هل تنسحب شركة كريم من السوق الفلسطيني؟

2019-05-26 19:15:20

لا يزال ملف شركة كريم الرائدة في خدمات حجز السيارات عبر التطبيقات الذكية في المنطقة يراوح مكانه في فلسطين، فبعد أن أعلنت الشركة الإقليمية دخولها السوق الفلسطيني قبل عامين، واجهت العديد من العقبات من أكثر من جهة، وعلى الرغم من دخولها في أكبر صفقة استحواذ في منطقة الشرق الأوسط على صعيد الاستثمارات التقنية، حين أعلنت شركة أوبر العالمية استحواذها على شركة كريم مقابل ثلاثة مليارات ومائة مليون دولار أمريكي، مع احتفاظ الأخيرة بعلامتها التجارية، ومواصلة مدثر شيخة أحد مؤسسي كريم ورئيسها التنفيذي بقيادة الشركة، بحيث تعمل كريم بشكل مستقل عن شركة أوبر؛ إلا أن هذه الصفقة والتي قد تحمل في طياتها مؤشرات واعدة لفلسطين وللمنطقة، لم تنجح على ما يبدو في تسريع ملف استثمار شركة كريم في فلسطين.

وفي الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد الفلسطيني تحديات غير مسبوقة من ضعوطات سياسية واقتصادية، فلا شك أن مواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية تتطلب جذب الاستثمارات الإقليمية والدولية بجهود فلسطينية ذاتية لتتمكن من تعزيز الاقتصاد المحلي وخلق فرص العمل. وعلى الرغم من توجيهات سيادة الرئيس محمود عباس للجهات الرسمية والمعنية بضرورة تشجيع الاستثمار في فلسطين، وتصريحات وزارة النقل والمواصلات حول ضرورة تنظيم قطاع النقل، إلا أنه لميتم التوصل إلى اتفاق مع شركة كريم يسمح باستئنافها العمل بشكل كامل في فلسطين والمساهمة في تطوير هذا القطاع، الأمر الذي يتناقض مع الحاجة الملحّة في هذا الظرف الحرج إلى جذب شركاء وحلفاء إقليميين ودوليين سيُسهم دخولهم إلى السوق الفلسطيني في دعم صمود ونمو الاقتصاد الوطني.

 

هل سيتم التوصل إلى اتفاق في عهد الحكومة الجديدة؟

وقد صرحت شركة كريم في أكثر من مناسبة، منذ دخولها السوق الفلسطيني،التزامها بالعمل بشراكة مع الحكومة الفلسطينية السابقة وكافة مكوّنات قطاع النقل في فلسطين، وعملت جنباً إلى جنب مع نقابات التكسي في عدد من المدن الفلسطينية لتعمّ الفائدة على الجميع من أجل تطوير قطاع النقل، وواصلت لقاءاتها خلال العامين الماضيين مع وزارة النقل والمواصلات ونقابات التكسي والنقل العام من أجل التوصل إلى تفاهم ما بين الشركاء وضمان حقوق كافة الأطراف وتحقيق الشراكة نحو تطوير قطاع النقل، إلا أنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق خلال فترة الحكومة السابقة على الرغم من استعداد الشركة تقديم عروض سخية للنقابات الممثلة لقطاع النقل ولمكاتب التكسي.

ومع تأكيدها المتواصل التزامها بتعزيز التعاون مع الحكومة الفلسطيني، لربما تتطلع شركة كريم إلى إنجاز هذا الاتفاق في ظل الحكومة الفلسطينية الجديدة، والتي أعلنت توجهها نحو تعزيز الاستثمارات والنهوض بالاقتصاد الوطني بالاعتماد على الذات ومحاربة البطالة والفقر وتمكين قطاعات الريادة والتكنولوجيا وغيرها من القطاعات، واستحدثت وزارة الريادة والتمكين لدعم المبادرات الريادية. وفيما لو جرى إتمام الصفقة مع شركة كريم فسيبرهن ذلك على قدرة الحكومة الفلسطينية على جذب المستثمرين الإقليميين والدوليين بجهود ذاتية متحررة من الضغوط السياسية والاقتصادية عليها، فهل سترى هذه الصفقة النور في ظل الحكومة الجديدة؟

 

خياران أمام شركة كريم أحدهما الانسحاب!

