نتنياهو فاز.. ماذا نفعل؟

2019-04-12 09:13:48

مثل الطاووس يتفاخر الفائز بولاية خامسة لقيادة الائتلاف الحكومي بنيامين نتنياهو بين مؤيديه ومعارضيه، معلناً النصر على منافسيه في الانتخابات التي جرت قبل عدة أيام والتي جعلته أطول من احتفظ بمنصب رئيس الوزراء في تاريخ قيام الدولة العبرية. 

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد نتنياهو في السلطة وفعل المستحيل لإنقاذ صديقه "بيبي" من كل تهم الفساد الموجهة إليه، والأخير اشتغل بشكل جيد على استثمار كل الهدايا المقدمة من الولايات المتحدة للاحتفاظ بولاية جديدة في قيادة الحكومة الإسرائيلية.

ما الذي حدث وما هي أسباب فوز نتنياهو في الانتخابات؟ كان من المتوقع أن يفوز الرجل على كل منافسيه، ولو أنه غير متهم بقضايا فساد ولم يزج اسمه في محاضر الشرطة والاستجوابات لكان اكتسح منافسيه بفوارق كبيرة.

الرأي العام الإسرائيلي الذي بدا أنه منقسم بين حزب "الليكود" ونظيره "أزرق أبيض"، قرر أخيراً اختيار الأول، غير أنه أوصل رسالته لنتنياهو بعدم ارتياحه من تهم الفساد الموجهة ضده، ومع ذلك وجد مصلحته معه خصوصاً في قضايا جوهرية واستراتيجية.

عوامل كثيرة أوصلت نتنياهو إلى الفوز، لعل أبرزها تحول المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين وهو تحول تدريجي بدأ منذ اتفاقية أوسلو العام 1993 التي سبقها وصول حزب العمل إلى السلطة، لكن النتيجة كانت في اغتيال عراب أوسلو الإسرائيلي إسحق رابين على يد متطرف من أبناء جلدته.

إسرائيل احتالت على أوسلو بأن قتلته بشكل بطيء وفعل حزب "الليكود" ذلك، لكنه لم يكن وحده في الميدان حيث أطلقت كل الأحزاب الإسرائيلية رصاصة الموت على هذه الاتفاقية، والنتيجة أن المجتمع كان منسجماً مع أحزابه في فكرة رفض تقاسم فلسطين حسب قرارات الشرعية الدولية.

ويجوز القول إن الرأي العام الإسرائيلي يريد الاستفادة من نتنياهو في طرق استفادة الأخير من إدارة ترامب الحالية، خصوصاً وأن الرئيس الأميركي قال إنه سيفصح عن خطته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد الانتخابات الإسرائيلية.

ثم إن نتنياهو بنظر الإسرائيليين أبو الثوابت الإسرائيلية ومحافظ عليها بـ"الباع والذراع"، فلم يتخل عن المستوطنات في الضفة الغربية ومضى في تسمينها وبناء أخرى جديدة، كما مضى في بناء الجدار العنصري وخلق هوية يهودية للقدس على حساب الفلسطينية الأصلية، وأوقف المفاوضات مع الفلسطينيين بإجراءات عنصرية، وأسهم في إذكاء الانقسام الفلسطيني الداخلي لتعزيز مصلحة إسرائيل في قضايا الأمن والاستيطان.

العامل الآخر له علاقة بطريقة إدارة نتنياهو للملفات الاستراتيجية، إذ عمّق علاقته بترامب وحصل منه على امتيازات كثيرة كان آخرها هدية الجولان، ومن المتوقع أن نسمع عن امتيازات لاحقة لـ"بيبي" من بينها هدية فوزه في الانتخابات.

أيضاً سعى إلى الاحتفاظ بعلاقة جيدة مع روسيا بوتين، وهي علاقة تفيده عند تسوية الأزمة السورية، وبالتأكيد سيبقي على حبل الود موصولاً مع الرئيس الروسي، لأن له مصلحة في بقاء إسرائيل متفوقة على من سواها في الإقليم الشرق أوسطي.

