الحكومة 18: 5 أسباب و4 تحديات وفرصة

2020-03-21 10:58:43

في يوم 20/6/2019 كتبت مقالاً نقدياً بعنوان " د. محمد اشتيه: لماذا رفعت سقف توقعاتنا"، لأسباب عديدة، منها الفجوة بين قرارات وإعلانات الحكومة 18 التي كانت تُنشر لنا عبر الإعلام وما بين آليات التنفيذ والمتابعة في الوزارات ذات الشأن والتطبيق الفعلي. ولكن وإيماناً بدورنا نحو بناء مجتمع إيجابي فعّال من خلال الإعلام الإيجابي، فإنه أيضاً يقع على عاتقنا أن نقول كلمة إيجابية عندما يتم علاج مشاكلنا الأكثر إلحاحاً، وأن ندعم كل صانع قرار يسعى بجديّة لحماية حياتنا وحقوقنا ومتابعة قضايانا. وبالمقابل سوف نبقى إعلاماً محايداً شجاعاً يقوم بالمحاسبة وبمتابعة الوعود والإنجازات لهذه الحكومة، ولأي حكومة قادمة، بغاية وضعها تحت المساءلة المستمرة، تحقيقاً لخدمة الناس أولاً. فإنني اليوم أكتب مقالاً أتحدث فيه عن ٥ أسباب و٤ تحديات وفرصة.

الأسباب الخمسة:

  • بعد أن فقدنا كل أنواع الثقة، وبعد ازيداد الفجوة والاحتقان بين الشعب الفلسطيني وما بين أحزابه وحكوماته المتعاقبة على مدار السنوات الماضية؛ إلا أن نهج هذه الحكومة الجدّي للتواصل عبر وسائل الإعلام المتنوعة ومنصات السوشال ميديا، واحترام عقولنا ببث المعلومات المستمرة، ومشاركتنا خطط العمل، والتحديات والانجازات؛ قد بدأ يساهم بإعادة الأمل، وبداية بناء جسور إيجابية سوف تتعزز إذا ما استمرت الحكومة 18 بإدارة د. اشتيه على هذا النهج الإيجابي، وبالتفاعل اليومي الحقيقي مع هموم وأسئلة وأفكار الناس، وتحويل الأزمات إلى فرص حياة ونمو.
  • منذ بداية تسلم اشتيه منصبه كرئيس للوزراء وهو يدخل من أزمة إلى أخرى، إلا أن شعبيته بازدياد، كونه أدار الأزمات بحكمة. آخرها إدارة أزمة اضراب الأطباء، ومن ثم إدارة أزمة فايروس كورونا، واعتبار فلسطين نموذجاً في احتواء الأزمة. فعلى الرغم أيضاً من عدم جهوزية النظام الصحي الذي يعاني من سنوات طويلة من تحديات إدارية ولوجستية، إلا أن وجود خطة تواصل مشتركة بين قطاع الأطباء ووزارة الصحة وقوات الأمن بإدارة وإشراف من رئاسة الوزراء مباشرة قد ساهم بشكل إيجابي ومميز في حماية حياة الناس وطمأنتهم. هذه الإدارة المشتركة المميزة ساهمت بنشر الطاقة الإيجابية وإعادة الأمل لنفوس آلاف الشباب وعائلاتهم والناس، وقد تكون بداية لتأسيس مفاهيم الموطنة ومنظومة الحقوق والواجبات.
  • كتبتُ مقالتين عن ضرورة تأسيس وزارة كاملة لقطاع ريادة الأعمال وعن فلسطين التي نريد، مقدماً رؤية شبابية للحكومة الجديدة، لأكتشف بعدها أن د. اشتيه قرأ المقالتين بجدية، مستمعاً لأفكارنا. وبالفعل، اتخذ خطوات عملية وأسس وزارة للريادة والتمكين. هذه أولى الخطوات التي بدأت تعيد ثقتنا بالحكومة بعد سنوات عجاف أثرت سلباً بنظام ريادة الأعمال وعمل المؤسسات الأهلية في فلسطين.

 

