قبل مرور 100 يوم على الحكومة

2019-04-21 20:41:36

جرت العادة انتظار مرور 100 يوم على تشكيل الحكومات قبل اتضاح ملامح أدائها، لناحية تنفيذ برامجها وقيام استطلاعات الرأي العام بقياس رِضى المجتمع وحصولها على قبوله وثقته من عدمه. لكن بعض الملاحظات التي رافقت استهلال الحكومة الثامنة عشرة أعمالها، تدفع باتجاه عدم الانتظار، حرصاً على سلامة المسار، ونظراً لظروف الولادة القيصرية للحكومة "الفصائلية" وتعقيداتها، وبداياتها المربَكة التي ظهرت بشكل جليّ منذ اللحظة الأولى؛ بما وضعها أمام حَراجة اضطرارها حلف القسَم مرة ثانية، نظراً لخطأ "البروتوكول" في تقديم نصٍ انحرَف معيارياً عن النص المعتمد في المادة 35 من القانون الأساسي.

ربما يمكن تخطي تناقض مشاركة رئيس الحكومة في احتفال فوْز الشبيبة الفتحاوية في انتخابات "جامعة بيرزيت"، لوْ لم يُرافق هذا الاحتفال إطلاق الرصاص بما جعله يبدو كمن يعطيه شرعية وحصانة، مع أخذ الاعتبار انتقاد وإدانة المجتمع ونبذه المسلكيات المناهضة للقانون، ما وضع رئيس حكومة الشعب أمام مقارنات لا يحتاجها حول الطريقة التي سيتم التعامل فيها فيما لو فازت بالانتخابات كتلة أخرى، عدا عن انتقادات أخرى حول معاني الفوز في السياق العام!

من جانب آخر، التساؤلات عن التشكيل الحكومي ما زالت مطروحة بقوة في أوساط الرأي العام قبل مُضِيّ أسبوع واحد على القسَم وعلى عملية التسلم والتسليم، ومن هذه التساؤلات سؤال حول استبعاد ثلاثة فصائل أفصحت عن نيتها المشاركة في الحكومة بينما عمليّاً لم تشارك سوى أربعة فصائل؛ دون اتضاح سبب استبعادها عملياً عن التشكيل، الأمر الذي ينفي عن الحكومة صفتها "الفصائلية"!

وبتقديري ان المشكلة الأكبر التي بحاجة الى توضيح، تتلخص في موقف الحكومة من تكليفها بمهام سياسية ليست ذات صلة بصلاحياتها، فيما إذا كان يندرج في إطار استمرار نظام "الإحالات" المتّبع مؤخراً، إحالة القضايا الرئيسة المتخذ بشأنها قرارات من المجلسين الوطني والمركزي إلى الحكومة لتطبيقها، علماً ان الملفات السياسية الرئيسية كانت ويجب أن تبقى من صلب أعمال اللجنة التنفيذية، فللحكومة مهام رئيسية داخلية تنفيذية، ذات صلة بالوضع الوطني وانعكاسات سياسات الاحتلال على الشعب، ينبغي التركيز عليها، العمل على إدارة الملفات ذات صلة بحياة المجتمع وشؤونه اليومية.

وعليه، فإن سحب الاعتراف بدولة الاحتلال ليس من صلاحية الحكومة بل من صلاحية من وقَّع على وثيقة الاعتراف المتبادل، وهي اللجنة التنفيذية للمنظمة. وينطبق الحال على اتفاق التنسيق الأمني الموقع باسم المنظمة وليس من قبل السلطة الوطنية، وكذلك حول "بروتوكول" باريس الاقتصادي الموقَّع مع المنظمة وليس مع السلطة.

ضمن رزمة الإحالات المقرة من زاوية مبدأ الفصل بين السلطات والصلاحيات؛ تصبح اللجنة التنفيذية مَن عليه تقديم طلبات عضوية الدولة العاملة للدولة الفلسطينية، وهي مَن عليه متابعة طلب الدعوة للمؤتمر الدولي وحماية الشعب الفلسطيني وأرضه من الاحتلال، وجميع المهام السياسية الأخرى من اختصاص اللجنة التنفيذية ومنظمة التحرير الفلسطينية التي يسعى الجميع لتفعيلها وتمكينها من القيام بدورها.  

خلال المئة الأولى، الأولوية لتفرغ الحكومة لمتابعة مهامها الرئيسية على أساس مسؤولياتها وصلاحياتها، عليه فقط يتم قياس وتقييم الأداء والإنجازات، وهي مسؤوليات جِسام. على رأس المسؤوليات يقف التعامل مع الأزمة المالية الخانقة وعجز الموازنة في ضوء مصادرة إسرائيل أموال المقاصة، بما يملي إيلاء الاهتمام بأقصى درجات الحرص على دعم وتعزيز صمود الشعب على أرضه. الالتفات إلى أولوية تعزيز الثقة بين الحكومة والناس على أساس الحقيقة والاستحقاق، ومتابعة الملفات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والإعلامية والثقافية ومعالجة قضايا قطاع غزة المعقدة وبما يجسد فكرة حكومة الجميع في الخطاب والواقع. التركيز على مهام الإصلاح القانوني وفي النظام القضائي والحماية الاجتماعية والحريات العامة على قاعدة انضمام فلسطين الى عدد كبير من الاتفاقيات والمواثيق والوكالات الدولية، التي بدأ فعليا مواعيد تقديم التقارير، ولا زالت انعكاسات التوقيع تراوح في مكانها!

تجسير المسافات بين الناس والحكومة يتطلب تخفيف مظاهر الأبهة الديكورية والمظهرية، ويتطلب سياسة الأبواب المفتوحة مع الناس، وليس الدوارة التي تجسر المسافة مع الأوهام ولا تبعث على الأمل. وتجسير المسافات أيضا يعني بعث الحيوية في النظام السياسي، تحديد الفواصل والحدود المتماهية في الصلاحيات والمسؤوليات واحترامها.

 باختصار التحديات التي تواجه حكومة الدكتور "اشتيه" خلال المئة يوم الأولى من حياتها كثيرة وعديدة ومعقدة؛ كماً ونوعاً، وبالتالي على الحكومة ان تحدد أولوياتها ارتباطاً باحتياجات المجتمع وبصلاحياتها، وبقناعتي ان المجتمع بكل فئاته وتوجهاته سيكون شاكراً ومرحباً بهذه الحكومة إذا ما شعر انها تبذل جهداً حقيقياً يقربها من الناس، لمس المواطن جديتها في فكفكة الأزمات الخانقة التي يعيشها المجتمع الفلسطيني. والخيار لها في نهاية الأمر.