اليمين الإسرائيلي لم يفز بعد !

2019-04-19 19:39:50

في اللحظة الأخيرة ما قبل تكليف الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين لقائد الليكود بنيامين نتنياهو، بتشكيل حكومته الخامسة، ليدخل بها زمناً غير مسبوق في تاريخ رؤساء الحكومات الإسرائيلية من حيث طول المدة التي قضاها كرئيس للحكومة، وبعد إعلان نتائج انتخابات الكنيست الحادي والعشرين، وحيث أن التكليف بات مؤكداً لنتنياهو، وكذلك نجاحه في تشكيل الحكومة، اظهر زعيم "إسرائيل بيتنا"، افيغدور ليبرمان مستوى عالياً من الانتهازية السياسية، معتمداً على حالة التوازن الدقيقة في الخارطة السياسية، بإعلان رغبته في تقلد وزارة الدفاع، وهذا كان متوقعاً، لكن ما لم يكن متوقعاً هو أن يطالب بحقيبة أخرى، غاية في الأهمية وهي وزارة الداخلية.

وكما كانت استقالة ليبرمان قبل بضعة شهور سبباً في الذهاب إلى انتخابات مبكرة، سيكون سبباً على ما يبدو في حدوث أزمة جديدة أو في تجدد الأزمة الداخلية، حيث هدد قائلاً بأنه إن لم يحصل على وزارة الدفاع مع صلاحيات تتجاوز ما كان عليه حاله مع وزارة الدفاع في الحكومة السابقة، ومعها وزارة الداخلية فإنه سيجلس على مقاعد المعارضة أو سيدفع باتجاه الذهاب إلى انتخابات أخرى !

في الكنيست العشرين السابق كان عدد مقاعد "إسرائيل بيتنا" ستة مقاعد، ومع وجود أغلبية بسيطة لليمين تمثلت بواحد وستين مقعداً، لم يشارك ليبرمان في الحكومة، إلا بعد مرور عامين، لأنه اشترط وزارة الدفاع مقابل المشاركة، الأمر الذي تحقق له عند منتصف ولاية الكنيست العشرين، ولكن مع صلاحيات محدودة، حيث كانت قراراته خاضعة للمجلس الوزاري المصغر، حيث كان يصطدم مع وجود نفتالي بينيت الذي كان يريد وزارة الدفاع أيضا، بتحالف نتنياهو _ بينيت ضده، لذا بعد وقت قدم استقالته على خلفية التعامل مع "حماس" في غزة، والتي أفقدت الحكومة السابقة أغلبيتها المطلقة، وحصرتها في أغلبية محدودة بفارق مقعد واحد، سرعان ما تسبب ذلك في سقوطها عند طرح  قانون التجنيد.

اليوم وبعد تشكل الكنيست الحادي والعشرين، حصل إسرائيل بيتنا بقيادة ليبرمان على خمسة مقاعد فقط، لكنها كافية لأن تضع رقبة نتنياهو والليكود واليمين كله بين يديه، ذلك أن أحزاب الوسط واليسار والعرب حصلت على ما مجموعه 56 مقعداً، في حين فازت كل أحزاب اليمين والأحزاب الدينية بـ 59 مقعداً، وهي بحاجة ما لم تضطر إلى حكومة الوحدة الوطنية للتحالف مع ليبرمان.

أي أن مقاعد ليبرمان الخمسة باتت هي بيضة القبان، التي تضع اليمين ونتنياهو فجأة بين نارين، فإما الاتحاد مع أزرق_أبيض، في حكومة شلل أو توازن تفقد معها قدرتها على تنفيذ برنامجها السياسي، أو الخضوع لابتزاز ليبرمان، الذي بات يعرف قدره جيداً.