  • قام اشتيه من خلال وزارة الريادة ووزيرها المهندس أسامة السعداوي بتطوير مجموعة قوانين، من خلال الاستماع المباشر لأفكرنا وبرامجنا وتجاربنا وتحدياتنا، ونقلها لحيز التنفيذ من خلال أنظمة عمل حديثة سوف تتبناها هذه الوزارة الواعدة. فإذا بالفعل عملت الوزارة على تنفيذ هذه المقترحات واحتضان الشباب الريادي وحاضنات الأعمال، فإنها سوف تتمكن من بناء قاعدة شبابية فكرية ريادية هي الأهم لبناء اقتصاد قوي، ريادي، تكنولوجي، لتصبح درعاً عملياً معاصراً يساهم في بناء حكومة مرنة سريعة الاستجابة للمتغيرات من جهة، وحكومة قادرة على خدمة فلسطين التي نريد من جهة.
  • بعد أن علم د. محمد بتحديات عملنا، وبعد أن كتبت مقالي "" د. محمد اشتيه: لماذا رفعت سقف توقعاتنا" العام الماضي، قام مباشرة بدعوتي لاجتماع خاص ودراسة مشاكلنا. وعلى الفور طلب من الجهات ذات الشأن متابعة القضية. صحيح أن المشاكل لمّ تحلّ حينها إلا بعد شهرين، وهذا خلل إداري بسبب غياب آليات المتابعة، إلا أن الدكتور وفريقه المقرب استمروا بالمتابعة إلى حين حلّ الإشكالية. وهذا أثّر بشكل إيجابي على عملنا الذي يخدم مئات الشباب الفلسطيني، وبالتالي على عمل شركات ناشئة ومؤسسات أخرى. هذا النهج الإداري المميز سمح لي بإضافة نقاط إيجابية إلى رصيد الحكومة وتحفيزها على الاستمرار بالعمل. 

 

الآن أمام الحكومة 18 تحديدات وأزمات جديّة، منها:

  •  يكمن التحدي  الآن أمام الحكومة 18 بمدى قدرتها على إدارة الخلافات البينية والاختلافات داخل الحكومة نفسها، وصراع المصالح، وكل محاولات هدم خطوات هذه الحكومة الهادفة إلى تحقيق الإنجازات.

 

  • مازالت حالة الغليان الشعبي موجودة ومتراكمة، وفقدان الثقة بسياسيين واقتصاديين ومسؤولين موجودة وبقوة، كما أن بناء الثقة يحتاج إلى وقت طويل لينمو، هذا فقط مرهون بقدرة اشتيه والحكومة  ١٨ على تحقيق انجازات حقيقية شعبية يلمس الناس أثرها المباشر، وبعلاج المشاكل ونقل الوعود إلى واقع.

 

  •  إذا استمرت هذه الحكومة باعتماد الشفافية والعلنية في التواصل، واعتماد منصات إعلامية لا تحمل أجندات سياسية ومصالح متضاربة للتواصل ونشر معلومات دقيقة تساهم في حماية الناس والمصالح الوطنية العليا، فإنها سوف تخفف من أثر انتشار معلومات مزيفة قد تساهم بنشر الخوف وزعزعة حياة الناس وتشويه سمعة وانجازات الحكومة، وتدمير إنجازاتها التي قد تكون الأمل الواعد بالتغيير، مما سوف تسبب مجدداً بفقدان الأمل للأبد بأي حكومة وصانع قرار.

 

  • لن تتمكن الحكومة  18 من تحقيق التغيير لصالح الشباب والناس، ولن تتمكن من بناء الثقة مع الشعب، و لا من إعادة ترميم فلسطين، إلا بإيجاد آليات متابعة حديثة وتكنولوجية، تحقق السرعة في الإنجاز، وإلا إذا غيرّوا بنية الوزرات وعقلية موظفيها بالكامل، من خلال تغيير  ثقافة الموظف الذي ينتظر راتبه ويبصم عند دخوله وخروجه ويتجبّر بالناس ظلماً، إلى موظف فعّال وسريع الانجاز يؤمن بفلسطين، ويؤمن بأنه هنا  في منصبه لخدمة الناس تسهيلاً لحياتهم، وأنه أساس تحررها ولو بعد حين، وبأيضاً من خلال إيجاد آلية متابعة وتقييم لعمل كل موظف، وبناء نظام محاسبة جديّ.

 

الفرصة:

أما الفرصة بنظري التي سوف تمكّن حكومة اشتيه من بناء الثقة، وتشكيل قاعدة جماهيرية حقيقية للخروج من الأزمات الداخلية والخارجية؛ فإنها تكمن بإدارة لجنة الطوارئ، وفرصة امتلاك اشتيه الآن زمام المبادرة، ومساحة اتخاذ القرارات العليا والحساسة، للخروج من الأزمات القادمة، وحماية السوق من التلاعب بالأسعار- حينها سوف يشعر الناس بالأمان في ظل هذه الحكومة- ووضع مسؤوليات مالية على القطاع الخاص ورأس ماله وتحديداً الذي استفاد من الدولة الفلسطينية على مدار عقود. فإن الناس بالمقابل سيكونون هم القوة  التي سوف تساعد الحكومة على البناء والتقدم، ليصبح أسمها خالداً في التاريخ، حينها سوف نصنع بصمة تغيير حقيقية في حياتنا.

 الناس اليوم تبحث عن صانع قرار عادل وقوي وإيجابي. وهذا ما نريده. حان الوقت لبناء فلسطين التي نريد، فلسطين القوية، ولنخرج معاً بسلامة من أزمة كورونا وغيرها بالإدارة الحكيمة والقرارات الشجاعة.