ورغم أن الوضع السياسي السائد يُعتبر على رأس أسباب عزوف المستثمرين العرب والدوليين عن الاستثمار في فلسطين كونه يشكل مخاطرة كبيرة؛ إلا أن شركة كريم أصرت على الاستثمار في السوق الفلسطيني لتتلقى بعد ذلك معيقات إضافية قد تشمل الإجراءات البيروقراطية وتخوّف ممثلي قطاع النقل من نقابات النقل والتكسي، إلى جانب قرار النائب العام بمنع خدماتها عبر المركبات الخاصة، وعدم توفر بيئة قانونية تسمح بدخول مفهوم النقل التشاركي إلى فلسطين.

وكانت وزارة النقل والمواصلات قد صرحت أنهالم تمنح شركة كريم تراخيص العمل مع المركبات الخاصة في فلسطين. وبناء على التحديات التي أحاطت بإطلاق الشركة لخدماتها في فلسطين، فإنها اليوم أمام خيارين اثنين، لكنهما يحملان رسالة واحدة إلى أي جهة استثمارية أخرى مترددة بشأن الاستثمار في فلسطين؛ ومفادها أن الاستثمار في فلسطين صعب ولربما مستحيل.

أما الخيار الأول فهو مواصلة تقديم خدمات النقل بشكل محدود بحيث يقتصر تقديم خدمات النقل بالتعاون مع مكاتب التكسي في مدن محدّدة، الأمر الذي يتعارض مع رؤية الشركة الاستثمارية ولا يتوافق مع مبادئ استدامة أي استثمار في أي بلد كان. ويتمثل الخيار الثاني في الانسحاب من السوق الفلسطيني على ضوء التعقيدات التي تقف أمام استثمار الشركة الإقليمية والتي تُعدّ إحدى أكبر المنصات التكنولوجية الإقليمية، وهي تقود اليوم الريادة في خدمات النقل عبر التطبيقات الذكية على نطاق واسع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفي الباكستان وتركيا.

إن المُلفت في الأمر، وضع معيقات أمام استثمار شركة إقليمية في فلسطين، وهي التي تُعدّ من الشركات القليلة التي نجحت في تحقيق انتشار واسع في دول المنطقة ونموٍ متسارع خلال 7 سنوات من تأسيسها، وبلغ رأس مال الشركة قبيل صفقة استحواذ شركة أوبر على كريم؛ أكثر من 2 مليار دولار أمريكي، وهي توظف اليوم أكثر من مليون كابتن في أسطولها الذي يمتد في 120 مدينة و15 دولة، وتخدم أكثر من 33 مليون مستخدم في المنطقة.

 

تداعيات انسحاب شركة كريم من فلسطين

وإن كان خيار الانسحاب من السوق الفلسطيني هو الخيار المتبقي لشركة كريم، فقد يعني ذلك حرمان المواطن الفلسطيني من الحصول على خدمات نقل متميزة ورفيعة الجودة بالاعتماد على التكنولوجيا والتطبيقات الذكية شأنه شأن شعوب أخرى في المنطقة والعالم. كما يعني تفويت فرصة الشراكة الحقيقية ما بين وزارة النقل والمواصلات وشركة ريادية إقليمية تقود تطور النقل الذكي في المنطقة، وقد أعلنت الشركة استعدادها لتقديم الحلول المبتكرة لتنظيم قطاع النقل في فلسطين، إلى جانب النقل الجماعي عبر إدخال خدمة الحافلات بالاعتماد على التطبيقات الحديثة، وهو ما يتوافق مع تصريحات وزارة النقل والمواصلات بضرورة تطوير خدمات النقل الجماعي، والتي تُعدّ إحدى التحديات الكبيرة التي تواجهها الوزارة من أجل تطوير منظومة النقل الشاملة في فلسطين. 

