تحقيق لرايــة.. تفاصيل خطيرة حول انهيار جزء من مدرسة الصفا بالخليل!

2020-01-12 07:10:39

خاص- رايـة- طه أبو حسين:

صباح الـ 25 من شهر كانون أول 2019، استيقظت مدينة الخليل على خبر انهيار جزء من مدرسةِ الصفا الأساسية للبنات بسبب انزلاق صخري ناتج عن حفريات مجاورة. بعدها.. بدأتْ لعبةُ رميِ كرةِ المسؤوليةِ بين الأطرافِ ذاتِ العلاقة، وبدورنا في السلطةِ الرابعة، في شبكة راية الإعلامية، أخذنا على عاتِقِنا عمليةَ البحثِ والتفتيش عن مكامنِ الخللِ الذي كان من شأنه أن يُحْدِثَ كارثةً انسانيةّ.

حتى نقف على كافة التفاصيل في شبكة راية الإعلامية، ذهبنا لنقطة البداية، مع جميل الجمل مالك المشروع والحفريات التي تسببت بانهيار جزء من مدرسة الصفا، والذي قال "بعدما حفرنا وانتهينا، حدث انهيار، الانهيار بعرض 4 إلى 5 امتار، طول 25 مترًا، وبعمق 6 إلى 7 أمتار، الانهيار الحادث، سحب جزء بسيط من المدرسة على عامود إرتكازي كان موجود في برندة بالمدرسة، أدى لانهيار صف بالطابق الثاني من المدرسة".

نقابة المهندسين وقفت هي الأخرى على تفاصيل حادثة الانهيار منذ الساعات الأولى، وقال رئيس هيئة المكاتب والشركات الهندسية طارق الزرو إن "انهيار صخري حدث بالموقع بعد عملية الحفر، وكانت بحوالي من منسوب مدرسة الصفا لأسفل الحفر من 12 إلى 14 مترًا، وهذا الذي أدى للانهيار دون أخذ الاحتياطات اللازمة، ودون عمل تدعيم مناسب لهكذا حفر، فبكل تأكيد ستؤدي الحفريات لانهيارات وخلل بحكم طبيعة الصخور الموجودة بالموقع، وطريقة الحفر الذي تم بشكل عامودي تماما، بدون عمل ميلان (سلوب) بالاتجاه الآخر".

الانهيار في مدرسة الصفا تزامن مع العطلة الرسمية بمناسبة عيد الميلاد المجيد، علما أن المدرسة تضم (354 طالبة) بواقع إحدى عشرة شعبة دراسية، والموجودة في منطقة عين سارة على الشارع الرئيس بمدينة الخليل، تحمل طابعًا معماريًا تاريخيًا، وهي مبنى مستأجر، تقام بجانبها حفريات لإقامة مشروع ضخم، يقول صاحبه"أخذنا اجراءات قانونية وإذن حفر، وبدأنا بالاجراءات، وكان عندنا مهندس مشرف ومهندس مقيم، وعملنا كأي مواطن يريد أن يعمل بناية بالوطن".

لكن عضو مجلس بلدي الخليل عبد أبو سنينة قال "كان هناك اجراء وترخيص سابقا، تم تجديد هذا الترخيص، هناك أخذ إذن حفر، تم اخطاره عدة مرات حسب المخططات الموجودة التي  كانت غير مطابقة لمواصفات البناء".

بينما قال نائب رئيس بلدية الخليل يوسف الجعبري أن "المقاول كان لديه ترخيص سابق صادر عن بلدية الخليل ولكن لم يكن بالأعماق التي قام بها ولم يكن على كامل قطعة الأرض، تم توجيه عدد من الاخطارات، ومن ثم تم توجيه كتاب للشرطة الفلسطينية من أجل ايقافه عن العمل".

وقوفًا عند نقطة حصول المالك على اذن حفر على رخصة قديمة يقول رئيس هيئة المكاتب والشركات الهندسية طارق الزرو إن "المخططات الهندسية لهذا المبنى لم تصادق لغاية هذه اللحظة من نقابة المهندسين، وبالتالي .. بالقانون ممنوع المباشرة بالعمل بأي موقع سواء بالحفر أو بغير الحفر دون التراخيص اللازمة، مصادقة المخططات الهندسية من نقابة المهندسين ومن ثم الهيئة المحلية  أي (بلدية الخليل)".

عاد الجعبري مبررًا إعطاء مالك المشروع إذنًا بالحفر "قدمت مخططات ولكن لم تحصل على الترخيص اللازم، كان عليها تعديلات، وبناء عليها أخذ إذن الحفر،  لكن نزل لأعماق أكبر".

