مريم ونعجاتها الـ 16

2019-04-28 16:44:10

الخليل- رايــة: طه أبو حسين

"حَلبتُ حليمة وابنتها، وحَلبتُ عفيفة وأم قلادة حمرة"، لغة الحوار التي تدور بين الحاجة مريم الأطرش وابنتها وهما تحلبان النعاج في الحظيرة وبمسمى بلدي (السيرة)، فتردّ ابنتها عليها "هاتِ أم قلادة زرقا بعد الحمرة لنحلبها يما". فكلاهما تحسنان حلب النعاج، وكلّ نعجة تحملُ إسمًا يميّزها عن الأخرى وذلك في محاولة لتنظيم عملية حلبهن، إستعدادًا لتصنيع منتجات عدّة، أبرزها (الجميد البلدي).

قبل الوقوف عند (الجميد البلدي الخليلي)، وهو محورُ قصتنا، إستوقفنا مشهد الحاجة مريم بينما كانت ترعى نعاجها وتنادي كلّ واحدة باسمها "عفيفة إنت وحليمة تعالِ هان.. كل نعجة أسميها بناء على اسم من اشتريتها منه، فأنا أربيها منذ زمن طويل، بدأت بتربية الماعز والآن النعاج".

منذ عشرين عامًا، الحاجة مريم الأطرش، 62 عاما، من خربة الطبقة قضاء دورا جنوب الخليل، عند مطلع شمس كل يوم، تنفض النعاس عن عينيها، تسرح مع نعاجها، لترعاها في الجبال القريبة. "أرعاها من الصباح حتى الظهر، ثم ترتاح الغنمات، فيشربن ماء، وأنا أرتاح حتى العصر ثم أعود لرعيها، ثم أحلب الغنمات أنا وابنتي، ثم نبدأ بالعمل لصناعة الجميد أو غيره".

منذ 20 عاما الحاجة الأطرش ترعى النعاج في الخليل

بالعودة لبذرة القصة؛ (لبن الجميد البلدي الخليلي)، كانت تضع الحاجة مريم في الخريطة الخاصة (قطعة قماش) ذلك اللبن حتى يتصفّى من الماء بشكل كامل ليدخل عملية التشكيل لأقراص تصبح جاهزة للإستخدام بعد نشافها.

إرتدت الحاجة مريم، كفين من النايلون، وبدأت عملية تشكيل أقراص الجميد من اللبن الذي خضع لمراحل طويلة من الإنتاج كما تقول "اللبن الجميد، يمر بخطوات، نحلب النعاج، ثم نغلي الحليب، ثم يبرد حتى يصبح فاترًا، ثم نضع عليه قليل من لبن المخيض، ثم نحركه كثيرا، ثم نتركه حتى يروب، ويحتاج ليلة كاملة، ثم نضعه بالثلاجة حتى يبرد، ثم نخضّه، بعدها نشيل الزبدة على جهة، واللبن المخيض على جهة".

بعد فصل الزبدة عن اللبن المخيض يدخل عملية تصنيع الجميد، خطوات لاحقة "نرجع نغليه (نقفّزه)، ثم نضعه بالخريطة (قطعة قماش)، ثم نديره، ثم يتم تصفيته من الماء بشكل كامل (الميص)، ثم نضعه بخريطة ثانية مع تمليحه، وبعندما تذهب كل الماء، يجف، فيصبح جاهزًا لرميه جميدًا، فنشكل الأقراص، ثم نضعه على لوح حتى ينشف بشكل كامل فيصبح جاهزًا للإستخدام".

منذ زمن طويل تقوم الحاجة مريم بصناعة الجميد البلدي

ببساطة معقدة، تلك هي مراحل تصنيع الجميد البلدي الخليلي، لكن كما يقال: لكلّ مهنة أسرارها، وسرّ الجميد الخليلي يكمن ببعض الشروط كما تقول الحاجة مريم "يشترط أن يستوي بشكل جيد في الخض حتى تخرج منه الدسمة، فبقائها يعني أن يصفر ويعفن ثم يتلف، فخضّه يعني خروج الدسمة من اللبن، نضعه بخريطة أولى ثم الثانية ثم الثالثة، ووضعه على لوح حتى ينشف بشكل كامل".

تلك الشروط ليست كفاية للحصول على الجميد الخليلي بجودة ولذة كبيرتين، فهناك عاملًا رئيسًا لضمانها يختصر بـ (الملح) "الملح يحفظ اللبن من العفن، ويجعل لونه أبيضًا، ويحفظه خلال عملية التخزين من التلف" قالت مريم.

مريم لا تأكل غير اللبن البلدي الذي تنتجه بيديها، والسبب توجزه" اللبن البلدي طعمه دسم ومذاقه لذيذ، وأنا أحب عمل الجميد، وأخزن لأولادي وأبيع ما تبقى".

الخليلية الأطرش تصنع الجميد بطريقة يدوية