ما بين القانون المجحف والعادات البالية.. تزهق أرواح النساء

2019-08-20 10:13:17

هذه الليلة نهايتها لحنٌ حزين.. 

"انت خلتني اعيش الحب وياك الف حب" كلمات غنتها ام كلثوم دُندنت على مسامع ساره في تمام ساعتها الرابعه والنصف فجراً، حباتٌ من الهواء السلسله المتراقصه على أنغام قلبها تشق طريقها من ستار النافذه الخمري،لتداعب خصلات شعرها، هناك خللٌ واضح في الضوء انه يميل إلى اللون الداكن ولكن لا بأس، مستلقيه على فرشِ زهري اللون يخرج الاسفنج من جوانبه، ينام البيت بكامله ،ينام الشارع والشجر، تنام الكنائس والمآذن، ينام الضمير والرحمه، ويصحو قاتلها. 

ثمة صوت خطوات قادمه إلى غرفه ساره المظلمة، المشابه تماما لظلام مصيرها الآتي،حشرجه في ارجاء الغرفه، ،ارتعاشات يبعثها جسدها بفوضويه، الصوت يقترب ويعلوا، لتعلوا معه أصوات دقات قلبها، تشعر بالكثير من التشنجات الغادره، ها هو يقترب من خلفها ليضع يده على جسدها، تحاول ان تبعده، تصرخ، فتسقط يده على ثمها لُيقطع نفسها، تحاول أن تمنح نفسها رئه ثالثه، تنظر اليه، انه اخي! صوت زمور سياره! صحيح! .. هذا صوت السياره التي ستنقل ساره من غرفتها الورديه الى قاع دامس السواد. 

قُتلت ساره بأيدي شقيقها على أرضٍ مهجورة، بسكين سُنت انيابه بدقه، ليغرسه في قلبها حتى يقف نبضه، بعد محاولات عده  من الاستنجاد وطلب الرحمه، ولكن القسوه هنا سيدة الموقف، واشد بكثير من محاولات التوسل تلك،فكان قد حول قلبه إلى قطعه حجر حتى لا يلين أمام صرخات شقيقته، لينصرف يجر وراءه اذيال "غسل العار والشرف". 

هكذا تنتهي معظم قضايا قتل النساء على خلفية ما يسمى بالشرف. 

هوس الشرف

"الشرف" هذه الكلمه القصيره في حروفها والكارثيه في حضورها، إذ يمكن للوالد أن يقتل إبنته أو زوجته وأن يذبح الأخ أخته بهدف إعادة شرفه وانقاذ اسم عائلته وسمعته، لطالما كان الشرف في مجتمعاتنا مقرون بالمرأة. 

للأسف، الشرف في مجتمعاتنا العربيه مرتبط بجسد المرأه وبغشاء بكارتها، فجسدها وسلوكها ولباسها وكلامها ونشاطها الجنسي ليس شأنا خاصاً بها بل ملك للعائله، وعليها ان تدفع ثمن خطيئتها "حياتها" في حال الإخلال بالمنظومة القيمية للثقافة الذكورة،وذلك بمجرد الشك بسلوك انحرافي وقع بحقها، وهذا يعود إلى مجتمعنا الذكوري الذي يستهدف المرأه اولا متغاضيا عن خطايا الرجال، باعتبار ان الرجل لا يوجد مشكلة اذا قام بعلاقات متعدده، على خلاف المرأة تماماً.

وان جئنا لمصطلح الشرف حقيقهً فهو يجمع كافة الأخلاق الحميدة فهو صفة تمسّ النفس والروح والخلق، المتمثله بنبل الشخص ومدى ثقة الإنسان به، الصدق، عدم الاستقواء على من هو أضعف منه، شرف الإنسان في قدرته على التسامح، شرف الإنسان بايمانه بحق الجميع في الحياة الكريمة والحرة والعادلة،وقد ورد هذا التعريف شاملاً لانه يخص الإنسان سواء كان ذكر ام أنثى، فمن الخطأ الفادح ربط الشرف بغشاء بكاره أصبح في أيامنا هذة صناعي ومغشوش! 

أحاول التفكير للحظة: ماذا سيحدث لو تحولت جرائم قتل النساء على خلفية الشرف إلى المقابل الذكوري؟

لا بد من التنويه هنا، ودعونا نتفق ان هذا العمل مشين سواء كان  للرجل او المرأه(من المفترض)،ولكن ما يحصل في مجتمعاتنا مخالف تماما، فتقتل الفتاه بدمٍ بارد مقابل الرأفة بالقاتل بعيدا عن انصاف الضحية  ودون التفكير بمدى برائه المقتوله! وان جئنا للمقابل الذكوري لم يمر على مسامعنا إلى يومنا هذا جمله (رجل قتل على خلفيه شرف) فلا يعاقب الرجل بمثل عقوبات المرأة رغم فعله لنفس العمل الُمعيب. 

تعود المسؤوليه بالدرجة الأولى لمثل هذه القضايا بذاتها الى الأهل في التربية والتنشئه، فتعد تنشئه الطفل تنشئه جنسيه صحيحه من قبل الاسره درع واق ومحصن، كذلك الدولة التي بدورها ممكن ان تدخل مناهج الثقافه الجنسية بطرق علمية راقيه بعيدا عن الاثاره إلى المقاعد الدراسية، فمن المحتمل ان تخفف او تقضي على معظم الحالات القادمه،وأن يكون القتل هو آخر الحلول في مثل هذه القضايا،من أجل الوصول إلى حل سلمي وانساني دون سفك المزيد من الدماء. 