وكانت شركة كريم صرحت عن مسعاها إلى توفير أكثر من 5 آلاف فرصة عمل جديدة في السوق المحلي خلال السنوات القادمة في حال أطلقت خدماتها في كافة المدن الفلسطينية، وذلك وفق دراسات سابقة أجرتها الشركة، واستناداً إلى تجربتها في عدد من أسواق المنطقة ومنها المملكة الأردنية الهاشمية، حيث نجحت كريم في توفير أكثر من 10 آلاف فرصة عمل في الأردن، مساهمةً في رفد خزينة الدولة بملايين الدنانير منذ دخولها السوق الأردني، لاسيما وأن فرص العمل التي ستسهم الشركة في إيجادها لا تقتصر فقط على خدمة النقل التشاركي، بل تشمل خدمات النقل الجماعي وتوصيل الطعام ومشتريات الزبائن والدفع الإلكتروني بالإضافة إلى مركز خدمات الجمهور على غرار مراكز خدمات الجمهور التي افتتحتها الشركة في الأسواق التي تعمل بها في المنطقة.

وفيما لو اضطرت شركة كريم إلى اتخاذ قرار الانسحاب، فقد يعني ذلك خسارة نقابات التكسي والنقل العام للشراكة مع شركة كريم والتي ستجلب معها الخبرات الفنية لتسهم في تطوير قطاع النقل، وتعزيز إيرادات هذا القطاع بما يشمل إيرادات النقابات الممثلة لقطاع النقل ومكاتب التكسي والأفراد العاملين في هذا القطاع. وسيترتب على خيار الانسحاب؛ خسارة فرصة رفد خزينة الحكومة الفلسطينية من خلال سداد الشركة لما سيترتب عليها من رسوم وضرائب شأنها شأن أي شركة إقليمية أو دولية تستثمر في فلسطينمقابل تمكينها من الاستثمار في السوق الفلسطيني.

كما سيتعرض القطاع الخاص الفلسطيني لخسارة مستثمر إقليمي سيسهم دخوله إلى فلسطين في توجيه أنظار المستثمرين الخارجيين والشركات متعددة الجنسيات للاستثمار في فلسطين، سيما وأن شركة كريم ستجلب معها الخبرات الاستثمارية والتقنية والرؤى الاستثمارية الحديثة في العديد من القطاعات كقطاعات الريادة وتكنولوجيا المعلومات، وتعزيز القطاع المصرفي عبر تشجيع خدمات الدفع الإلكتروني، وقطاعي التأمين واستيراد السيارات.

 

رأي رجال الأعمال وتكنولوجيا المعلومات

يؤكد رجل الأعمال المهندس أسامة عمرو رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين أن احتضان فلسطين لاستثمارات عالمية لا بد أن يحقق أثراً إيجابياً على الاقتصاد لاسيما من حيث تقديم خدمة جديدة يستفيد منها المواطن وتسهم في تسهيل شؤون حياته، كما أن وجود شركات إقليمية وعالمية في السوق الفلسطيني سيعود بالفائدة على المطورين ورجال الأعمال الفلسطينيين من حيث اكتساب خبرات جديدة. مضيفاً أن هذه الاستثمارات ستسهم في توفير فرص عمل جديدة. ولفت عمرو إلى ضرورة تهيئة البيئة الاستثمارية لدخول استثمارات وخدمات جديدة لم يتعامل معها الاقتصاد الفلسطيني في السابق، وذلك عبر سن القوانين الناظمة لمثل هذه الأعمال والخدمات من أجل تحقيق الاستفادة للدولة وللمواطن على السواء. موضحاً أن وجود استثمار إقليمي أو دولي سيسهم في رفع سقف المنافسة نحو تطوير وتحسين الخدمات المقدمة للمواطن خاصة في ظل توفّر القوانين والتشريعات الناظمة لهذا القطاع.

ويرى عمرو أن عرقلة عمل شركة إقليمية أو عالمية في فلسطين قد يبث رسالة سلبية، لأن العالم منفتح على الأفكار والمبادرات الاستثمارية، واقتصادنا الفلسطيني هو اقتصاد منفتح كذلك، ويُفترض أن نتيح الفرصة للشركات العالمية للاستثمار في فلسطين من أجل إحياء اقتصادنا، وذلك يتطلب جذب الاستثمارات لا أن نتسبّب في تنفير المستثمرين من خارج فلسطين.

