الزيادة غير القانونية لرواتب الوزراء

2019-06-10 07:50:36

كُتب الكثير في موضوع الزيادة غير القانونية في رواتب الوزراء ولا أريد أن أكتب عن هذه الزيادة وإنما عن الأبعاد القانونية لها والمؤشرات التي تحملها وما يدور في فلكها وخطورة ذلك على مجمل الوضع الفلسطيني الهش في ظل غياب سيادة حكم القانون نتيجة الانقسام وتعطيل المجلس التشريعي والاستيلاء على صلاحيات السلطة التشريعية من قبل السلطة التنفيذية التي تبنت مبدأ " الدمج بين السلطات". 

وأقول بداية أن كل ما صدر سواء عن رئيس الحكومة السابقة أو مصادر الحكومة الحالية لم ينف وقوع هذه الزيادة بل أكدها ولكنه اختلف في التخريج القانوني لها وفي تقدير حجم الأهمية المترتبة عليها. وما فهمته من توضيح رئيس الحكومة السابقة د. رامي الحمد الله هو أن عددا من الوزراء توجهوا بكتاب للرئيس وأن الرئيس استنادا الى كتابهم قرر زيادة الرواتب بمعل ألفين دولار شهريا لكل واحد منهم بما في ذلك رئيس الوزراء نفسه الذي قام بدوره بتطبيق تعليمات الرئيس !.

استخفاف بالقانون أم جهل فيه

وأول ملاحظة  يمكن أن أسجلها هنا هي أن هذا التصرف من قبل هؤلاء الوزراء الذين توجهوا للرئيس وطلبوا زيادة رواتب الوزراء يعكس مدى احترام هؤلاء الوزراء للقانون أو فهمهم لمفهوم سيادة حكم القانون. فالقانون المطبق وهو القانون رقم 11 لسنة 2004 يحدد رواتب أعضاء المجلس التشريعي والوزراء والمحافظين. وتجاهل هذا القانون وتعديله بورقة موقعة من الرئيس هو أمر في غاية الاستخفاف بالقانون والاستهتار به والتصرف من فوقه من قبل وزراء كان المفروض أن يكونوا هم الحراس المكلفون بحماية القانون والحرص على تطبيقه. 

وإذا كان هؤلاء الوزراء ، وربما بحكم إساءة استخدامهم للعلاقة المميزة لبعضهم بالرئيس ودالتهم عليه ، لا تعفي رئيس الوزراء من مسؤولية مخالفة القانون حتى ولو كانت هناك ورقة موقعة من الرئيس لأن من واجب رئيس الوزراء في هذه الحالة أن يكون الناصح الأمين للرئيس وأن يجنبه الحرج والإحراج بأن يلفت انتباهه الى حقيقة أن هذه الورقة مخالفة للقانون . ويقينا أنه لو فعل ذلك لكان الرئيس عباس قد استدرك الأمر وأوقف العمل بتلك الورقة لأنه وفي غمرة انشغاله في زخم الشؤون العامة بحاجة الى " فيلتر" ينبهه كلما رأى أن من الأمانة فعل ذلك. 

وفي نفس الوقت فإنه لا يوجد ما يعفي بقية الوزراء الذين لم يتوجهوا للرئيس من المسؤولية فقد كان الأولى بهم أن يرفضوا زيادة غير قانونية تُعرضهم للمساءلة طال الزمان أو قصر.

الخلط بين الوزير والموظف بدرجة وزير

وطالما أن الحديث يدور عن الوزراء فإنه لا بد من الإشارة الى أنه هناك خلط فاضح بين منصب الوزير وهو منصب سياسي ، وبين منصب الموظف بدرجة وزير. فالوزير هو منصب سياسي يتغير بتغير الوزارة ويتمتع الوزير بكافة الحقوق والامتيازات التي يقرها القانون ، وأما الموظف بدرجة وزير فهو موظف يخضع لقانون الخدمة المدنية ودرجة الوزير هي فقط لتحديد الراتب ولا يجوز أصلا ً أن يُطلق عليه لقب وزير. ومع ذلك فإن المتتبع لوسائل الإعلام يلاحظ أن هؤلاء الموظفين بدرجة وزير يطلقون على أتفسهم لقب " وزير" حتى إذا أرادوا نشر إعلان تعزية أو مجاملة اجتماعية لأحد غيرهم. وإن دل هذا على شيء فإنه يدل على التعطش الأعمى للألقاب والمسميات. ومن أمثلة التعطش للألقاب هو أن هناك لقب "وزير دولة" وهو منصب وزاري يعني ، وزير بدون وزارة ، تسند له مهمة أو مهام معينة وقد حدث أن قام وزير دولة في إحدى مجالس الوزراء السابقة بأن كتب على بناية وزارته يافطة ضخمة تقول " وزارة الدولة " وهو لقب لا يصح أن يُطلق إلا ، ربما ، على رئاسة الوزراء !!