لا تنتهي المعركة الانتخابية في إسرائيل، إلا مع ظهور النتائج النهائية، ومثل هذا الأمر كانت إسرائيل قد مرت فيه طوال عقد ثمانينيات القرن الماضي، حين اضطر رئيس الليكود في ذلك الوقت اسحق شامير لتشكيل حكومة الرأسين مع شمعون بيريس، والتي انتهت بحدوث الانقلاب الانتخابي الشهير عام 1992، حين قلب اليسار الطاولة آخر مرة بعد نحو عقدين من حكم متواصل لليمين بتشكيل حكومة اسحق رابين التي عقدت اتفاق أوسلو بتحالف بين العمل (44 مقعدا وميرتس 12 مقعدا) مع شبكة أمان عربية بخمسة مقاعد حينها.

أي انه في ظل هذه المعادلة بوجود رأسين خاصة وأن قائمة الليكود و"ازرق أبيض" سارتا كتفاً بكتف، وفازتا بعدد متساو من المقاعد البرلمانية، يكفي لكتلة صغيرة مثل "إسرائيل بيتنا" أن تتحكم بالحكومة وأن تؤثر فيها بشكل لا يقل عن الكتلة الكبرى.

باختصار فإن نتنياهو سيكون مضطراً لشراكة حقيقية إما مع بيني غانتس أو مع أفيغدور ليبرمان، ولن يكون مطلق القوة في قيادة الحكومة القادمة.

وفي الحقيقة فان نجم ليبرمان الذي ظهر قبل عدة دورات انتخابية مستنداً على أصوات اليهود القادمين من دول الاتحاد السوفياتي السابق بعد انهيار جدار برلين، أي منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، ودخل بقوة الكنيست منذ الكنيست الخامس عشر، وبعد أن كان يحصل على عدد مقاعد بعدد أصابع اليد الواحدة، وصل ذروة قوته باحتلاله المكانة الثالثة بخمسة عشر مقعداً في انتخابات الكنيست الثامن عشر عام 2009، التي عاد بها نتنياهو مرة أخرى للحكم بعد احتلاله منصب رئيس الحكومة للمرة الأولى ما بين عامي 1996_1999، حيث ظهر كشريك وحتى كوريث محتمل لنتنياهو في رئاسة الحكومة، وكان يقول بهذا صراحة في ذلك الوقت.

المهم أن ليبرمان هذه المرة وبعد أن اجتاز نسبة الحسم بصعوبة، بفضل أصوات ناخبي غلاف غزة، قال صراحة وقبل إجراء الانتخابات الأخيرة بأكثر من شهر بأنه يريد وزارة الداخلية للحفاظ على أصوات المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي السابق، أي قاعدته الانتخابية الأساسية، لمواجهة ما أسماه سعي حزب "الترا أرثوذكس" أو جماعة المتدينين المتشددين، لوقف الهجرة من تلك الدول، حيث يقف ليبرمان مقابل الجناح الحريدي_القومي في اليمين خاصة إزاء قانون التجنيد الذي اعتبره شرطاً لمشاركته في الحكومة فيما التخلي عنه سيدفع به اختيار الذهاب إلى  انتخابات جديدة.

فيما مطالبته بالعودة إلى وزارة الدفاع مع صلاحيات تبدو بمثابة إعادة الاعتبار له، وفي ذلك، أي في عودة ليبرمان بهذه القوة درس ليس فقط للإسرائيليين، بل لـ "حماس" أيضا وحتى لرئيسها الذين احتفلوا باستقالته قبل بضعة شهور، معتبرين ذلك انتصاراً لهم، خاصة وانه بدأ ممارسة وظيفته كوزير للدفاع بالتهديد باغتيال إسماعيل هنية ورفاقه، ما يؤكد بأن المسؤولية السياسية لا بد وأن تأخذ بعين الاعتبار ما هو أبعد من رؤية ما بين القدمين، وان هندسة اليومي تحتاج أيضا لما هو استراتيجي حتى تقاد الدول والشعوب بطريق يصل إلى الأهداف، خاصة مع شعب مكافح مثل الشعب الفلسطيني يسعى لاحتلال مكانة بين الشعوب فيما هو قادم من الأيام، أما اليمين الإسرائيلي وان كان قد فاز بالانتخابات الأخيرة، إلا أن التناقض الداخلي بين يمين علماني ويمين ديني متشدد قد يكون صاعقا لتفجير التحالف غير المقدس بين مكوناته.