ومن منظور تكنولوجي ريادي، يرى د. يحيى السلقان مدير عام شركة "جافا.نت" للبرمجيات والرئيس السابق لمجلس إدارة اتحاد شركات أنظمة المعلومات الفلسطينية (بيتا)، أن ملف كريم يواجه قضيتين أساسيتين، فالأولى تتمثل في البيئة التشريعية والقانونية للتعامل مع التطبيقات والتي تُعتبر تكنولوجيا حديثة تجسد التطور الطبيعي والمتسارع للتكنولوجيا حول العالم، ومن المفترض أن نتوقع مثل هذا التطور. ويضيف السلقان أن أي تطوّر تكنولوجي لم يعالجه القانون بعد، يجب دراسته، ويفترض أن يتم الانفتاح على مثل هذا التقدم التكنولوجي ما لم يشكل خطراً على الأمن القومي أو على الاقتصاد الوطني، ومن ثمّ ستتم معالجة مثل هذا الملف من ناحية القانون والبيئة التشريعية، حيث يجب أن تكون البيئة الاستثمارية في فلسطين بيئة عصرية وأكثر انفتاحاً بحيث تستوعب التكنولوجيا المتقدمة والتي ستساهم في إنعاش قطاعات وشرائح واسعة، مشدداً على ضرورة الانفتاح على أي تكنولوجيا تخفف العبء عن شعبنا، فخدمة متقدمة مثل تطبيق كريم، سيكون المستفيد الأول منها هو الجمهور الفلسطيني خاصة عندما تتوفر التشريعات لتطبيقات النقل بالمركبات الخاصة.

أما القضية الثانية، فيؤكد السلقان أن قطاع تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات الفلسطيني يشجع ويرحب بأي مستثمر خارجي سيساهم في تطوير قطاع التكنولوجيا الفلسطيني، وبحكم طبيعة الظرف السياسي المعقد لاسيما فيما يتعلق بالانفتاح على العالم، فإنه من الأولى أن نفتح الباب أمام الشركات الإقليمية لتتمكن من الاستثمار في فلسطين، في حين أن وضع عقبات أمام هذه الشركات سيزيد الوضع تعقيداً في خضم مرحلة معقدة أصلاً، لذا يجب أن تكون فلسطين أكثر الدول احتضاناً لمثل هذه الاستثمارات. ويرى السلقان أن التطور التكنولوجي هو تحصيل حاصل، فإما أن نكون السباقين، أو أن الجمهور نفسه سيفرض رأيه بهذا الخصوص.

 

ما هي الرسالة التي نريد توجيهها إلى المستثمرين الإقليميين والدوليين؟

قد يبعث انسحاب شركة إقليمية اندمجت مع أكبر الشركات العالمية الرائدة في تطبيقات النقل، وتضم مستثمرين عرب ودوليين من المملكة العربية السعودية وأوروبا واليابان وغيرها من الدول، ويتطلعون إلى الاستثمار في فلسطين على الرغم من حجم التحديات والخصوصية التي يتسم بها السوق الفلسطيني؛ برسالة سلبية تشكّك المستثمرين في المنطقة والعالم حول إمكانية الاستثمار في فلسطين، ومستوى الإجراءات المتّبعة لجذب وتحفيز المستثمرين، في الوقت الذي يُعتبر فيه دخول شركة مثل شركة كريم إلى السوق الفلسطيني فرصة يجباغتنامها واستثمارهامن قبل وزارة الاقتصاد الوطني وهيئة تشجيع الاستثمار الفلسطينية،ووزارات المالية وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والعمل، وذلك لتشجيع جذب مزيد من الاستثمارات إلى فلسطين من أجل المساهمة في تحصين الاقتصاد الوطني وخلق مزيد من فرص العمل لمواجهة البطالة المتزايدة لاسيما في هذه المرحلة الصعبة.

ولربما حان الوقت لمراجعة سياسات جذب الاستثمار إلى فلسطين، والدخول في شراكات طويلة الأمد مع كبار المستثمرين في المنطقة العربية والعالم، فالمطلوب اليوم في هذه المرحلة بالذات ونحن نواجه مؤشرات سياسية واقتصادية خطيرة، أن نتمسك بالفرص والخيارات الكفيلة بدعم صمود الاقتصاد الوطني، وأن نتلقّف المبادرات الاستثمارية ونرحِّب بالمستثمرين العرب والدوليين إلى جانب المستثمرين الفلسطينيين في المهجر والشتات، وأن نتجنب بث رسائل تنفّرهم من الاستثمار في فلسطين، في الوقت الذي نواجه فيه تحديات خطيرة تمس بالاقتصاد الوطني وبالمواطن على السواء.