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : كم عدد الموظفين بدرجة وزير في الجهاز الحكومي وهل أخذوا هم أيضا ً الزيادة غير القانونية التي قررها الوزراء لأنفسهم علما ً بأن من بينهم من هم مكلفون ، ولو نظريا ً ، بالرقابة والمساءلة ، أضف الى ذلك أن عدد الوظفين بدرجة وزير هو بالعشرات إن لم يكن أكثر من ذلك وأن هناك العديد منهم لا يعمل شيء وهو إما مفروز على المقاطعة أو المنظمة أو مؤسسات أخرى والقاسم المشترك لكل هؤلاء هو أن لا عمل لهم وأن القصد هو استرضائهم ومنحهم اللقب والراتب فقط لا غير.

نحن إذن لا نتحدث فقط عن الوزراء وإنما أيضا عن شريحة من الموظفين العاملين وغير العاملين في الأجهزة المدنية وغير المدنية تحمل لقب " بدرجة وزير " وأصبحت تتمتع بكل "إنجاز" يمكن أن يحققه الوزير لنفسه..

ولم يتوقف الأمر عند الزيادة غير القانونية لرواتب الوزراء بل تم تداول صور لقرارات وكتب وقوائم أسماء بوزراء صرفت لهم مبالغ مالية مقابل أجرة سكن في رام الله مع أن بعضهم يملك بيت في رام الله والبعض الأخر لا يقيم برام الله ولا داعي لأن يقيم فيها.

وهناك ثمة أمر آخر وهو أن المتعارف عليه في جميع دول العالم أنه لا يجوز لموظف أن يتقاضى راتبين من خزينة الدولة وإذا ما أعيد استخدام موظف أحيل للتقاعد فإن عليه أن يختار بين أعلى الراتبين ولكن لا يجوز له بأي حال من الأحوال أن يتقاضى راتبين. ولكن ما يرشح من أخبار عن بعض كبار المسؤولين هو أن هناك من يتقاضى راتبين أو راتب ومخصصات قد تتجاوز راتبه بمرات وهذا أمر يجب التحقق منه ووضع حد له ووقف هذا النزيف في هدر المال العام.

البدلات والمخصصات الناتجة عن الوظيفة

وهناك أمر آخر وهو أن هناك العشرات وربما المئات من كبار المسؤولين الذين هم أعضاء بحكم وظيفتهم في لجان ومجالس إدارة هيئات ومؤسسات حكومية وشبه حكومية يتقاضون بدل حضور جلسات مجالس هذه اللجان والهيئات ويتقاضون عن كل جلسة مبالغ طائلة تتجاوز بضع مئات من الدنانير عن كل جلسة بالرغم من أنهم موظفون ولا يجوز لهم ذلك. والمطلوب أيضا ً تصويب هذا الوضع ومنع الموظف العام الكبير من الانتفاع غير المشروع من وظيفته بتقاضي مخصصات وبدلات لم تكن لتأتيه لو وظيفته العامة.

وأخيرا وليس آخرا هناك هيئات وجهات تتقاضى جزءا من الدخل العام ولكنها لا تخضع للرقابة المالية أو المساءلة وتعمل في مساحة رمادية أقل ما يُقال فيها أنها تبقى في دائرة الشبهة التي يجب الخروج منها الى دائرة الشفافية.

والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو : ما الحل والى متى تظل هذه الفوضى المالية واستنزاف المال العام وهده وسرقته.

الجواب الأولي فيمل يتعلق يالزيادات غير القانونية التي حصل عليها وزراء حكومة الحمد الله ورئيسهم وم ما زال منهم في موقعه الوزاري في حكومة اشتيه هو اعتبار جميع المبالغ التي حصلوا عليها هي كسب غير مشروع ناتج عن إساءة استخدام السلطة ، واحتساب جميع هذه المبالغ وتحصيلها منهم وإعادتها الى خزينة الدولة باعتبارها حق عام لا يجوز التفريط فيه.  

ولا شك بأن الحكومة الحالية أمام تركة مثقلة بالديون والالتزامات والأخطاء والممارسات غير القانونية وأن من المستحيل أن تقوم بتصويب كل ذلك في يوم وليلة ولكن عليها أن تبادر بوضع خطة عمل لمشاركة قوى المجتمع المدني واطلاع القوى الوطنية بأقصى قدر من الشفافية لتضمن اتيتعادة ثقة المواطن بالسلطة واطمئنانه لحسن أدائها.

الحل المطلوب قبل السقوط في قاع الهاوية

وفي جميع الأحوال فإنه من المستحيل تصويب هذه الفوضى المالية والتشريعية والقانونية إلا من خلال إعادة الفصل التام بين السلطات والحد من تغول السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية وانتخاب مجلس تشريعي يمارس صلاحياته بالكامل ويبدأ بالمهمة شبه المستحيلة وهي إعادة حكم القانون الى نصابه وفرض سيادته على الجميع دون استثناء ومنع المساومة على تطبيق القانون ، وهذا أمر لن يكون بالسهل مطلقا ً ولكنه ممكن إذا توفرت الإرادة السياسية الوطنية قبل أن نصل الى قاع الهاوية. وأما إذا استمر العمل في تغييب أو غياب مجلس تشريعي ورقابة ومساءلة برلمانية فإننا ذاهبون الى قاع الهاوية لا محالة.