وعلى ما سبق شدد الزرو "لا يجب أن يعطى إذن جرف على الرخصة القديمة، فلا نعلم ماذا يوجد بالرخصة الجديدة وماذا سيكون بها، وهنا أتحدث عن الهية المحلية (بلدية الخليل)".

بلدية الخليل تقول أنها أرسلت 5 اخطارات للمالك، والأخير يقول بأنهما إخطارين اثنين فقط!

يقول جميل الجمال مالك المشروع "الاخطارين غير ذات صلة بالموضوع، فلم يكونا بموضوع الحفر مطلقًا، الاخطار الأول كان يتحدث عن موضوع التعديات بالشارع، فكان لنا( كونتنينرا) بالشارع طلبوا ازالته من الموقع، أما الاخطار الثاني، بعد انتهائنا من الحفر بثلاث شهور، كانوا بحاجة لمخطط الوضعية فقط."

واستأنف الجمل "الشرطة جاءت مرة واحدة بالاخطار الثاني، وطلبت توقيف العمل، وكنا بلحظة التدعيم والبناء، وتواصلنا مع المهندس المشرف والمصمم للمشروع، ونزلنا للبلدية، وبعد ساعتين أخذنا اذن مباشرة العمل."

جدل تحمّل المسؤولية كان كبيرًا ما بين التهرب أو الاشارة لأحد الأطراف دون غيره أو حتى تعويمها، والبعض الآخر تخوّف من الحديث إلينا، فكان السؤال حول إن كانت الجهات ذات العلاقة تتابع المشروع؟  فكان ردّ مدير الدفاع المدني في الخليل يزن عمر "ليس لدينا أي معلومات عن هذه الحفرية".

بينما قال يوسف الجعبري نائب رئيس بلدية الخليل" لم تتواصل معنا التربية والتعليم، مع هذا لا أريد وضع اللوم على التربية، ولا أريد من أحد وضعها على البلدية، كمؤسسسات بالمدينة هناك اشكالية ما، هناك خطأ ما وقع في هذا الموضوع، وهو عدم المتابعة، ممكن البلدية تتحمل جزء، ولكن المؤسسات الأخرى تتحمل جزء، فأنا لا أقبل من مدير الدفاع المدني أن يقول لم يبلغني أحد بهذه الحفرية، فأين مهندسيه ومراقبيه؟".

في حين ردّ مدير تربية وتعليم الخليل عاطف الجمل "هناك كتب وصلت للمديرية والبلدية بهذا الخصوص بشكل واضح، وهي مؤرخة بتاريخه لكن كما تحدثت هذه الكتب ستكون لدى المدعي العام، وهناك تقصير يجب أن يحاسب كل مقصر سواء بالتربية أو البلدية".

أما عضو مجلس بلدي الخليل عبد أبو سنينه فبرر ما حصل "البعض يستغل أيام العطل ويعمل خلالها، فلا نقدر أن نضع على كل ورشة مراقب يبيت في هذه الورش والحفريات". وعليه ردّت مديرة مدرسة الصفا سائدة طهبوب"كان العمل يبدأ بالصيف ويستمر بأيام الدوام الدراسي".

طهبوب أكدت العمل خلال الدوام المدرسي عكس رواية البلدية، لكن عند سؤالها عن ملاحظتنا خلال التصوير وجود (جكّات بناء) تحت الغرفة الصفية التي إنهارت ردّت بتخوّف "لا أعرف، نحن لا نرى".

الحفرية التي تسببت بانهيار جزء من مدرسة الصفا، تركن على شقّها الثاني جمعية ومدرسة الشبان المسلمين التي أوقفت الدراسة فيها بعد الانهيار بأمر من وزير التربية والتعليم مروان عورتاني تخوّفا من أية خطورة، ورئيس الجمعية شادي سدر قال "وجهنا في جمعية الشبان كتاب لبلدية الخليل في تاريخ الأول من تشرين أول عام 2019، نوهنا عن عمق الحفرة وخطورتها على المباني، لكن للأسف من يومها حتى انهيار المدرسة لم يكن هناك أي متابعة من البلدية حتى لو بالاتصال، اضافة لأننا تواصلنا بشكل مباشر مع عدد من المهندسين والمراقبين بصفة شخصية ودون نتيجة".

وزارة التربية والتعليم والمؤسسات الرسمية عقدت مؤتمرًا عقب حادثة الانهيار في دار محافظة الخليل، وخلالها أعلن الوزير مروان عورتاني عن جملة من القرارات "أولا ملف مدرسة الصفا أحيل للنائب العام، لمتابعته حسب الأصول لأن فيه بعد جزائي لهذا الحدث، ولن نتوانى عن اتخاذ الاجراء اللازم بحق أي جهة مسؤولة عن تهديد حياة أولادنا وبناتنا في مدرسة الصفا".

