزيتون

على المدخل الغربي للمدينة التي هجّرت الصهيونية أهلها البالغ عددهم 12 ألف نسمة عام 1948 ولم تهدم منازلها، يطل مسجد عين الزيتون، وهو ينذر بما ينتظر الزائر من مشاهد مأسوية. وبعدما كان المسجد واحدا من أجمل مساجد صفد ويمتاز بوجود ينبوع داخله استخدمت مياهه للوضوء، وما زالت تتدفق حتى اليوم، تحوّل طابقه الأرضي إلى حظيرة حيوانات، بينما أصبح طابقه العلوي مخزنا، و تحولت مقبرة صفد «البرانية» الملاصقة له إلى مرتع للخيول والأبقار.

المصدر: القدس العربي