ان التنشئه الجنسيه الخاطئه وتربية الأطفال على ثقافه العيب والممنوع سبباً في مراكمه الكبت الجنسي والعاطفي التي بدورها ممكن ان تؤدي إلى الاغتصاب والتحرش والزنا والعديد من السلوكيات الا أخلاقيه، "فكل ما هو ممنوع مرغوب". 

هل سمعتم آخر نكته؟ 

 ذكرني مصطلح الكبت الجنسي بنكته تقول: شاب سأل شيخ: اذا حررنا فلسطين فهل يجوز مضاجعة الإسرائيليات باعتبارهم (سبايا) ؟ فقال له الشيخ:اذا حررتوا فلسطين تعال ضاجعني انا! 

لدينا الكثير من ألأدلة التي تؤكد على ان الانسان العربي يضع الجنس في أولى اهتماماته، وتشكل معظم ما يشغل باله،فترى النكات الجنسيه منتشره بشكل كبيرللتنفيس عن مكبوتاته، انها نزهه المكبوت في الحديث عن ما هو مسكوت عنه!
ولكن من الفظيع ان تمر نكتة كهذه على مسامعنا دون التساؤل :هل من الممكن أن يتقبل الإنسان فكره مشاركه عدوه الحب!؟ ام انه الكبت الجنسي الذي يدفعنا لفعل ما هو مجنون وكارثي وغير منطقي!

أين القانون؟ وماذا تريد الحركات النسوية من هذه القضية؟ 

أدى تساهل القانون في مثل هذه القضايا إلى انتشار الجرائم بشكل كبير في مجتمعاتنا، فلماذا لا يتم وضع قانون رادع! لماذا لا تفرض عقوبات صارمه على مرتكبيها، على الرغم من أن الشرع نص على  حماية الحق في الحياة للانسان؟ اسأله تبقى عالقه في السن القانون إلى يومنا هذا! 

 فمن خلال النظر الى قانون العقوبات المطبق في اراضي فلسطين  الذي نص على منح مرتكبي جرائم القتل على خلفية الشرف ما يسمى  بالعذر المخفف وهي ظروف مرتبطة بالجريمة، تبقي على ُالصفة الجرمية للفعل، لكنها تخفض العقوبة المقررة له، اي تجعل الفعل مباحاً! وهذا ما هو ادهى وامر. 

إحصائيات 

تشير الإحصاءات التي ترصدها تقارير المؤسسات الرسمية ومؤسسات نسوية ومؤسسات حقوق الإنسان، إلى استمرار مسلسل قتل النساء في المجتمع الفلسطيني بوتيرة متصاعده، فمن 13حاله قتل في عام 2012 الى 28 حاله في 2014، ومن23 حاله قتل في 2016 إلى27 حالة قتل في 2017، وهذا بإستثناء الحالات التي لم ترصد بعد! ألا تدق هذه الأرقام ناقوس الخطر في قلب القانون؟ 

الحركات النسوية

اما فيما يخص الحركات النسوية وجمعيات أنصار المرأة  فتتمحور كافه المطالب بتعديل قانون العقوبات الفلسطيني على إضافة جملة «يستثنى من ذلك الجرائم على خلفية ما يسمى الشرف» على نص المادة رقم ٩٨ من القانون، باعتبار ان هذا مطلب وحق شرعي، ولكن مع هذا هل سيكبح هذا التعديل الجرائم التي ترتكب بحق النساء؟ هل ينصف القانون المطبق المرأه بوضعه لهذه القوانين الجائره ام سيكمل ظلم المجتمع؟ لو فكرنا بالاجابه لوجدناها واضحه  تلمع من خلال رؤيتنا للأرقام المتزايده من قضايا القتل على خلفيه الشرف.

الإعلام في سبات عميق.. 

دعونا نتفق ان من واجب الإعلام اخذ موقف ثابت بخصوص  قضيه القتل على خلفية الشرف، ولو نظرنا إلى كيفيه تعامل الإعلام مع مثل هذه القضايا في فلسطين لوجدناه في إطار العلاقه الببغاويه والتجاهل تحت تبرير ان القضية من المحرمات الاجتماعية، فلم نرى منذ اعوام مشهد اعلامي واحد نقل لنا الخبر من زوايا  أخرى غير زاويه نقل الخبر كما هو، خبر يتناولوه مجموعة من النساء فتذنب الفتاه  المقتوله دون شغف معرفة الحقيقه لعمليه القتل! وان هاب الصحفيين في الغوص في مثل هذه القضايا وخاصه قضايا الشرف باعتبارها نقطه حساسة في مجتمعاتنا، فمن الضروري تضمين الخطاب الحقوقي ذو الفكر النسويّ في الأعمال الفنّيّة الفلسطينيّة وما تحتويه من موسيقى والاعمال السينمائيه،فكما رسخت فينا الاغاني الوطنية حبنا للوطن منذ الصغر، فالموسيقى والدراما قادرة على التاثير اكثر والتغيير أيضاً. 

رغم اهميه هذه القضية الا انها تبقى من الأمور المسكوت عنها ! فنجد ان هناك قلهٌ من يناقشون هذه القضية في الدراما العربيه، ومن خلال بحثي عن افلام فلسطينيه تعالج قضايا الشرف لاحظت ان عدد الأفلام لا يتجاوز اصابعي الخمس، من ضمنهم فيلم "مغاره ماريا" للمخرجه الفلسطينية بثينه خوري التي تروي من خلاله حكاية ماريا التي قتلت على يد أهلها بعد أن شكو بوجود علاقه مع احد من أبناء قريتها، قصه تحاكي واقع الكثير من النساء اللواتي قالت على خلفيه الشك لا الشرف. 

المصادر 

- قتل النساء داخل المجتمع الفلسطيني |مركز المعلومات الوطني الفلسطيني. 

- قانون العقوبات في فلسطين نص ماده رقم ٩٨.