بعد الانتخابات سيشكل "بيبي" حكومة ائتلافية من اليمين الإسرائيلي، وبعد ذلك سيتفرغ لترجمة "صفقة القرن" على الواقع، هذا إذا لم يكن يطبقها منذ سنوات أصلاً، إذ حين يؤكد يهودية الدولة ومن ثم يوسع الاستيطان شيئاً فشيئاً ويرفض عودة اللاجئين فهو يترجم هذه الصفقة.

وليس بعيداً أن يكون نتنياهو قد اقترح "صفقة القرن" على ترامب، حيث إنها بالتأكيد تخدم مصالح إسرائيل الاستراتيجية وتتجنب وتهضم مصالح الفلسطينيين، وإلا لماذا تعاقب الولايات المتحدة الأميركية السلطة الفلسطينية على رفضها سلام ترامب؟

ليس الخوف على الثوابت الفلسطينية من الولايات المتحدة الأميركية أو من إسرائيل وحدهما، لأن التاريخ يشهد على وقوفهما ضد الإرادة الفلسطينية، حيث ثمة خطر آخر على القضية من أهلها ومن محيطها الإقليمي والخشية أن تضغط واشنطن على العرب حتى يضغطوا على الفلسطينيين لتمرير الصفقة.

نتنياهو سيفعل المستحيل وربما يتحالف مع الشيطان من أجل تحقيق مصالحه ومصلحة إسرائيل، لأنه بالمحصلة الأخيرة لن يقبل بسلام يتضمن حقوقاً مشروعة للفلسطينيين من الحدود إلى القدس واللاجئين، وكذلك الحال بالنسبة لكل الأحزاب المصنفة من أقصى اليسار إلى يمين اليمين.

أما الفلسطينيون مع الأسف لا يزالون يستهلكون الكثير من وقتهم وطاقتهم في الخلافات الداخلية والجانبية، ولو أنهم كانوا موحدين ولم يصرفوا جهدهم على انقسام يتجاوز الأعوام العشرة، لكان الحال أفضل بكثير مما هو عليه الآن.

المرحلة المقبلة جد خطيرة على القضية الفلسطينية وهي مرحلة أقل ما يمكن القول عنها إنها مرحلة كسر العظم، خصوصاً أن الفلسطينيين يعيشون اليوم أسوأ أيامهم والحديث لا يقتصر فقط على انقسام داخلي وشتائم بين هذا وذاك، وإنما أيضاً وضع اقتصادي ومعيشي صعب للغاية.

ثمة محاولات للتضييق على الفلسطينيين ومحاصرتهم بالمال وغيره، وهي محاولات تستهدف تحطيمهم وتركيعهم وجعلهم أكثر قدرة على المرونة في التخلي عن ثوابتهم، ولذلك وجب الرد الفلسطيني على كل قرارات الرئيس الأميركي ترامب وعلى فوز نتنياهو بعقل فاهم ومفتوح.

الكل ينتظر الآن أن يكشف ترامب عن خطته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويدرك هذا الكل أن خطة الرئيس الأميركي ستتجاوز حقوق الفلسطينيين، والأولى أن تكون هناك خطة فلسطينية جاهزة للتعامل مع خطة ترامب، فهل فعلاً جلسنا وقررنا إذا ما كنا سنرفض الخطة وما هي البدائل وكيف سنواجهها؟
الحديث عن وحدة الحال ولفظ الانقسام الداخلي أصبح حلماً من الصعب جداً تحقيقه على الواقع، لكن ينبغي على القيادات الفلسطينية التي أنتجت هذا الانقسام أن تخترع خططاً للتعامل مع المرحلة المقبلة.

على سبيل المثال هل من الممكن تشكيل قيادة وطنية طارئة استجابة لظروف وعوامل دولية مستجدة؟ أو مظلة قيادية لحماية الثوابت الفلسطينية وعلى أن تكون فصائلية جمعية موحدة بوصلتها تتصل بالمخططات الإسرائيلية والأميركية، أو أقلها تقليل الكلف المترتبة على كلمة "لا لصفقة القرن"؟ وإلا سنبقى نقفز في الفراغ إلى أن تنكسر ظهورنا.