وكان من بين قرارات المؤتمر، المباشرة الفورية بترميم المدرسة، والبحث عن مقر بديل وعدم اللجوء لدوام مسائي، اضافة لتحميل المقاول نفقات تدعيم وترميم المبنى والمقر البديل، ثم تشكيل لجنة تحقيق للوصول إلى أدق تفاصيل الحدث.

علي العويوي ممثلًا عن أولياء أمور طالبات الصفا شدد على أنهم سيتقدمون " بشكوى الشروع بالقتل لمحاسبة المستهتر الغير مبالي بهذا الموضوع، أيا كانت الجهة، إن كانت بلدية، أو تربية، أو مقاول، أو أي جهة أخرى، سنحاسبه، لأن هذا موضوع خطير، فلولا لطف الله ووجود العطلة لحدثت فاجعة بالمدينة".

رغم وضوح بعض التجاوزات القانونية إلا أن كرة المسؤولية، ما زال كل فريق يسددها في هدف فريق آخر، فقد قال مدير تربية الخليل عاطف الجمل "لا أستطيع تحميل المسؤولية لأي شخص، لكن من يحفر بجانب المدرسة يتحمل المسؤولية."

في حين قال وزير التربية مروان عورتاني"واضح أن هناك أكثر من طرف يتحمل المسؤولية، واضح أن الجهة التي تعطي ترخيص الحفر وعندها القدرة على وقفه، هي المسؤول رقم واحد، المتعهد والمقاول عندهم مسؤولية مباشرة، أيضا يمكن أن يكون هناك جهات أخرى لها علاقة". وتابع "نحن في التربية سنبحث عن حجم و هامش المسؤولية علينا أيضا اذا كان أي قصور من أي قسم أو جهة داخل جهاز التربية والتعليم".

وختم عورتاني "لن نتوانى بمساءلة أي جهة استغفلت، تغافلت، أو تواطأت مع ما حدث".

من جانبه قال جميل الجمل صاحب المشروع "المسؤولية مسؤولية مشتركة، ولا أحد يعفي نفسه منها، لا أريد أن أتهم أحد، ولكنعملت بموافقة الجميع، الدفاع المدني والبلدية والجميع.. ولم يوقفني أحد."

أما مدير الدفاع المدني بالخليل يزن عمر قال "المسؤولية تقع على الجميع".

بينما قال نائب رئيس بلدية الخليل يوسف الجعبري "أنا أقول جميع المؤسسات تتحمل جزء من هذه الاشكالية، والمقاول يتحمل المسؤولية الأكبر لعدم توفير الاشراف والدعم اللازم".

في ظل تعويم المسؤولية بين الأطراف، تحسم نقابة المهندسين الجدل الحاصل كما يوضّحه رئيس هيئة المكاتب والشركات الهندسية طارق الزرو "الهيئة المحلية عندها ترخيص قديم بطابقين، طابق تسوية وطابق أرضي، المشروع الجديد مكون من أربع تسويات، وطابق أرضي وسدد، وسبع طوابق روف، بمعنى حوالي 15 عقدة لهذا المشروع، بالاضافة لأربع تسويات، بمعنى 14 مترًا حفر تحت منسوب الشارع، وبذلك لا يجوز اعطاءه اذن جرف ولا بأي حال من الأحوال إلا بعد المصادقة على المخططات الهندسيةمن نقابة المهندسين وترخيصها من الهيئة المحلية، اضافة لنظام التدعيم الموجود للمحافظة على المباني والممتلكات المجاورة، سواء المادية أو البشرية".

عدة مصادر أشارت بأن لجنة التحقيق التي شكّلت، قد اتفقت على الصيانة والترميم ما يعني نهاية القصة، في حين أكدت بعض الأطراف على أن اللجنة لم تخرج بنتائجها إلى الآن.

مالك المشروع جميل الجمل قال "آخر جلسة كانت عند المحافظ، تحدثنا فيها على أن ما كان كان، ولكن يجب إعادة البناء كما كان وترمميه بشكل سريع جدا، تعهدنا بهذا الموضوع وقلنا بأننا بالتزام أخلاقي وانساني بهذا الموضوع".

المعطيات التي وصلنا إليها في هذا التحقيق والتي تتضمن مخالفات قانونية هندسية باتت واضحة، من شأنها أن تطرح سؤالًا.. ماذا بعد هذه النتائج؟ هل سَتُتَّخَذ خطوات عملية على أرض الواقع؟ وماذا عن لجنة التحقيق التي شكّلت للبحث في تفاصيل الحادثة؟